أسئلة بلغة طائفية اضطرارا
إبراهيم الزبيدي
كيف يرى الشيعة العراقيون، أولا، والشيعة العرب، ثانياً، والإيرانيين ثالثا، نهاية الحرب المذهبية التي أشعلها الخميني قبل ما يقرب من نصف قرن، ثم واصل إشعالها ورثتُه من بعده؟،
ومتى يتوقعون لها النهاية؟
وكم سيسقط فيها، إضافة لمن سقط، من قتلى وجرحى ومعوقين وأسرى ومغيبين شيعة؟،
ومن يعتقدون بأنه سيكون المنتصر الأخير فيها؟.
مقدما لابد من القول بأن جواب النظام الإيراني على أسئلة من هذا النوع معروف، ولا أحد يريد مزيداً منه أو عليه، فهو قائم، أساساً، على ثقته الثابتة بانتصاره الحتمي فيها، في النهاية، على خصومه ومعارضيه أجمعين، وذلك لأنه، حسب نظريته الولائية، “موجود فقط للتمهيد لعودة الإمام الغائب، ولنصرة الطائفة، ولتعويضها عن الظلم التاريخي الذي ألحقه بها أعداؤها السنة على مدى قرون”.
ولكن الأحزاب والتجمعات الإيرانية (الفارسية الشيعية) المعارضة، تحديداً، تؤكد أن هذا الزعم قد ثبت بطلانُه من أول أيام تأسس فيه هذا النظام عام 1979 بسلوكه الموثق والمؤرخ والممنهج الذي أرسى ديكتاتورية جديدة ألحقت بالشيعة، قبل غيرهم وأكثر من غيرهم، أسوأ أنواع الاستغفال والتضليل والظلم والقمع والإفقار ومصادرة الحريات وإهانة الكرامات، إضافةً إلى ما فعلته بهم ماكنة حروبه التي جللت أغلب منازلهم برايات العزاء السود.
وتقول هذه المعارضات الإيرانية، من خلال نشاطاتها ومؤتمراتها وخطاباتها وأدبياتها، إن إصرار المعممين القوميين الفرس القوّامين على هذه الحروب على إلباسها الطابع الديني المذهبي المتطرف إنما هو تقيةٌ متقنة يستخدمونها لكي يَسوقوا أكبر عدد ممكن من شباب الشيعة، وخصوصا من شيعة العراق واليمن ولبنان وبعض بلدان الخليج العربية، إلى حمل سلاحهم والموت من أجلهم على جبهات القتال.
ومن الثابت على أرض الواقع المرئي والملموس في إيران ذاتها أن ثلث الإيرانيين اليوم تحت خط الفقر، وملايين أخرى منهم تعيش الضنك بصمت بعد تدهور العملة والعزلة الإقليمية والدولية التي خنقت المحكوم أكثر من الحاكم، ومع كل ذلك فساد الطبقة الحاكمة وفشل سياساتها وهدرها لواردات الدولة، رغم قلتها، على الحروب الخارجية دون أمل في خلاص قريب.
وفي العراق الذي هو رئة التنفس الأهم والأكثر مصيرية وجودية للنظام الإيراني، وفي لبنان قاعدته المتقدمة الحيوية الأخرى لو دققنا في التظاهرات الغاضبة الهاتفة ضده محافظات العراق الشيعية والمناطق الشيعية اللبنانية، أيضا، لوجدنا أن محركها الحقيقي هو واحد من ثلاثة، الفقر والقمع والفساد.
فبالرغم من أن محافظات الجنوب العراقية، مثلا، هي أكثر المحافظات إنتاجا للنفط، إلا أنها الأكثر حرمانا من وارداته التي ثبت أنها تُسرق من قبل الإيرانيين ووكلائهم العراقييبن الشيعة الأكثر تمسكا بالطقوس المذهبية، الأمر الذي جعل المتظاهرين الشيعة يكررون هتافهم الدائم، (باسم الدين باكَونا الحرامية)، وتعني (باسم الدين سرَقنا اللصوص).
