هل شعبنا على وعي بما يجري من تدمير في العراق؟
د. كاظم حبيب
“إذا نام الوعي… استيقظ الوحوش”.
الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا
بعد نشر آخر مقالين لي عن الوضع في العراق وعن دور حكومة مصطفى الكاظمي في الضحك على ذقون الشعب وأنه بمثابة حصان طروادة للبيت الشيعي ولإيران الخامنئي في البلاد المثخنة بالجروح، كتب لي صديق فاضل وعزيز رسالة قصيرة إليكم نصها التالي:
“أبا سامر هل تخاطب الضمير ونحن نعيش مرحلة الانحطاط ? يعتقد اغلب حكامنا انهم اذكى من الشعب وان اكاذيبهم وفشلهم سيبرر لهم فترات حكمهم وهي مرحلة ان يتسلط صبيان السياسة على سدة الحكم في العراق الذي سيزف قوافل من الشهداء وفيضان من الدماء الوطنية الزكية وليس لنا الا التنديد والاستنكار هل نثق بان الوعي عاد الى جسد العراق وبان الناس بدأت تفرز المحتال والمزور والفاشل والمتبرقع بلبوس الدين ومن يتخذ الله ستاراً وسداً يحمي سرقاته ورذائله وخيباته، أشك في ذلك لم يزل اخوتنا مغيبين والغفوة لن تكون قصيرة وتحياتي“. 12/05/2021
صديقي العزيز
لدي القناعة النسبية بأن الوعي الفردي والجمعي في صفو ف الشعب قد تحسن كثيراً ونسبياً خلال السنتين المنصرمتين، لاسيما مع انطلاق انتفاضة تشرين الأول، أكتوبر 2019 بالمقارنة مع السنوات التي سبقت اجتياح الموصل وفترة سياسات المالكي ودور المؤسسات والحوزات الدينية في دعم مطلق ومعيب للقوى والأحزاب الإسلامية السياسية ودون أي اعتبار لواقع معاناة المجتمع من السياسات اللاإنسانية التي مارستها ولا زالت تمارسها النخب الحاكمة الفاسدة والرذيلة في البلاد والتابعة في أغلبها لحاكم إيران الخامنئي الطائفي والعنصري الفاسد.
لدى القناعة بأن مجموعة كبيرة من شبيبة العراق، لاسيما في الوسط والجنوب وبغداد، إضافة إلى محافظات غرب العراق، دع عنك إقليم كردستان المعزول قسراً عن تحركات بقية أنحاء العراق تقريباً، قد أدركت ما يراد لها حين ترفع الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية الشوفينية شعارات الدين والمذهب، واللطم على الحسين، والقومية الرخيصة، بأن ذلك يعني المزيد من النهب والسلب والتسلط وبيع استقلال البلاد وسيادة الدولة لإيران وغيرها بأباخس الأثمان، بأنه يعني تجويع وحرمان الشعب والسماح للحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة المجرمة بمزيد من التهديد والاختطاف والاغتيال والمطاردة والاعتقال والتعذيب. هذا ما أدركته شبيبة العراق من النساء والرجال.
هذا الواقع الجديد يمكن أن نتلمّسه في استمرار المظاهرات الشعبية وما تلجأ إليه القوى الدموية الحاكمة من اغتيال للنشطاء المدنيين الديمقراطيين، لاسيما العراق على أبواب انتخابات برلمانية مبكرة.
