قراءة في كتاب أنتوني فلو: هناك إله
د. عبدالخالق حسين
الجزء الاول
مقدمة:
تأتي أهمية هذا الكتاب: (هناك إله There is a God)، من كون مؤلفه الفيلسوف البريطاني (أنتوني فلو Anthony Flew)، كان من أشهر الملحدين لأكثر من خمسين سنة في نشاطه الأكاديمي، وفجأة تحوَّل من ملحد إلى مؤمن بإله في أواخر حياته. و للصراحة أقول أنه رغم صدور الكتاب قبل 16 سنة تقريباً، إلا إني وللأسف لم أسمع به إلا بعد أن قرأتُ المقال القيم للأستاذ حاتم حميد محسن، الموسوم: (حوار حول الطاولة بين الدين والفلسفة)(1)، في صحيفة المثقف الإلكترونية الغراء، في 3 حزيران 2021، حيث ذكر السيد الكاتب في المقدمة:
“هل الدين يحتاج للفلسفة؟ ام العكس؟ هل هما طريقتان متضادتان في النظر للعالم؟ ماذا يمكن ان يقول الايمان والعقل الى بعضهما؟”. ويضيف: “في آخر الألفية الماضية، جمعتْ (مجلة الفلسفة الآن)، وبالتنسيق مع (مؤسسة الفلسفة للجميع)، نخبة من المفكرين المتميزين أمام جمهور واسع في احدى دور الكتب في لندن [نهاية عام 1999]، لمناقشة الأسئلة الهامة الآنفة الذكر. وقدم الأستاذ حاتم مشكوراً، ترجمة وافيه عما دار في ذلك الحوار. وما جلب انتباهي هو الهامش (رقم1 في نفس المقال) عن أحد المشاركين في ذلك الحوار، وهو الفيلسوف أنتوني فلو، الذي كان مازال ملحدا في ذلك اللقاء، ولكن بعد أربع سنوات (أي عام 2004)، غيَّر موقفه وتحول من ملحد إلى مؤمن بالله، حيث نشر كتابه الذي هو محور مراجعتنا هذه (Book review).
ولا أفشي سراً إذا قلت، أني وكغيري من أغلب الناس، لي اهتمام في البحث عن الله. فكما قال الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط: إن أهم مواضيع الفلسفة هي: (الله والحرية والخلود). لذلك، و بعد انتهائي من قراءة المقال، سارعت إلى محرك البحث في غوغل أبحث عن الكتاب والمؤلف. فحصلت على ما أريد. وقد أنزلتُ الكتاب بنسختيه الإنكليزية، و العربية، بسهولة، أدرج رابطيهما في الهامش.(2 و 3).
قرأت الكتاب بنسخته الإنكليزية أولاً، ومن ثم بنسخته العربية التي وجدتها ترجمة مهنية دقيقة (ترجمة الدكتور صلاح الفضلي، ومراجعة الدكتور الشيخ مرتضى فرج). والجدير بالذكر أن المُراجع قد أغنى الترجمة العربية بإضافاته القيمة في الهوامش، يوضح فيها كل ما يحتاج إلى شرح وتوضيح، وكذلك نبذة قصيرة عن الأعلام من الفلاسفة الذين يأتي ذكرهم في سياقات الكتاب. لذلك فجميع الاقتباسات التي سترد في هذه المراجعة مستلة من الترجمة العربية، أضعها بين قويسات التنصيص. وهناك طبعة عربية أخرى كويتية لنفس المترجم، ولكن بدون تعليقات وإضافات المُراجع(4).
نبذة عن المؤلف:
هو أنطوني جيرارد نيوتن فلو (Antony Flew) (1923 – 2010)، فيلسوف بريطاني، ابن قس ميثودست/بروتستانتي، غالبًا ما كان يحضر الاجتماعات الأسبوعية لنادي سقراط الذي كان يديره الأستاذ سي أس لويس عندما كان طالباً في جامعة أكسفورد، لكنه لم يقتنع بحجة لويس عن وجود الله.
اشتهر بكتاباته في فلسفة الأديان. وألف العديد من الكتب التي تدحض فكرة الإله، غير أنه في آخر حياته ألف كتاباً بعنوان: (هناك إله There is a God) في عام 2004، نسخ فيه كل كتبه السابقة التي تجاوزت ثلاثين كتابًا، تدور حول فكرة الإلحاد. وقد تعرض لحملة تشهير ضخمة من المواقع الإلحادية في العالم وذلك لأنه ولخمسين عامًا كان يُعتبر من أهم منظري الإلحاد في العالم. تميَّز فلو بعلميته في الطرح واستشهاده بقوانين الطبيعة لإثبات آرائه، وقد بدأ يتخلى عن الإلحاد بعد تفحص عميق للأدلة، عندما بلغ 81 عاماً من العمر، حيث أعلن ما اعتبر صدمة قوية في وسط الفكر الإلحادي في العالم أنه الآن يؤمن بوجود الإله بدافع من البراهين العلمية و تحوله إلى الفكر الإلهي.
كان فلو محاضرا في الفلسفة في كلية كنيسة المسيح (Christ Church) في جامعة أكسفورد لمدة عام (1949-1950). ومن 1950 إلى 1954 كان محاضرا في جامعة أبردين/ سكوتلاندا، ومن 1954 إلى 1971 كان أستاذا للفلسفة في جامعة كيل/أمريكا. ثم أصبح أستاذا في جامعة كالجاري/كندا 1972-1973. وأخيراً أستاذاً في جامعة ريدنغ/ إنكلترا إلى تقاعده، وعاش في هذه المدينة إلى وفاته عام 2010.
لماذا تحوَّل المؤلف من إلحاد إلى الإيمان بالألوهية؟
يجيب المؤلف في المقدمة: “منذُ أنْ أعلنتُ عن (تحوُّلي) إلىٰ الألوهية، طُلِبَ منِّي في مناسباتٍ كثيرةٍ جدَّاً بيانُ أسباب تغيير وجهة نظري…انتهيتُ إلىٰ القناعةِ بأنْ أعرِضَ ما يمكن تسميَتُهُ وصيَّتي وشهادتي الأخيرة. .. في البدايةِ لا بدَّ أنْ أكونَ واضحاً، عندما انتشرت أخبارُ تحوُّلي في وسائلِ الإعلام وعلىٰ شبكة الإنترنت، سارَعَ بعضُ المُعلِّقين إلى الادِّعاءِ بأنَّ تقدُّمي في العمر أثَّرَ فِي (تحوُّلي). لقد قيل: إنَّ الخوفَ هيمَنَ على عقلي بقوَّة، وقد انتهى هؤلاء المنتقدون إلى أنَّ توقُّعات الدُّخول إلى عالَم ما بعدَ الموت حفَّزَت لديَّ (تحوُّل فراش الموت Deathbed conversion). من الواضحِ أنَّ هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مطَّلعين على كتاباتي عن اللاوجود بعد الموت، وهم ليسوا مطَّلعين كذلك على آرائي الحالية حول هذا الموضوع.” ويضيف: “علىٰ مدىٰ أكثر من خمسين سنة لم أُنكِر وجودَ إلهٍ فحسْب، بل أنكرتُ أيضاً وجودَ حياةٍ بعد الموت. ومحاضراتي التي نُشِرَت في كتابِ (منطقُ الفناء) تُمثِّلُ ذروة هذا المنهج من التفكير. فهذا مجالٌ من المجالاتِ التي لم أُغيِّر وجهةَ نظري فيها.” (ص 6).