كما أن أغلب ملفات الفساد والرشوة والمشاريع الوهمية التي لم يعاقَب أحدٌ عليها هي من نصيب السياسيين العراقيين الشيعة دون شك.
وفي لبنان، كالعراق، تصدر معممو حزب الله قوائم المهربين والمزورين والفاسدين، والمعتدين لا على الحكومة اللبنانية وحدها بل على عموم الدولة في حاضرها البائس وغدها الأكثر بؤسا وإفلاسا وفشلا وبلا حدود.
وهنا نسأل الشيعة العراقيين والعرب والإيرانيين المناصرين للنظام الإيراني المتسبب الأوحد في شقاء أبناء الطائفة، وفي خراب محافظاتهم:
أيُ السياستين الإيرانيتين أكثرُ قدرة على استمالة عموم المواطنين وترويضهم وانتزاع قبولهم، طواعيةً، بنظام المعممين الإيرانيين، سياسةُ الإرضاء والاستثمار المالي والثقافي والصحي والصناعي والزراعي والاجتماعي والديني، أم سياسة القمع والاغتيال وتفجير المفخخات، وتخريب الصناعة والزراعة، وإشاعة البطالة والفساد، وتبني عصابات الإرهاب في الدول الأخرى وحماية مسلحيها خونة أوطانهم الفاسدين الجهلة الطائفيين المتخلفين المزورين، وتسليطهم على باقي فئات الشعب وطوائفه وأديانه وقومياته المتعددة، وإغضاب الملايين الصابرة، وجعلها تترقب الساعة التي ترى فيها نهاية عهد الطاغوت الإيراني البغيض؟.
سؤال آخر، كم يبلغ عدد الموالين لديكتاتورية الولي الفقيه من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين مقابل غير الموالين؟، إذن أليس غباءً أن يحتضن النظام الإيراني هذه الزمر القليلة الناشزة المنبوذة المكروهة وأن يسلحَها وأن يسلطها ليس على الملايين من غير الشيعة، فقط، بل على أبناء الطائفة ذاتها.
أليس هذا كافيا لجعل هذه الشعوب المقموعة المفجوعة تؤيد وتتمنى وتنتظر وتبارك أن تأتيها النجدة حتى من الشياطيين لتخليصها من هذا الكابوس؟
يقول معمم عراقي شيعي ظل علمانيا طيلة السنين الماضية، ومعارضا شديدا لهيمنة المعممين الإيرانيين على مذهب التشيع، ومنكرا على الخميني وعلى خليفته المرشد الأعلى علي خامنئي ولاية الفقيه، في لقاء تلفزيوني أذيع مؤخرا، “إن تسعين بالمئة من شيعة العالم يؤيدون النظام الإيراني ويناصرونه ويتمنون حصوله على السلاح النووي”.
ورغم أن هذا الزعم يحتاج إلى مسح ميداني علمي دقيق لإثباته إلا أن افتراض صحته يزيد من حراجة موقف الشيعة العراقيين والعرب والإيرانيين، ويضعهم أم السؤال الصعب، هل هم مؤمنون، حقا، في عصر الديمقراطيات العلمانية الجديد، أن تنتصر دولةٌ طائفية عدوانية مشاكسة تقيمها أقليةٌ على مليار ونصف المليار من معارضيها السنة الذين تُجاهر بإصرارها على احتلال بلادهم واستعبادهم وإذلالهم ونهب خيراتهم، وعلى ملايين من شعوب غير عربية وغير مسلمة أخرى في العالم نالها شررٌ من حرائق أشعلها المعممون الإيرانيون؟
فإن أجابوا بـ (نعم) فتلك مصيبة وسذاجة وغفلة وسباحة في المجهول، وإن أجابوا بـ (لا) فتلك حماقة، لأنهم يجهلون أن لها أثمانها الباهظة التي لابد أن يدفعوها في قادم الأيام.