تجمع نحو عراق جيد
ما جدوى المشاركة في الانتخابات تحت سطوة المليشيات المسلحة واغتيال الناشطين؟
إن اغتيال الناشط السياسي إيهاب الوزني في كربلاء، وتعرض مراسل قناة الفرات الفضائية أحمد حسن لمحاولة اغتيال في الديوانية، وقتل متظاهران واصابة أكثر من 20 شخصاً برصاص قوات الأمن غداة تظاهرات بغداد يوم 25 أيار، يمثل حلقة جديدة في سلسلة جرائم قتل ناشطي الانتفاضة في العراق، كما وتثير مخاوف لم تنتهي. وما يثير الدهشة والاستغراب ردة فعل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الاخرى التي تحاول الضغط للإفراج عن قائد عمليات غرب الانبار في الحشد الشعبي قاسم مصلح الخفاجي الذي تم أعتقاله يوم الاربعاء 26 أيار بتهمة اغتيال الناشط إيهاب الوزني وفاهم الطائي وغيرهم من ناشطين في حراك تشرين..
وليس من الغريب أن يبقى القتلة مجهولون، فالحكومة العراقية تتفادى المجابهة مع المليشيات المسلحة التابعة لإيران، والتي استطاعت منذ نشأتها اختراق أجهزة الدولة وبالأخص الأمنية منها، وتشابكت مع أحزاب السلطة لفرض سطوتها، حتى أصبحت جزءاً من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية الفاسد. فيما تماهت الحكومة العراقية بعدم الكشف عن أي من القائمين بجرائم الاغتيال في السنتين الأخيرتين أو عن الجهات التي خلفها، مما يدل على مدى ضعف أجهزة النظام الطائفي الأمنية والقضائية أو تواطؤها مع القتلة. وتزامنت هذه الاغتيالات، ومنذ بدأ الانتفاضة، مع سلسلة هجومات على مواقع الاعتصام للمنتفضين في كل أنحاء العراق تقريباً كان آخرها ما حدث، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى. هذا يبين سلوك النظام الفاسد ونواياه لخنق الانتفاضة ومطالبها الديمقراطية عن طريق العنف المبرمج.
في الوقت نفسه تحاول الحكومة العراقية الالتفاف على المطالب المشروعة للجماهير، للإبقاء على نظام المحاصصة الطائفي الاثني، دون تغييرات مهمة، مدعية تفهمها لأهداف الانتفاضة. وكانت أهم هذه المطالب أجراء انتخابات مبكرة ديمقراطية ونزيهة، تحت إشراف دولي، وأيضا ملاحقة القتلة ومن يقف ورائهم، وسن قانون للأحزاب يمنع المال السياسي ومن يملك السلاح منها من المشاركة في الانتخابات وتكوين مفوضية محايدة للانتخابات وتوفير أجواء أمنية مشددة لمواجهة تهديد السلاح المنفلت، كي يتمكن المواطن العراقي من اختيار ممثليه بحرية.
ولغرض امتصاص النقمة وتهدئة الأجواء، وافقت الحكومة على أجراء بعض الترقيعات الشكلية لما يسمى بالعملية السياسية. وذلك بإصدار بعض القوانين والموافقة على اجراء انتخابات مبكرة، ولكن بما يتناسب فقط مع مصالح الفئة الحاكمة، مثل سماحها لاحزاب السلطة بممثلين عنها في مفوضية الانتخابات والالتفاف على قانون الاحزاب والنظام الانتخابي ومتطلباته إلاجرائية، مما شكل تجاوزاً سافراً على حقوق كل القوى السياسية خارج السلطة.
والسؤال المهم الذي تطرحه اليوم تنسيقيات التظاهر في العراق، وتجري مناقشته من قبل منظمات المتجمع المدني والأحزاب الوطنية الديمقراطية، هو: كيف من الممكن أن تجري انتخابات ديمقراطية وحرة تحت سياط المليشيات المدججة بالسلاح؟، والتي باتت تتحكم بقرارات الحكومة وتتدخل بشؤون الدوائر الحكومية والقضاء، والتي يدين القسم الأكبر منها بالولاء إلى الولي الفقيه خامنئي، تخدم بذلك المصالح الإيرانية على ارض العراق بشكل مباشر.! وفيما تتستر الحكومة العراقية على منفذي جرائم الاغتيال السياسي للناشطين، وعلى متابعة النشطاء المعارضين سراً واغتيالهم بكاتم الصوت، وتقف مكتوفة الأيدي إزاء الهجمات المستمرة على أماكن اعتصام المنتفضين والتجمعات والتظاهرات، يتم تمرير القوانين الجائرة المتحيزة للفئات الحاكمة وتجيّر القضاء رسمياً لإرادتها لتتمكن من الحفاظ على نفوذها، فضلا عن استمرارها في سرقة مليارات الدولارات، وبجزء قليل منها تشتري شيوخ العشائر أو أصوات الناخبين. علاوة على ذلك رفضها المطالبة بإشراف دولي على الانتخابات خوفاً من كشف التزوير وشراء الذمم والترهيب من قبل المليشيات المسلحة، كما حدث في عام 2014 وعام 2018. وهكذا يحاول النظام أن يعيد نفس الفئة إلى دفة الحكم.
هذه الحقائق تشكل سببا موضوعيا للتشكيك بمواقف وجدية أصحاب السلطة وأحزابهم من نزاهة الانتخابات، فيما لو حدثت، وتجعل في ذات الوقت، شباب الانتفاضة يتحفظوا على رأي من يدعو للمشاركة فيها. لان المعادلة في ظل تزايد جرائم الاغتيال السياسي مع الافلات من العقاب وردود فعله على أرض الواقع، قد قلب كل قواعد اللعبة السياسية ونقلها الى صراع لاستعادة الدولة وقيمها الاعتبارية، أما “نكون”، لاستعادة الوطن، بمعنى تغيير نظام المحاصصة الطائفية الأثنية الفاسد بالكامل. أو “لا نكون”، اي بقاء النظام على ما هو عليه، وبالتالي “ضياع البلد” وخسارة الشعب كل شيء.!
وإذا كانت الانتخابات استكمالاً لمفهوم الديمقراطية، فيجب أن تكون مشروطة بـ: تحريم المال السياسي ومنع الاحزاب التي تمتلك السلاح من المشاركة وملاحقة القتلة ومعاقبتهم، والاهم هو مواجهة الفصائل المتمردة على الدولة بكل قوة. وإلا فالأوجب مقاطعة الانتخابات ونقض اجراءها امام الامم المتحدة لعدم توفر شروطها القانونية والامنية والبحث عن اساليب جديدة أخرى لانهاء تراجيديا الموت والظلام ومنها: المطالبة بحل البرلمان والدعوة لتشكيل حكومة انقاذ وطني.!
إننا في الوقت الذي نعلن تضامننا مع أهداف الانتفاضة ونستنكر كل أساليب الغدر والاغتيال السياسي، ندعو كل القوى الوطنية ـ الديمقراطية إلى مساندة المنتفضين واحترام موقفهم من الانتخابات والالتزام بالشروط التي وضعها المنتفضون للمشاركة بالانتخابات.
نحو عراق جديد – ألمانيا
لجنة النشر والاعلام
27 أيار ـ مايو 2021