كذلك يرد المؤلف على منتقديه قائلاً: “أود أنْ أضَعَ حدَّاً لجميعِ هذه الشَّائعات التي وضعتني في رهانِ باسكال Pascal* أيضاً لا بدَّ أنْ أُ شيرَ إلى أنَّ هذه ليست هي المرَّة الأولى التي (أُغيِّر فيها وجهةَ نظري) في موضوعٍ رئيسي. قد يندهشُ القُرَّاءُ المُلِمُّونَ بدفاعي المستميت عن الأسواقِ الحُرَّة إذا ما علموا أنِّي كنْتُ ماركسياً (لمزيدٍ من التَّفصيل، انظُر الفَصْل الثاني من هذا الكتاب). وقبلَ عقدينِ من الزَّمن، تراجعتُ عن قناعاتي السَّابقة بأنَّ اختيارات الإنسان محكومةٌ بنحوٍ شاملٍ بواسطةِ أسبابٍ مادية.”(ص 7)
* ولتوضيح عما يسمى بـ (رهان باسكال Pascal wager)، هو مراهنة مبنية على نظرية الاحتمالات، وتُستخدم بضرورة الإيمان بوجود الله على الرغم من عدم إمكانية إثبات وجوده أو عدم وجوده عقلياً. و بليز باسكال (Blaise Pascal)(1623-1662)، هو فيلسوف وعالم رياضيات فرنسي عاش في القرن السابع عشر، يتلخص رهانه بقوله: “من الأفضل أن أؤمن بالله، فإن كان موجوداً فأنا رابح، وإن لم يكن موجوداً فلم أخسر شيئاً.” وينقل رجال الدين الشيعة مثل هذا القول عن الإمام جعفر الصادق أيضاً. بمعنى أن هذا الرهان هو أشبه بالتأمين على الحياة، ولا يعني الإيمان بالله عن قناعة بالدليل التجريبي، أو المنطق، أو الحجة العقلانية.
وفي هذا الصدد يقول أنتوني فلو: “إنَّ على المرءِ أنْ يظلَّ مُلْحداً حتى يجِدَ الدليل التجريبي على وجودِ الإله.”( ص 3).
لذلك، وكما يؤكد المؤلف، لم يكن تحوله من ملحد إلى مؤمن بدافع رهان باسكال، أو العمر، أو الإيمان بحياة ما بعد الموت كما اتهمه البعض، بل بدافع القناعة بالأدلة بعد كل هذه الرحلة الثقافية الطويلة، عملاً بالمبدأ السقراطي القائل والذي راح يؤكده: “يجب أنْ نتَّبع الحُجَّةَ أينما قادتنا.” ويضيف في مكان آخر “وقد حاولتُ أنْ أُطبِّقَ هذا المبدأ طوالَ حياتي الجدلية.”(ص 30).
ملاحظات توضيحية
يبدو أن هناك خلط و التباس بين الإلحاد، والنفور من الأديان لدى البعض. فأكثر الذين يرون أنفسهم ملحدين هم في الحقيقة لا يؤمنون بالأديان، وربما يؤمنون بإله كوني، أو ما يسمى بالعقل الكوني المطلق، وموقفهم هذا هو رد فعل لما أرتكبه السلاطين ووعاظ السلاطين من مظالم بحق البشرية باسم الله والدين. فأغلب الحروب في العالم كانت دينية، وخاصة في أوربا حيث الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت، إضافة إلى الحروب الصليبية بين المسيحيين الأوربيين والمسلمين في القرون الوسطى، وما ارتكبته الكنيسة من جرائم بشعة إبان محاكم التفتيش بحق العلماء، والفلاسفة، وملاحقة السحرة (witch hunting). وكذلك في عصرنا الراهن ما يرتكبه الإرهاب الإسلامي بمختلف مذاهبه ومنظماته (القاعدة، طالبان، داعش، بكوحرام، والمليشيات الطائفية وغيرها)، من أعمال إجرامية بحق الإنسانية والحضارة البشرية باسم الله والدين. وهذا ما جعل الكثير من المثقفين يكفرون بالله وبالأديان معاً. كذلك علينا أن نميِّز بين إله الأديان وإله الأكوان، أي الإله حسب تعريف العلماء والفلاسفة. فإله الأديان هو ما يُعرف بالإله الشخصي (Personal God)، ويشبهونه بالبشر (Anthropomorphism)، حيث يغضب ويعاقب ويحرق البشر…الخ. وفي هذا الخصوص يقول الشاعر إليا أبو ماضي:
كم روّعوا بجهنّم أرواحنا… فتألمت من قبلُ أن تتألما!
زعموا الإله أعدّها لعذابنا …حاشا، وربُّك رحمةٌ، أن يظلما
ما كان من أمر الورى أن… يرحموا أعداءهم إلا أرقّ وأرحما
ليست جهنم غير فكرةِ تاجرٍ… ألله لم يخلق لنا إلا السما
بينما إله الفلاسفة، وكما نراه في سياقات هذا الكتاب الذي نحن بصدده، هو إله غير مادي، عقل كوني ذكي واعي بلا حدود، ليس كمثله شيء، سميع عليم، كلي القدرة والوجود، وهو خالق الكون والقوانين الطبيعية الثابتة والمُحكمة وبمنتهى الدقة والتعقيد.
كذلك يتوهم البعض أن الإنسان التقدمي أو اليساري، يجب أن يكون ملحداً!! وكأن الإلحاد شرط ملازم للتقدمية واليسارية، وهذا في نظري غير صحيح. فهناك العديد من القساوسة في دول أمريكا اللاتينية انتموا إلى أحزاب يسارية وماركسية بدافع النضال من أجل العدالة. وحتى الحبر الأعظم الحالي للفاتيكان، البابا فرانسيس، متهم بالشيوعية لحبه وانحيازه للفقراء والمظلومين في العالم. لذلك أقول أن مسألة الإيمان بالله أو عدمه، لا علاقة لها بكونك تقدمي، أو رجعي، أو يساري أو يميني، أو متدين أو غير متدين. وعلى سبيل المثال، كان المفكر والكاتب المسرحي المصري الكبير توفيق الحكيم يؤمن بالله، ولكنه ما كان يؤدي الفروض الدينية عملياً، أو ما يسمى بالتدين الظاهري، ولما سُئل لماذا لم يؤدِ الفروض الدينية، فأجاب أنه يؤديها بقلبه.
الكتاب
يتألف الكتاب من مقدمتين، واحدة للناشر (تعريف بالكتاب والمؤلف Preface)، والثانية للمؤلف في النسخة الإنكليزية، ومقدمة للمترجم وثانية للمؤلف في النسخة العربية، وعشرة فصول، وملحقين.
ويخصص المؤلف الفصولُ الثلاثةُ الأ ولىٰ للإجابة على سؤال لماذا صار ملحداً، والفصولُ السَّبعةُ الأخيرة يجيب على سؤال: لماذا تحول إلى الإيمان واكتشافه للمُقدَّس (الإله)”.(ص7). وسنأتي بشيء من التفصيل لاحقاً.
