منذ ثمانية عشر عاما والمشهد السياسي في العراق لازال متراخيا
عصام الياسري
اللغة وسيط المعرفة.. والمعرفة اساس لكشف الحقيقة.. والحقيقة واحدة لا تقبل التأويل أو التضليل!!
منذ اكثر من ثمانية عشر عاما، ونحن نعاني من مشهد سياسي اقتصادي اجتماعي دراماتيكي وضعنا تحت طائلة الخوف من المستقبل، واصبح الثابت في حياتنا اليومية وربما حياة الاجيال القادمة من العراقيين. نواجه تراجيديا الموت والدمار والنهب والتسويف والنصب والكذب والتهريج والخداع الذي توغل بسبب انعدام القيم والاخلاق واستشراء الفساد السياسي والمالي والاداري، ولم ينته منذ أن بدأ. نصتطدم، بأزمة تلو الاخرى، اكثرها تعقيداً، انتهاك الدستور وضعف المؤسسات الامنية والقضائية واختراقها، مما اوصل البلد الى طريق مسدود نتيجة أخطاء ساسة لا يتقنون السياسة ولا كيفية إدارة الحكم وبناء الدولة المدنية. الفرق بين النزاهة من عدمها، بين الظلم والعدل، بين قدسية مشروع الدولة واحتياجاتها، عوضا عنها التباهي بالغش والارتشاء ودمار الدولة وتفتيت المجتمع وايصال الاجيال القادمة الى حافة الهاوية بلا مستقبل.
ونكاد أن نجزم، ونحن نقترب من الذكرى الثامنة عشر لغزو العراق، بان أغلب مَن تسلقوا المناصب العليا في الدولة العراقية ومنذ اول “مجلس حكم” شكله الحاكم بأمره بريمر ولغاية اليوم هم كيانات لصوصية همها النهب والاثراء على حساب الشعب ومستقبل معيشته. لا بل أنها “مافيات” تعتبر الدولة “شركة مساهمة” ملكا لها وحكرا للفاسدين من كتل واحزاب، اسلامية أوعلمانية ـ عربية ام كردية. هم وذويهم يديرون عمليات الفساد والغش والسرقات وابتكار اساليب لها. ولا نستثني “إلا حالات قل نظيرها” أصحاب العمائم الذين انتحلوا عن ماض لا شأن لهم فيه، المنسوبية لـ “آل البيت” لغرض اطماع شخصية ومصالح نفعية حتى وصل بهم الكيد للقمة الشهيد الامام الحسين وهو في مقام ارتقائه العلا.
أن حماية الدولة كدولة وليس حماية الحكومة، حصرا، هو شأن وطني بامتياز. لكن على الدولة ونظامها ان ترعى قانونيا وقضائيا مبدأ احترام حقوق الشعب وسيادة الدولة ذاتها. انما على الحكومة اي حكومة، ان تفي بالتزاماتها تجاه المجتمع ومصالحه العامة والوطنية وان لم تقم بذلك، فعليها ان ترحل. واذا ما ترهل الحكم فان مسألة اصلاحه تبقى مسألة لا مفرمنها، وعلى المجتمع اتخاذ التدابير الكفيلة بمعالجته من الاساس. واذا كان ثمة مسؤول كالكاظمي يريد حقا التغيير والاصلاح، فعليه أولا أن يوفر آليات تحقيق ذلك في فترة زمنية قياسية دون مماطلة أو تسويف ثم البدء باعلان حزم الاصلاح كي لا تبقى حبر على ورق.. من جانب آخر، على المتظاهرين ان يضعوا لمطالبهم المشروعة واهمها اصلاح القضاء ليتسنى ملاحقة القتلة ومحاربة الفساد والمفسدين، سقفا زمنياً محددا ليفهم رئيس الوزراء ومن حوله جدية المتظاهرين. كما وعلى الحراك الشعبي الذي حول التظاهرات منذ تشرين 2019 الى” ثورة جياع” ان يكون حذراً من الاعيب مافيات السياسة وان لا يتوقف عن النزول بالملايين للشارع في جميع المحافظات مطالبا بحل البرلمان وتشكيل حكومة انقاذ وطني كي ينقضي الفصل الأول من تراجيديا التسويف التي لم تنته.
لا الكاظمي كمسؤول أول في الدولة ولا غيره ممن في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية يريدون حقا الاصلاح والتغيير وتقديم المفسدين للعدالة. ولا تعنيهم أصوات المتظاهرين في الساحات واسبابها التي دفعت بهم دفعاً قويا نحو الواجهة لمحاربة الفساد والتغيير. واذا ما اخذنا قول الكاظمي للمتظاهيرين، بأنه “رجل أفعال لا أقوال” فالظاهر قولا واحدا لا يشير الى انه يستطيع تحقيق ما وعد به: فهو لا يريد ان يفرط بالاتلافات الحزبية الماسكة بالسلطة ولا يمس قياداتها واذرعها الميليشياوية، فضلا عن دعواته المتناقضة والتي تنسجم مع مواقف اعدائه السياسيين من ذات الكتل.
واذا كان الكاظمي يتأرجح دون جدوى بين تعاطفه مع المتظاهرين ومطالبهم من جهة، وبين عدم استطاعته المضي قدما لتحقيق حزم الاصلاحات التي اطلقها منذ أشهر من جهة اخرى، فعليه اما ان يخرج على العلن امام الشعب ليوضح موقفه وطلباته بشكل صريح لا لبس فيه، أو ان يرحل بعد ان يوضح اسباب ذلك ليعرف الشعب ما يجري في دهاليز الحكم ليقرر مصيره. وليدرك، اي الكاظمي، بانه في كلا الحالين سيكون المسؤول عن نجاة العراق واهله، أو ما ستؤول اليه الاوضاع من مواجهات صدامية قد يشتد ازيزها فتلحق الاذى بالجميع وأولهم الوطن المنكوب اصلا.