الانتخابات الإيرانية ليست مزورة
د. حميد الكفائي
وأخيرا انتخب الشعب الإيراني بكامل إرادته الحرة ودون ضغوط أو تضليل أو قمع أو تزوير، الأغا إبراهيم رئيسي، ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية المباركة. لقد هب هذا الشعب بملايينه الثمانين إلى صناديق الاقتراع وصوت له، مفضلا إياه على المرشحين الآخرين جميعا، إذ كان يتوق منذ سنين إلى قائد همام مقدام بمواصفات رئيسي، لا تأخذه في الحق لومة لائم ولا في القمع نومة نائم.
وهمٌ من يظن بأن الشعب الإيراني يريد أن يعيش مثل شعوب العالم الأخرى، في رخاء واستقرار وأمان وحرية. فهذه قراءة خاطئة لتطلعات هذا الشعب، الذي كان يتوق منذ الأزل إلى محاربة العالم والانتصار عليه وإرغامه على أن يعترف صاغرا بتفوقه على باقي شعوب الأرض، وأن الشباب الإيراني لا طموح له سوى نيل الشهادة بين يدي الولي الفقيه، علي خامنئي، الذي يعرف مصلحة الشعب أكثر من مفكريه ومثقفيه وأكاديمييه وفنانيه وعماله وفلاحيه، وهو طبعا لا يبتغي غير مرضاة الخالق جل وعلا.
وواهمٌ من يظن بأن رئيسي إنما قد “فاز” في الانتخابات بسبب عدم وجود منافس حقيقي له، أو بسبب عدم إقبال الناخبين الإيرانيين على التصويت، إذ إن هناك شائعة مغرضة تقول إن نسبة الإقبال على التصويت لم تتجاوز الـ10%، أو لأنه رئيس للسلطة القضائية التي تشرف على الانتخابات والتي يرى بعض الخبثاء بأنها تلاعبت بالنتائج لصالح رئيسها، فكل هذا غير صحيح ولم يحصل مطلقا لأن رئيسي تقي نقي ورع ولا يرتكب المحرمات.
المرشحون الـ 593، الذين حظرهم “مجلس صيانة الدستور” من الترشح في الانتخابات، لم يكونوا يعلمون بأنهم سيتنافسون مع شخصية فذة مثل إبراهيم رئيسي، وكانوا فرحين جذلين مستمتعين بسماع خبر حظرهم من المشاركة في الانتخابات، وهم اليوم يحتفلون مع أنصارهم وباقي أبناء الشعب الإيراني بفوز الرئيس رئيسي، الذي لم يأتِ لقبُه عبثا وإنما اكتسبه بالولادة، فقد ولد وهو يحمل مزايا الزعامة وحنايا الرئاسة!
قد يتساءل المرء لماذا يفرح المحظورون بحظرهم وهم كانوا يتوقون إلى خوض الانتخابات وأقدموا على الترشح لها بحماسة؟ والجواب هو لأنهم أدركوا أنه لا يجوز في الإسلام الإيراني التنافس بين الكفؤ والأكفأ، خصوصا بعد أن أبلغهم الفقيه مرتضى أغا طهراني بضرورة التصويت لرئيسي باعتباره الأكفأ وأنه “لا يجوز التنافس شرعا بوجود الأكفأ”. وأغا طهراني هذا “لا ينطق عن الهوى” إذ كان يعبِّر عن رأي الولي الفقيه، الذي قرر أن يختار للشعب رئيسا كفؤا قديرا خبيرا حاذقا، لا غبار ولا ضباب ولا دخان حوله.
أما من يقول إن رئيسي مسؤول عن إعدام خمسة آلاف سجين سياسي إيراني عام 1988، فهو مغرض وأفّاق ومنافق، فهؤلاء الشبان المساكين اختاروا الموت بإرادتهم عندما عارضوا نظام ولاية الفقيه، وعبَّروا عن آرائهم في النظام السياسي، الذي توهموا بأنه يقمعهم ويُفقِرهم ويستعبدهم، بينما هو في الحقيقة يُعدُّهم لدخول الجنة، لذلك انطبقت عليهم الآية الكريمة (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)! وكل من يقول إن رئيسي أغلق الصحف واعتقل المعارضين والمفكرين وذوي الآراء الناقدة وضيَّق على حريات الناس وأعدم المعارضين، فإنه يعترض على شرع الله سبحانه وتعالى لأنه كان ينفذ أوامر الولي الفقيه وولي أمر المسلمين!
كما أن القول إن رئيسي لا مشروع سياسيا له، وكل ما لديه هو تبعيته للولي الفقيه والتمهيد لتوريث المنصب الأعلى في البلاد لنجله مجتبى، لا يستند إلى دليل، فهذا شرف لا يدعيه وتهمة لا ينكرها، لأن طاعة الولي الفقيه واجب شرعي وأخلاقي وديني ووطني، ومن يخالفه إنما يخالف الله جل وعلا.
أما الادعاء بأن مجلس صيانة الدستور الذي يعيِّن نصفه الولي الفقيه، ويعيِّن النصف الآخر رئيس السلطة القضائية، الذي يعيِّنه الولي الفقيه، هو منحاز لرئيسي، فهذا قول باطل خاطل، والدليل أن أحد أعضاء مجلس صيانة الدستور، وهو آية الله صادق لاريجاني، هو شقيق رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، المرشح الرئاسي الذي حظره المجلس من الترشح.