أسباب إلحاده
يقول المؤلف: “بعضُ آرائي الفَلْسفية تشكَّلت حتَّى قبْلَ أنْ أدخُلَ إلى مدرسةِ كنغزوود (إعدادية). لقد كنْتُ معتنقاً الشُّيوعية في فترةِ تسجيلي في المدرسة، وقد بقيتُ كاشتراكيٍّ يساري نشيطاً حتَّى بدايةِ الخمسينيات من القَرْنِ الماضي، عندما استقلْتُ من حزْبِ العُمَّال، وهو الحِزْبُ الذي يُمثِّلُ تاريخياً الحركةَ اليسارية في بريطانيا.”(ص 45). ويضيف في مكان آخر أنه أخفى إلحاده عن أبويه حفاظاً على استقرار العائلة، ولكنه بعد أن دخل جامعة أوكسفورد، ومساهماته في سجالات دافع فيها عن الإلحاد، عرف أبواه عن إلحاده وتسامحوا معه.
يقول أنتوني فلو: “… الأُسُسُ التي بنيْتُ عليها اقتناعي بالإلحاد، عندما كنْتُ في الخامسة عشرة، كانت ناقصةً بوضوح. لقد كانت مبنيَّةً على ما أسميتُهُ لاحقا (عنادِ صِغارِ السِّنِّ):
1 – مشكلةُ الشَّرِّ كانت بالنِّسبةِ لي دحضاً حاسماً لوجودِ إلهٍ كاملِ الخيرِ وكاملِ القُدْرة.
2 – و(الدِّفاعُ عن حُرِّيةِ الإرداة) لا يعفي الخالِقَ من مسؤوليَّة عدم إتقان الخَلْق.”(ص 60)
ويشير إلى كتاب له بعنوان: (الله والفلسفة)، يقول: “لقد نبَّهتُ فيه إلى أنَّ هناك ثلاثةَ موضوعاتٍ
بالتَّحديد يجبُ الإجابةُ عنها فيما يخُصُّ مفهومَ الإله:
1 – كيف يمكنُ تعريفُ الإله؟
2 – كيف يمكنُ تطبيقُ التَّعبيرات الإيجابية والسَّلْبية (غير المادية) على الإله؟
3 – كيف يمكنُ تفسير عدم التوافُق بين تعريفِ صفات الإله مع حقائِقَ لا يمكنُ إنكارُها؟ مثال: (كيف يمكن تفسير وجود الأمراض في العالَم مع وجودِ إلهٍ قادر؟)”. (ص 69)
فرضية الإلحاد
يضيف المؤلف: “بعد مرورِ عقدٍ من الزَّمن على نشْرِ كتاب (الإله والفَلْسفة)، قُمْتُ بكتابةِ مقالة (فرضيَّة الإلحاد) نُشِرَت في الولاياتِ المتَّحدة تحتَ عنوان: (الإله والحُرِّية والخُلُود). جادلْتُ بأنَّ النِّقاشَ حول وجود الإله يجبُ أنْ يبدأَ من فرضيَّةِ الإلحاد، وأنَّ عبءَ الإثبات يجبُ أنْ يكونَ على المؤمنينَ بالإله… وأن استخدامُ المؤمنين بالإله لكلمةِ (الإله) يجبُ أنْ يُقدِّم معنى يجعلُ من الممكنِ نظرياً لهذا الكائن الواقعي أنْ يُوصَف. توصَّلْتُ إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّه مع هذا المنظورِ الجديد يظهَرُ مشروعُ الإيمان بالإله بأكملِهِ متزعزعاً أكثرَ عمَّا كان عليه من قبل… حتَّى نؤمن بأنَّ هناك إلهاً، لا بدَّ أنْ تكون لدينا مُبرِّرات جيِّدة للاعتقاد… والموقفُ المعقولُ الوحيدُ هو أنْ تكونَ مُلْحِداً سلْبيَّاً، أولا أدْريّا (agnostic). وهذا يشبَهُ كثيراً قاعدة (أصْل البراءة)، التي يستندُ عليها القانونُ العامّ الإنكليزي.” [أي المتهم بريء حتى تثبت إدانته]. (ص 74-75)
ولكن الفيلسوف المؤمن رالف ماكإنيرني Ralph McInerny))، يرى أنَّ من الطَّبيعي للإنسانِ أنْ يعتقدَ بالإلهِ بسببِ النِّظام، والتَّرتيب، والقوانين التي تحكُمُ الأحداثَ التي تقعُ في الطَّبيعة. ولذلكَ كثيراً ما يقول: “إنَّ فكرةَ وجود الإله هي فكرةٌ فطريَّةٌ، وتبدو كمُسلَّمةٍ تقفُ ضدَّ الإلحاد. لذا فإنَّه في حين جادلَ بلانتِنْغا بأنَّ الموحِّدينَ (المؤمنين)، لا يتحمَّلونَ عبءَ الإثبات، ذهبَ ماكإنيرني أبعدَ من ذلكَ بالقولِ أنَّ المُلْحدينَ هم من يتحمَّل عبءَ الإثبات!” (ص 74-75)
وفي مكان آخر من الكتاب يذكر المؤلف عن أسباب أخرى دفعته إلى الإلحاد فيقول: “أنا أميل إلى الاعتقادِ بأنَّ الكونَ لا بدايةَ له وسيظلُّ دونَ نهاية. وفي الحقيقةِ، أعرفُ أنْ لا جدوى من تحدِّي أيٍّ من هذينِ الاعتقادين… وأعتقدُ أنَّ الكائنات الحيَّة تطوَّرت على مدى فترةٍ طويلةٍ لا يمكنُ حسابُها من موادٍّ غير حيَّة”(ص 96).
بمعنى أن الكون خلق نفسه بنفسه بالصدفة العمياء منذ الأزل كما يقول الملحدون. وإذا كان الكون بلا بداية يعني عدم وجود إله. وكذلك موضوع الحياة، حيث كان المؤلف يعتقد من الممكن ظهور الحياة من مادة غير حية، و ظهور العقل أي الإنسان العاقل من كائنات حية غير عاقلة حسب نظرية تشارلس داروين (التطور وأصل الإنسان بالاختيار الطبيعي).
ولكنه تأكد فيما بعد، وحسب نظرية الانفجار الكبير (Big bang)، التي استطاع العلماء تحديد وقته بأنه حصل قبل 13.8 مليار سنة، فهذا يعني أن للكون بداية. وطالما هناك بداية للكون فلا بد من وجود عقل كوني بلا حدود كلي القدرة قام بالانفجار الكبير، وخلق هذا الكون الذي هو أعقد ماكنة عملاقة لا يمكن أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه بالصدفة العمياء.
وبعد تحوله إلى الإيمان بوجود إله، قال أن الاعتقاد بأن الله أوجد نفسه منذ الأزل وبدون خالق له، وهو بدوره خلق هذا الكون المعقد والدقيق، هو أقرب للعقلانية من الاعتقاد بأن الكون خلق نفسه بنفسه بالصدفة العمياء.