لدّي القناعة يا صديقي بأن لو أجريت انتخابات سليمة، عادلة ونزيهة، على وفق الشروط التي أطلقها منتفضو تشرين، لتحقق تحول نسبي مناسب في الوضع العام العراقي ولتحول ميزان القوى نسبياً لصالح التغيير. ولكن أقول بأن الوعي مازال غير مترسخ وغير عميق وغير شامل ويتأثر بعوامل كثيرة أولاً، وأن شروط حصول انتخابات عامة سليمة وعادلة ونزيهة غير متوفرة ثانياً، لاسيما التالية: ** قانون انتخابي عادل، ** مفوضية نزيهة غير ملطخة بالفساد والتزوير، ** اعتقال ومحاكمة قتلة المتظاهرين، ** نزع سلاح الميليشيات الطائفية المسلحة، ** اعتقال فرق الموت الموجودة بالأسماء لدى أجهزة الاستخبارات والأمن العراقية، ** واعتقال ومحاسبة الفاسدين الكبار الذين يحتلون مواقع أساسية في الدولة والأحزاب الحاكمة، ** وأن الحكومة الحالية مخادعة جاءت لإعادة الثقة بالنظام الطائفي الفاسد والقاتل للمتظاهرين والنهاب لثرة العراق والمجوِّع للفقراء والمعوزين وأصحاب الدخل المحدود، والمعرقل للتنمية والخانع لقوى أجنبية مهيمنة على الحكم في البلاد ثالثاً، وأن وكلاء السيستاني في أغلبهم قد أصبحوا جزءاً من النظام القائم ويمارسون الدعاية الفعلية غير العلنية لصالح الأحزاب الحاكمة التابع ة لإيران.
لهذا تراني صديقي العزيز أسعى للمشاركة بتواضع شديد وبأضعف الإيمان، الكتابة ولنشر، مع بقية الواعين والمناضلين بمختلف السبل السلمية، في عراقنا المستباح لإزاحة الغشاوة الكثيفة عن بصر وبصيرة كثرة كاثرة من بنات وأبناء شعبنا لكي يعوا ما يجري وما يراد لهم. كم كان مصيباً الفنان التشكيلي الإسباني الكبير فرانشيسكو غويا (1746-1828م) حين قال بحق “إذا نام الوعي… استيقظ الوحوش”. وها هم كثرة من الوحوش مستيقظة تسرح وتمرح وتقتل وتنهب وتهدد وتختطف وتطلق الصواريخ في عرض البلاد وطولها. لهذا ترى يا صديقي الفاضل ما زلت أرى بوضوح حاجتنا لمزيد من العمل الجاد والدؤوب مع عدم فقدان الأمل بتحقق ما نسعى إليه في رفع وعي الإنسان الفردي والجمعي وألّا نعتمد الصدفة أو تصور بأن ما نريده سيحصل دون عملنا. سأبقى أخاطب الإنسان العراقي الوطني وضميره ليستيقظ قبل أن تفتك الوحوش به وبالوطن المستباح. سأعمل، وستعمل معي أنت أيضاً أيها الصديق الفاضل وسيعمل معنا غيرنا كثير، بهذا الاتجاه الإنساني النبيل. يجب ألَّا نفقد الثقة، إذ نعرف العوامل الفاعلة سلبياً في المجتمع، وهي كثيرة، رغم ذلك علينا ألَّا نفقد الأمل، وأن نبقى نعمل لمكافحتها، إذ بدون عمل لا أمل، وبدونهِما سنكون قد خسرنا المعركة الحاسمة قبل خوضنا لها، لصالح قضية التغيير الجذري لهذا النظام القذر القائم في العراق. قال الصديق رضا الظاهر في واحد من مقالاته المهمة “بأننا نحفر بالصخر”، لم أكن أتوقع ذلك، ولكنها الحقيقة المرة التي لا بد من الاعتراف بها والعمل على معالجتها لصالح وعي الواقع والعمل على تغييره.
قال الشاعر شوقي مسلماني في قصيدة نشرت في صحيفة العراقية التي تصدر في أستراليا بصدد الأمل ما يلي:
4- “لا تفقدوا القدرة على الإستمساك بالأمل،
الإستمساك بالأمل أروع ما في الإنسان الثوري”.
(من قصيدة بعنوان احتفاء بالجسد أولاً، من ديوان “رأس الدم” صحيفة “العراقية” سيدني/ استراليا العدد 764، 12/05/2021).