أما استنكار صادق لاريجاني حظر أخيه من الترشح للرئاسة، وتصريحه بأن “المخابرات الإيرانية تتدخل في اختيار المرشحين” فهو غير دقيق، فربما أراد فضيلته بهذا التصريح أن يجامل أخاه ويجبر خاطره بعد الإهانة التي وجهها له مجلس صيانة الدستور، خصوصا وأنه كان رئيسا منتخبا لمجلس الشورى الإسلامي، ومفاوضا ناجحا مع القوى الدولية بخصوص برنامج إيران النووي!
هناك بعض المغرضين، الذين ادعوا بأن الانتخابات الأخيرة ليست جدية بل هي استعراض غبي وكوميديا سوداء، وأن رئيسي قد نُصِّب رئيسا لإيران تنصيبا منذ زمن بعيد، ويسوق هؤلاء المتحاملون على الجمهورية الإسلامية و”بيضة الإسلام”، أدلة واهية لتبرير تحاملهم عليها، منها مثلا حظر 593 مرشحا كان يمكن أن يفوز أحدهم بالمنصب، أو أن وكالة أنباء “فارس” التابعة للحرس الثوري، كانت قد توقعت قبل الانتخابات بشهر، بأن رئيسي سيفوز بنسبة 72% وأن نسبة الإقبال على التصويت ستكون 53%، لكن هؤلاء يتغافلون عن الحقائق الماثلة أمام أعين الجميع وهي أن الأغا إبراهيم هو الأكفأ والأقدر والأنبه والأتقى بين المرشحين، كما أنهم يستهينون بقدرة وكالة “فارس” على سبر أغوار وأفكار وأسرار ومشاعر الشعب الإيراني، الذي تهفو قلوب أبنائه بحب رئيسي منذ أن تعرفوا عليه أول مرة عام 1988، ذلك العام الذي سيبقى راسخا في ذاكرتهم، وأن الشعب يقدر عاليا طاعته العمياء لولي أمر المسلمين، لأن هذا دليل دامغ على تقواه وورعه وإيمانه المطلق بنظام الجمهورية الإسلامية الديمقراطي!
هناك أيضا من يفتري على مجلس “خبرگان” ويقول إنه أصبح في “خبر كان” لأنه لم يحاسب الولي الفقيه يوما أو يعترض عليه أو يسائله عن الوجهة التي يقود بها البلد وكيف يختار رئيسا مشمولا بالعقوبات الدولية ولا يستطيع حتى السفر لحضور اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، إضافة إلى كونه مرفوضا شعبيا وإقليميا ودوليا، وهذا افتراء واضح لأن رئيسي تمكن من زيارة العراق، وكان في استقباله الرئيس برهم صالح وباقي الرؤساء الأشاوس، من رئيس منظمة بدر إلى رئيس عصائب أهل الحق، ورئيس سرايا الخراساني ورئيس كتائب حزب الله! وكان ذلك قبيل حفل تنصيبه رئيسا في الانتخابات الديمقراطية الأخيرة.
أما القول بأن المجتمع الدولي لن يتعامل مع شخص متهم بقتل آلاف الأبرياء ومنتهِك لحقوق الشعب الإيراني ويمارس القمع بحقه منذ انخراطه في العمل السياسي الإسلامي (عام 1988)، ويلاحق أصحاب الرأي المخالف ويغلق الصحف ويصدر أحكام الإعدام جزافا بحق الأبرياء، فلا تؤيده الوقائع التي تنشرها وكالة “فارس” باستمرار، وأن المجتمع الدولي سيرضخ عاجلا أم آجلا، لإرادة الولي الفقيه أيده الله. وإن لم يرضخ، فإن إيران سوف تغادر كوكب الأرض وتجد لها مكانا في كوكب آخر مثل نبتون أو بلوتو أو عطارد التي تخلو من الطغاة والمستكبرين! وقد يكون بلوتو الوجهة الأفضل باعتباره الأبعد عن الشمس!
للأسف لم يعد أي تحليل موضوعي نافعا لما يجري في إيران من كوميديا سوداء. الشعب الإيراني ذو الحضارة العريقة يستحق أفضل من هذا النظام الذي يسير به في مهاوي الردى. والمأزق الذي يواجه العالم هو أن المشاكل التي يخلقها النظام الإيراني لا تقتصر على إيران فحسب، بل تمتد آثارها وشظاياها المدمرة إلى دول المنطقة كلها.
فالعراق أصبح ساحة للعصابات الإجرامية والقتلة والسراق بسبب تدخلات إيران فيه ودعمها للميلشيات وإيوائها للمجرمين، واليمن السعيد لم يعد دولة متماسكة كما كان قبل تدخل إيران فيه ودعمها لمليشيات الحوثي التي مزقته وشتت شعبه، ولبنان أصبح على حافة الهاوية اقتصاديا وسياسيا، بعد أن كان قبلة للمثقفين والدارسين والسياح، بسبب تحكم أتباع إيران فيه، أما حال سوريا فهي كحال العراق إن لم تكن أسوأ، وأي بلد يتدخل فيه النظام الإيراني، يتحول إلى مشكلة داخلية ودولية. لقد آن الأوان أن يفكر المجتمع الدولي بحل جذري لهذه المشكلة الآخذة في الاتساع. تأجيل المشاكل لن يقود إلى حلها بل إلى تفاقمها وتعقيدها.