وقد حصلت التغييرات الكبرى في عقل المؤلف من هذه الأمور، في مؤتمر عقد في نيويورك عام 2004، حضره المؤلف ويكتب عنه بشيء من التفصيل، نوجزه أدناه.
المناظرة الأخيرة في نيويورك
يقول المؤلف: ” المناظرةُ العموميةُ الأخيرة لي، كانت في ندوةٍ في جامعةِ نيويورك، وتمَّتْ في مايو من عام (2004 م). المشاركونَ الآخرون كانوا هم العالِم الاسرائيلي جيرالد شرويدر (Gerald Schroeder) مؤلِّف أفضل الكُتُب مبيعاً في مجالِ العِلْمِ والدِّين، وهو بعنوان:
(عِلْمُ الإله (Science of God . أيضاً كان من ضِمْنِ المشاركين الفيلسوفُ الأسكتلندي جون هالدين (John Haldane) مشاركاً في مناظرةِ (التَّوحيد والإلحاد) حولَ وجود الإله إلى جانبِ صديقي جاك سمارت Jack Smart.
“وكمفاجأةٍ لجميعِ المهتمّين، أعلنْتُ في البدايةِ أنَّني الآن بِتُّ أقبل بوجودِ إله، ما اعتُبِرَ في وقتِهِ تبادُلاً حادَّاً لوجهاتِ النَّظر المتعارضة أثناءَ المناظرة، انتهى إلى أنْ يُصبِحَ بحثاً مشتركاً في التطوُّراتِ العِلْمية الحديثة، التي يبدو أنَّها تشيرُ إلىٰ ذكاءٍ خارق. في الفيديو الذي عُرِضَ في الندوة، ادَّعى عريفُ الندوة أنَّ أعظَمَ اكتشافات العلْم الحديث هو الإله.
ويضيف: “وعندما سُئِلْتُ في هذه الندوةِ إنْ كان بحثي حولَ أصل الحياة يُشيرُ إلى ذكاءٍ إبداعي، أجبْتُ بالقول:
“نعم، أنا الآن أعتقدُ بذلك… بشكلٍ كاملٍ تقريباً بسببِ اكتشافات الحمض النووي (DNA). ما قدَّمَهُ اكتشافُ الحمض النووي- كما اعتقد – هو أنَّه أوضَحَ التَّعقيدَ الشَّديد غير القابل للتَّصديق للترتيباتِ اللازمة لخَلْقِ (حياة)، وهو الأمرُ الذي يوجبُ أنْ يكون هناك ذكاءٌ خارقٌ يجعلُ هذه العناصر المختلفة تعملُ معا. إنَّه التَّعقيدُ الخارقُ لهذه العناصر والدِّقَّةُ الهائلةُ في الطُّرُقِ التي تتفاعل فيما بينها. اجتماعُ هذينِ الأمرين (التَّعقيد والدِّقة) في الوقتِ المناسب بالصُّدفةِ أمرٌ – بكلِّ وضوح- مستحيلٌ. لا بدَّ من أنَّ الأمرَ يتعلَّقُ بتعقيدٍ هائلٍ أنتجَ ما وصلْنا إليه، وهو ما بدا لي أنَّه نتاجُ ذكاء.
“هذا التَّصريحُ مثَّلَ تغيُّراً كبيراً بالنِّسبةِ لي، لكنَّه مع ذلك كان يتَّسِقُ مع المبدأِ الذي تبنَّيتُهُ منذُ بدايةِ مسيرتي الفَلْسفية في اتِّباعِ الحُجَّة حيثما قادتني”. (ص 105-106).
ويضيف فلو في مكان آخر: (بالمناسبةِ، عندما انتشَرَ خبرُ تحوُّلي إلىٰ التَّوحيدِ [الإيمان بالله]، علَّقَ بلانتينْغا علىٰ ذلكَ بالقول: “إنَّ هذا يدُلُّ على صدْقِ وأمانةِ البروفيسور فلو. فهو بعد كلِّ هذه السِّنين من معارضةِ فكرةِ الخالِق، هاهو يُغيِّرُ موقِفَهُ استناداً إلى الدَّليل.”) ( ص 101-102)
مبرهنة القرود Monkey Theorem
فماذا حصل في ذلك المؤتمر الذي جعل فيلسوفنا يتحول من ملحد لستة عقود إلى مؤمن بإله؟
يجيب فلو على هذا السؤال بقوله: “لقد تأثَّرْتُ بشكلٍ خاصٍّ بالتَّفنيدِ المُفصَّل الذي قامَ به جيري شرويدر (Gerry Schroeder) لما أسميْتُهُ (مُبرْهنةُ القِرْود Monkey Theorem). هذه الفكرةُ، التي قُدِّمَت بطُرُقٍ مختلفة، تُدافِعُ عن احتمالِ حدوث الحياة بالصُّدفة، من خلالِ استخدام مثال قيام مجموعة من القِرَدة بالعبَثِ على لوحةِ مفاتيح الكمبويتر، ليُنْتِجَ هذا العبث في النِّهايةِ كتابة قصيدةSonnet لشكسبير.
“أشارَ شرويدر في البدايةِ إلى تجرُبةٍ قامَ بها المجلسُ الوطني البريطاني للفنون. حيثُ تمَّ وضْعُ كمبيوتر في قفصٍ بداخلِهِ ستَّةُ قُرُود. وبعد شهرٍ من العبَثِ بالكمبيوتر (بالإضافةِ لاستخدامِهِ كمرحاض!) أنتجت القرودُ خمسينَ صفحة مكتوبة، لكن دون كلمة واحدة تامّة. وقد علَّقَ شرويدر بالقول: “إنَّ هذه كانت هي النتيجة، بالرَّغمِ من أنَّ الكلمةَ بالُّلغةِ الإنجليزية يمكن أنْ تتكوَّنَ من حرْفٍ واحدٍ فقط ( (aأو (i). فالحرف (a) يمكنُ أنْ يُمثِّلَ كلمةً إذا كان هناك مسافة إمَّا عن يمينِهِ أو يسارِهِ . فإذا أخذنا بالاعتبارِ أنَّ هناك ثلاثينَ حرْفاً ورقماً علىٰ لوحةِ المفاتيح، فإنَّ احتمالَ الحصول على كلمةٍ مُكوَّنةٍ من حرْفٍ واحد هو ( 30 X30X30) أي 27000. وعندها يكونُ احتمالُ الحصول على كلمةٍ من حَرْفٍ واحدٍ هو أي (1: 27000). ويستنتج عدم إمكانية كتابة سونيتة شكسربيرية إطلاقاً.” (ص 106-108).
بمعنى أن تجربة (مبرهنة القرود) اثبتت له فشل إمكانية خلق الكون نفسه بنفسه، وخلق الحياة من مادة غير حية بالصدفة العمياء
.
ويعلق المؤلف قائلاً:
بعد أنْ استمعتُ إلىٰ محاضرةِ شرويدر قُلْتُ له: إنَّه توصَّلَ بصورةٍ مُرْضيةٍ وحاسمةٍ إلى أنَّ (مُبرْهنةَ القِرْود) ما هي إلَّا كومةٌ من القمامة، وأنَّ اختيارَ قصيدة السُّونيتة كمثالٍ كان مناسباً، لأنَّ البعضَ يتوهَّم أنَّ القِرَدةَ بإمكانِها كتابةُ روايةٍ كاملةٍ لشكسبير، مثل هامِلْت أو عطيل، أو حتَّى أعمال شكسبير بأسْرِها. فإذا كانت (مُبرْهنةُ القِرْد) غيرُ قادرةٍ على الصُّمودِ في قصيدةٍ واحدة، فمن المؤكَّد أنَّ من المستحيل القول بأنَّ عملاً رائعاً مثل أصْل الحياة (أي نشأة حياة من مادَّةٍ غير حيَّة) حدَثَ بالصُّدفة. (ص 108)
القشة التي قصمت ظهر البعير
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أن أغلب الأدلة التي دفعت المؤلف إلى التخلي عن إلحاده وتبني الإيمان بالله، مثل: نظرية الإنفجار الكبير (Big Bang)، ومقولات أينشتاين، ومقولات رواد فيزياء الكوانتم، وغيرها من الأدلة التي سنأتي عليها في الحلقة القادمة، كانت موجودة منذ أوائل القرن العشرين، فلماذا تأخر المؤلف عن التخلي عن إلحاده إلى أن استمع إلى تجربة (مبرهنة القرود) في مؤتمر نيويرك الذي أعلن فيه تحوله من ملحد إلى مؤمن بالله؟ مع العلم أن الأسباب الأخرى التي دفعته للإلحاد مازالت قائمة مثل الحروب وشرورها، والمظالم، والفقر، والأمراض وغيرها التي رأى أنها تتنافى مع وجود إله كلي القدرة.
ولتفسير هذه الظاهرة، أعتقد أن البروفيسور فلو كان طوال حياته يعاني من صراع في نفسه بين الإيمان والإلحاد، ولم يكن ملحداً مائة بالمائة، و تراكمت عنده الأدلة، وما تجربة (مبرهنة القرود) التي استمع إليها في مؤتمر نيويورك إلا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فاقتنع بهذه “الأدلة” وأشهر إيمانه بوجود إله.
يتبع
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- حاتم حميد محسن: حوار حول الطاولة بين الدين والفلسفة
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=955917&catid=272&Itemid=630
2- رابط الكتاب- النسخة الإنكليزية: Anthony Flew: There is God
http://islamicblessings.com/upload/There-is-a-God.pdf
3- رابط الكتاب، النسخة العربية، أنتوني فلو: هناك إله. ثم تضغط على عبارة (تحميل الكتاب).
(وفي في حالة عدم فتح الرابط يرجى نقل عنوان الكتاب واسم المؤلف إلى محرك البحث في غوغل، وتختار الرابط الأقرب للمطلوب، ثم تضغط على (تحميل الكتاب).
https://www.kotobati.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%87%D9%86%D8%A7%D9%83-%D8%A5%D9%84%D9%87-pdf
4- رابط النسخة العربية الطبعة الكويتية
https://ia802806.us.archive.org/23/items/85129/708.pdf
الجزء الثاني
قراءة في كتاب أنتوني فلو: هناك إله
د. عبدالخالق حسين
ملاحظة:
أقترح على القارئ الكريم الذي فاته القسم الأول من هذا المقال أن يفتح الرابط أدناه ليبدأ بقراءته قبل القسم الثاني لتتضح له الصورة… مع الشكر الجزيل.
https://akhbaar.org/home/2021/7/284988.html
***
والآن نأتي إلى القسم الثاني والأخير
التفكير كفيلسوف:
يقول المؤلف: “قد تسأل: كيف أنَّني، كفيلسوف، أتحدَّثُ في موضوعاتٍ عالجَها العُلماء؟ إنَّ أفضلَ جوابٍ على هذا السُّؤال هو بطَرْحٍ سؤالٍ آخر: هل نحنُ الآن منخرطون في العِلْمِ أم بالفَلْسفة؟” ويجيب قائلاً: “عندما تدرُس التَّفاعُل الدَّاخلي المُتبادل بين جسْمينِ ماديَّيْن، ولنقُل على سبيلِ المثال، اثنين من الجُسَيْمات دون الذرِّية [subatomic particles]، فأنتَ منخرطٌ بالعِلْم. وعندما تسأَل: كيف ولماذا توجد هذه الجُسَيْمات – أو (أيّ) جسْم مادِّي – فأنتَ منخرطٌ بالفَلْسفة. وعندما تستنتجُ نتائجَ فَلْسفية من معطياتٍ عِلْميَّةٍ، فأنتَ تُفكِّرُ كفيلسوف.” (ص 122)
“ويستشهد بألْبِرْت آينشْتين قوله: “رجُلُ العِلْمِ هو فيلسوفٌ ضعيف”. ويعلق فلو: “لحُسْنِ الحظِّ، الأمرُ ليس كذلك دائما. فقادةُ العِلْمِ خلال مئات السِّنين الأخيرة، بالإضافةِ إلىٰ بعضِ العُلماء المعاصرين الأكثر تأثيراً، بنوا رؤيةً فَلْسفيةً لكونٍ عقلانيٍّ انبثَقَ من عقلٍ إلهي. وكذلك الحالُ معي، فهذه هي رُؤيتي الخاصَّة عن العالَم، التي أجِدُها الآن قائمةً على تفسيرٍ فَلْسفيٍّ للعديدِ من الظَّواهرِ التي واجَهَها العُلماءُ والناسُ العاديُّونَ علىٰ حدٍّ سواء.” (ص 124)
ويضيف: “هناك ثلاثةُ أبعادٍ من التَّحقيقِ العِلمي كانت على وجهِ الخصوص مهمَّةً بالنِّسبةِ لي، سأضَعُها في الحُسْبانِ كلَّما تقدَّمْتُ في هذا الكتاب في ضوءِ الأدلَّة المتداولة اليوم:
أوَّلُ هذه الأبعاد هو السُّؤالُ الذي حيَّرَ ولا زالَ يُحيِّرُ الكثيرَ من العُلماءِ اللَّامعين، وهو من أينَ جاءت قوانينُ الطَّبيعة؟
والثاني، هو السُّؤالُ الواضحُ للجميع: كيف جاءت الحياةُ كظواهر عضوية من اللَّا حياة؟
والثالثُ، هو السُّؤالُ الذي يُوجِّهُهُ الفلاسفةُ لعُلماءِ الكون: كيف جاءَ الكونُ – بكُلِّ ما يحتويهِ من أشياء مادِّية – إلى الوجود؟” (ص 124-125).
إله أرسطو
يقول قلو: ((بناءً على موقفي الجديد من نقاشِ الفَلْسفة التقليدية فيما يتعلَّق بوجودِ إله، فإنَّ أكثرَ ما أقنعني في هذا الحقلِ هو حُجَّةُ الفيلسوف ديفيد كونوي David Conway (فيلسوف إنكليزي معاصر)، المؤيِّدة لوجودِ إلهٍ في كتابِهِ (عودةُ الحكمة The Recovery of Wisdom):
الإلهُ الذي دافَعَ كونوي عن وجودِهِ، وأنا كذلك، هو إلهُ أرسطو، فقد كتَبَ كونوي قائلا: خلاصةُ القول: “إنَّ أرسطو قد حدَّدَ الصِّفاتَ التالية للكائنِ الذي يُفسِّرُ وجودَ العالَم بمعناهُ الواسع: الثَّبات (غير متحرِّك)، التَّجريد (غيرُ مادِّي)، القُدْرة على كلِّ شيء، العلْمُ بكُل شيء، الوحدانية، غيرُ قابلٍ للتجزئة (البساطة)، الخيرُ المُطْلَق، ووجوب الوجود.” (ص 126-127).
ويضيف: “لا بدَّ أنْ أُؤكِّدَ على أن اكتشافي للأُلوهيَّةِ مبنيٌّ على أساسٍ طبيعيٍّ صرْف، دون الرُّجوع إلى أيَّةِ ظواهر تتجاوزُ الطَّبيعة (خارقة). لقد كان اكتشافي للإلهِ عبارةٌ عن ممارسةِ ما يُسمَّى تقليدياً بـ(اللَّاهوت الطَّبيعي). وليس له صِلَة بأيِّ نوعٍ من أنواعِ الوحي الدِّيني. ولا أدِّعي أنَّه حصلت لي أيَّة تجربة شخصيَّة مع الإله، أو أيَّة تجربة يمكن اعتبارُها إعجازية أو تتجاوز الطَّبيعة. باختصار، اكتشافي للأُلوهيَّةِ كان عبارةً عن رحلةِ عَقل وليست رحلة إيمان.” ( ص127)
أينشتاين والدين وإله سبينوزا
كثيراً ما استلمنا عبر البريد الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، رسائل ومقالات مفادها أن ألبرت أينشتاين قال أنه يؤمن بإله اسبنوزا. هذا الموضوع تطرق إليه أنتوني فلو في كتابه هذا مستشهداً بأينشتاين أنه قال:”أُريدُ أنْ أعرِفَ كيف خلَقَ الإله العالمَ… أُريدُ أنْ أعرِفَ أفكارَهُ، أمَّا الباقي فمجرَّد تفاصيل”. وكثيراً ما أشيع أن آينشتين قال: إنَّه يُؤمِنُ بإلهِ باروخ سبينوزا (Baruch Spinoza)، ولأنَّ كلمة (الإله) و(الطبيعة) مترادفتان عند سبينوزا، لذا يمكنُ القولُ بلا تردَّد بأنَّ آينشتين في نظَرِ اليهود، والمسيحيِّين، والمسلمين كان مُلْحِداً، بل كان (الأبَ الرُّوحي لجميعِ المُلْحِدين). (ص 134).
والجدير بالذكر أن فلسفة اسبينوزا حول الإله تعني ما يسمى بـ(وحدة الوجود Pantheism). أي الجمع بين الله والإنسان والطبيعة في كيان واحد. وهذه النظرة قريبة من نظرة بعض الجماعات الصوفية في الإسلام، وحلول الإله في الإنسان. وكثيراً ما نسمع أو نقرأ بعض الشطحات منسوبة لمشايخ الصوفية، مثل بايزيد البسطامي في قوله: “سبحاني وتعالى ما أعظم شأني”. وقول الحسين بن منصور الحلاج: “رأيت ربي بعين قلبي، فقلت من أنت؟ قال أنت”. وهذا يشبه ما قاله القس والفيلسوف الألماني مايستر إكهارت (Miester Ekhart) في القرن الرابع عشر الميلادي: ” إن العين التي أرى الله بها هي نفس العين التي يراني الله بها.”، ويقصد عين العقل طبعاً، أي البصيرة وليس البصر. وقال إكهارت: ” إذا كانت الصلاة الوحيدة التي تقولها في حياتك كلها هي الشكر لله، فستكون كافية.” وقال أيضاً: “كل مخلوق هو كلام الله”. اتهمت الكنيسة الكاثوليكية القس إكهارت بالهرطقة (heresy)، وحاكمته، ولكن لحسن حظه مات قبل إصدار الحكم عليه.
وبالعود إلى أينشتاين، وهل حقاً قال أنه يؤمن بإله سبينوزا؟ يعلق أنتوني فلو قائلاً:
((ولكن صدَرَ حديثاً كتابٌ بعنوان: (آينشتين والدِّين Einstein and Religion)، لماكس جامِر (Max Jammer)، وهو أحدُ أصدقاء آينشتين – يُقدِّمُ صورةً مختلفةً تماماً عن تأثيرِ سبينوزا على قناعات آينشتاين الشَّخصية. بيَّنَ جامِر أنَّ آينشتين كان يعرفُ القليلَ عن سبينوزا، وأنَّه لم يقرأ لسبينوزا سوىٰ كتاب ( الأخلاق Ethics)، وقد رفَضَ طلبات متكرِّرة للكتابةِ عن فَلْسفةِ سبينوزا. وفي ردِّهِ على أحدِ الطلبات، قال آينشتاين: “إنَّه لا يملِكُ معرفةً متخصِّصةً ليكتُبَ مقالةً علْميَّةً عن سبينوزا”. رغمَّ أنَّ آينشتاين يشترِكُ مع سبينوزا في الإيمانِ بالحَتْميَّة (Determinism)، إلا أنَّ جامر يرى أنَّه من المُصْطنَع وغير المُسوَّغ، الافتراض بأنَّ أفكارَ سبينوزا أثَّرَت على فِكْرِ آينشتين. لحَظَ جامر أيضاً أنَّ (آينشتاين شعَرَ بأنَّه قريبٌ من سبينوزا، لأنَّهما يشتركانِ في حاجتهِما إلى الانعزال، بالإضافةِ إلى قدَرِهِما بأنْ يتمَّ قراءتهُما ضمن التُّراث اليهودي، لكن في النِّهايةِ يَبْقيا غرباء عن التُّراثِ الدِّيني).
((ورغمَ أنَّ آينشتين أشارَ إلى إيمانِ سبينوزا بوحدةِ الوجود [pantheism]، إلا أنَّه في الحقيقةِ عبَّرِ عن إنكارِهِ أنْ يكون مُلْحِداً أو مؤمناً بوحدةِ الوجود، فقد كتَبَ:
“أنا لسْتُ مُلْحداً، ولا يمكن أنْ أعتبرَ نفْسي مؤمناً بوحدةِ الوجود. نحن في موقفِ طِفْلٍ صغيرٍ دخَلَ إلى مكتبةٍ كبيرةٍ مملوءةٍ بكُتُبٍ بلُغاتٍ مختلفة. والطِّفلُ يعرِفُ أنَّه يجب أنْ يكون هناكَ شخصٌ ما كتَبَ هذه الكُتُب. ولكنَّه لا يعرف كيف؟ هو لا يفهَمُ اللُّغةَ التي كُتِبَت بها هذه الكُتُب. الطِّفلُ يظُنُّ بنحو خافت بأنَّ هذه الكُتُب مرتَّبةً بطريقةٍ غامضة، لكنَّه لا يعرف ما هي هذه الطَّريقة. وهذا، كما يبدو لي، هو اتِّجاهُ أذكىٰ شَخْصٍ تجاهَ الإله. نحنُ نرىٰ العالَمَ مُنظَّماً بطريقةٍ رائعة، ويتَّبع قوانينَ معيَّنة، لكنَّنا نفهمُ بنحوٍ خافتٍ فقط هذه القوانين. عقولُنا المحدودة تدرِكُ القوَّةَ الغامضةَ التي تُحرِّكُ هذه الكويكبات.”
((جامر لاحظَ، علىٰ سبيلِ المثال، أنَّ آينشتاين احتجَّ بنحو متواِصل ضدَّ اعتبارِهِ مُلْحِداً. وقد أعلَنَ في محادثةٍ مع الأميرِ هيبرتس أمير لونشتين (Hubertus of Lowenstein) قائلاً: “ما يجعلُني أشعُرُ بالغضَبِ فعلاً هو أنَّ الناسَ الذين يقولونَ بأنَّ الإله لا وجودَ لَهُ يسْتشهِدُونَ بكلامي لتأييدِ آرائِهِم.”( نفى آينشتاين اعتناقَهُ الإلحاد لأنَّه لم يجِد أنَّ إنكارَهُ للإله الشَّخصي (personal God) يعني أبداً إنكاراً لوجودِ إله.) (ص 135-136).
((وكمُلخَّصٍ ينتهي جامر إلىٰ أنَّ آينشتاين – كما هو حال موسىٰ بن ميمون وسبينوزا – يرفُضُ بشكلٍ قاطعٍ أيَّ نوعٍ من التَّجسيم في الفكرِ الدِّيني ولكن على خلافِ سبينوزا، الذي رأى أنَّ النَّتيجةَ المنطقية لإنكارِ الإله الشَّخصي يجعل الإله في هويَّةٍ مشتركةٍ مع الطَّبيعة، آينشتاين أصرَّ على أنَّ اللهَ يكشِفُ عن ذاتِهِ (في قوانين الكون كرُوحٍ أعظم من تلك التي للإنسان، وعلى المَرْءِ في مواجهةِ ذلك – بما يملِك من قوى هزيلة – أنْ يشْعُرَ بالتَّواضع). آينشتاين اتَّفَقَ مع سبينوزا في أنَّ من يعرِف الطَّبيعة يعرِفُ الإله، لكن ليس لأنَّ الطَّبيعة هي الإله، بل لأنَّ مواصلةَ العِلْم في دراسةِ الطَّبيعة الثِّقة بالطَّبيعةِ العقلانية للواقِعِ، وقُدْرتِها الخاصَّة على الوصولِ إلى العقلِ البشري. في حين أنَّ هذه الثِّقة يفتقِرُ إليها العِلْمُ، حيثُ ينحطُّ إلى إجراءٍ لا روحَ فيه. إنْ أرادَ الكهنةُ جعلُ هذا هو رأسُ مالهِم فهذا شأنُهُم. فليس هناك علاجٌ لذلك يقودُ إلى الدِّين)) (ص 137)
كما يستشهد المؤلف بمقولات عديدة أخرى لأينشتاين، اخترتُ منها واحدة وهي كالآتي:
“تديُّني يتضمَّنُ تقديراً خاضعاً للرُّوحِ المتفوِّقة اللَّا نهائية التي تُظهِرُ نفسَها في أدقِّ التفاصيل التي نستطيعُ إدراكَها بعقولٍ واهيةٍ وضعيفة. هذه القناعةُ العاطفيةُ العميقةُ بوجودِ القوَّة المنطقية الفائقة التي تتجلَّى في الكونِ الذي لا يمكن الإحاطةُ به، هو الذي شكَّلَ فكرتي عن الإله”. (ص 139).
ويضيف المؤلف أنتوني فلو:
“آينشتين، وهو مكتشِفُ النظرية النِّسبية، ليس العالِم العظيم الوحيد الذي رأى ربْطاً بين قوانين الطَّبيعة وعقلِ الإله. رُوَّاد فيزياء الكوانتم، وهم عظماء آخرون من المكتشفين في الزَّمنِ الحديث، أمثال ماكس بلانك Max Planck))، وِرْنِر هيزنبيرغ Werner Heisenberg))، إرْوِن شروندجر (Erwin Schrödinger)، وبول ديراك Paul Dirac))، كل هؤلاء صدرت عنهم عبارات متشابهة (بخصوص الرَّبط بين قوانين الطَّبيعة وعقلِ الإله.) (ص 140).
وعن إيمان أينشتاين بالإله، وللأمانة أقول: أني شاهدتُ قبل أكثر من عشرة أعوام فيلماً وثائقياً عن أينشتاين على إحدى قنوات BBC، في مقابلة معه، سأله مقدم البرنامج فيما إذا يؤمن بالله، فأجاب بنعم، وأتذكر قوله أنه في مناسبات كاد أن يلمسه ! طبعاً لا يقصد لمساً مادياً باليد وإنما بالبصيرة أي العقل.
ويستشهد فلو بإيمان عالم عملاق آخر ساهم في تغيير التاريخ وهو دارون صاحب نظرية (التطور وأصل الإنسان)، فقال: ((وقبلَ أجيال من هؤلاءِ العلماء، أكَّدَ تشارلز دارْوِن على الفكرةِ ذاتِها بقولِهِ: “العقلُ يقولُ لي إنَّه من الصَّعبِ بدرجةٍ كبيرة، بل من المستحيل، أنْ نُدرِكَ هذا الكون الهائل والرائع، بما في ذلك الإنسان مع قابليَّتِه على النَّظَرِ إلى الماضي البعيد، والذَّهاب بذهنِهِ إلى المستقبلِ البعيد، ليقولَ بعد ذلك بأنَّ هذا الكون قد حدَثَ بصُدْفةٍ عمياء أو ضرورة. عندما أتأمَّلُ في ذلك، أجدُ نفسي مُضْطرَّاً للتطلُّع إلى السَّببِ الأوَّل الذي يمتلكُ عقلاً ذكياً يُشابِهُ بدرجةٍ ما الإنسان؛ عندها أستحِقُّ أنْ أُوصَفَ بالمؤمن.”)) (ص 143-144)
هل كان الكون يعرف أننا قادمون؟
وفي الفصل السادس من الكتاب بعنوان: هل كان الكون يعرف أننا قادمون؟ يتحدث المؤلف عن دقة القوانين والثوابت التي تدير الكون بحيث لو تغير أي واحد منها ولو قليلاً، فإننا، وخاصة كبشر أذكياء، يستحيل وجودنا في غير هذه الظروف التي وفرتها هذه القوانين الطبيعية.
وبعنوان ثانوي: (كوننا الدقيق our fine tuned universe)، يقول المؤلف: “الشُّهرة المعاصرة لهذه الحُجَّة تُسلِّطُ الضَّوءَ على بُعْدٍ جديدٍ لقوانينِ الطَّبيعة. كتَبَ عالِمُ الفيزياء فريمان دايسون Freeman Dyson قائلاً : (كلَّما قُمْتُ بفحصِ هذا الكون ودرسْتُ تفاصيلَ تكوينِهِ، أجِدُ دليلاً إضافياً على أنَّ الكونَ بمعنى ما كان يعلَمُ بأنَّنا قادمون. وبعبارةٍ أُ خرى: يبدو أنَّ قوانينَ الطَّبيعة صُمِّمت بنحوٍ يُحرِّكُ العالَمَ باتِّجاهِ نشأة حياة. هذا هو المبدأُ الأنثروبي، الذي أصبحَ مشهوراً بفَضْلِ مفكِّرينَ من أمثال مارتن ريز Martin Rees، و جون بارو John Barrow، وجون ليسْلي John Leslie”.(ص 155)
ويضيف فلو: “دعنا نأخُذ أبْسَط قوانين الفيزياء كمثالٍ على ذلك. لقد تمَّ حسابُ أنَّه لو تغيَّرَ حتى لو واحد فقط من الثوابتِ الأساسية – علىٰ سبيلِ المثال سرعة الضَّوء أو كتلة الإلكترون – بدرجةٍ مختلفةٍ قليلاً، فإنَّه لن يكون هناك كوكبٌ قادرٌ على توفيرِ البيئة المناسبة لحياةِ الإنسان. لقد تمَّ تفسيرُ هذا التوافقَ الدَّقيق بطريقين: بعضُ العُلماء قالَ بأنَّ هذا التوافقَ الدَّقيق دالٌّ على التَّصميمِ الإلهي؛ كثيرونَ آخرون خمَّنوا بأنَّ كونَنا هو كونٌ من ضمنِ أكوانٌ أُخرىٰ –(أكوانٌ متعدِّدة) – مع فارق أنَّ كونَنا هُيِّءَ لكي يُوفِّرَ الشُّروط اللازمة للحياة. عملياً لا يدَّعي أيُّ عالِمٍ معروفٍ اليوم أنَّ التوافقَ الدَّقيق كان بنحوٍ صِرْف نتيجةً لعواملِ الصُّدفة في كونٍ واحد.” (ص 156).
***
الملاحق
هناك ملحقان:
الملحق الأول: بعنوان: الإلحاد الجديد The New Atheism
وهو تقييمٌ نقديٌّ لرتشارد دوكينز، دانيال دينيت، لويس ولبرت، سام هاريس، وفكتور ستينجر، بقلم بروفيسور روي أبراهام فارجيس (Abraham Varghese Roy). (ص 227)
يقول كاتب الملحق: “لم يفشل هؤلاء فقط في تقديمِ سببٍ لهذا الاعتقاد، بل إنَّهم تجاهلوا الظَّواهرَ الواضحة المُتعلِّقة تحديداً بالسُّؤالِ عمَّا إذا كان الإلهُ موجوداً. كما أرى، هناك خمسُ ظواهر واضحة في خبرتِنا المباشرة، لا يمكنُ تفسيرُها إلَّا بلُغةِ الإيمان بوجودِ إله. هذه الظَّواهر هي:
الأ ولىٰ : العقلانيةُ المُتضمَّنة في جميعِ خبراتنا الحسِّية عن العالَمِ الفيزيائي.
الثانية: الحياةُ، القدرةُ على الفعلِ بنحوٍ مستقلٍّ .
الثالثة: الوعيُ، القدرةُ على أنْ تكونَ مُدْرِكاً.
الرابعة: الفكرُ التصوُّري، القدرةُ على التعبيرِ وفهمِ الرُّموز كتلكَ الموجودة في اللُّغة.
الخامسة: النَّفْس (الذَّات) البشرية، (مركز) الوعي والفكرِ والفعل.
ويستنتج الكاتب في هذا الملحق أن هذه الظواهر لا يمكن فهمها إلا بارتباطها بإله، ويقدم شرحاً وافياً وممتعاً في هذا الصدد في حوالي 31 صفحة. (ص 227)
المُلْحَقُ الثاني بعنوان: كيف نعرف أن المسيح قد وُجد؟
أسئلة يقدمها أنتوني فلو إلى أسقف درهام، نيكولاس توماس رايت، المتخصص في العهد الجديد، فيما يتعلَّقُ بالادِّعاء بأنَّ هناك وحياً ذاتياً للإلهِ في التاريخِ البشري تجسَّدَ بيسوعِ المسيح. وكذلك عن قيامة المسيح، للتحقُّقِ فيما إذا كان المسيحُ المبعوثُ قد ظهَرَ واقعاً للمجموعاتِ التي ادَّعت رؤيتُه، لأنَّ ما لدينا من وثائقَ يقولُ فقط: إنَّ هذه الأحداث غير الاعتيادية قد وقعَتْ بالفعل. (ص 260). ويجيب الأسقف رايت على هذه التساؤلات بشكل واف في نحو 43 صفحة بلغة دينية غير مقنعة لغير المسيحيين المؤمنين.
ويقول المؤلف: “لقد ألحقْتُ هذين المحقين في كتابي هذا لأنهَّما معاً أمثلة لاستدلالٍ قادني إلى تغييرِ وجهة نظري حولَ وجود الإله. لقد شعرْتُ أنَّ من المناسبِ أنْ أُلحِقهُما بكتابي بنحوٍ كامل لأنَّهما إضافة أصيلة للنقاشِ بنحوٍ بالغ الدَّلالة، فضلاً عن كونِهِما يُعطيانِ للقارئ بعضَ الإضاءة حول اتِّجاه رحلتي العقلية الحالية. عندما يُؤخذان بالتَّزامُنِ مع (القَسْمِ الثاني: اكتشافي للمُقدَّس)، فستجد أنَّها تُشكِّلُ كلا عضوياً يُقدِّمُ رؤيةً جديدةً في فَلْسفةِ الدِّين”. (ص 223-224)
ويضيف في مكان آخر من الكتاب: “أنا الآن أُؤمِنُ بأنَّ الكونَ قد جاء إلى الوجودِ بواسطةِ ذكاءٍ لا محدود، أنا أُؤمِنُ بأنَّ قوانينَ الكونِ المُعقَّدة تُبيِّنُ ما أسْماهُ العلماء (عقْلُ الله). أنا أُؤمِنُ بأنَّ الحياةَ وإعادةَ الخلْقِ أساسُها مصدْرٌ إلهي.” (ص 212)
***
لا شك أن الكتاب مثير للجدل ويحفز على التفكير، جدير بالقراءة بروح الباحث عن الحقيقة، بدون تحيز، أو تعصب لمواقف مسبقة، بعيداً عن روح المكابرة والمعاندة ، يعني القراءة بعقل منفتح، إذ كما قال حكيم: العقل مثل المظلة، يعمل فقط عندما يكون منفتحاً.
Your mind is like a parachute, it only works when it is open.
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
رابط الكتاب- النسخة الإنكليزية: Anthony Flew: There is God
http://islamicblessings.com/upload/There-is-a-God.pdf
رابط الكتاب، النسخة العربية، أنتوني فلو: هناك إله. ثم تضغط على عبارة (تحميل الكتاب).
(وفي في حالة عدم فتح الرابط يرجى نقل عنوان الكتاب إلى محرك البحث في غوغل، وتختار الرابط الأقرب للمطلوب، ثم تضغط على (تحميل الكتاب).
https://www.kotobati.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%87%D9%86%D8%A7%D9%83-%D8%A5%D9%84%D9%87-pdf
رابط الكتاب، الطبعة العربية الكويتية لنفس المترجم ولكن بدون تعليقات المراجع
https://ia802806.us.archive.org/23/items/85129/708.pdf