الأسباب الظاهرة والخفية وراء فاجعة مستشفى ابن الخطيب
جميل حسين الساعدي
في الرابع والعشرين من شهر نيسان هذا العام ، التهمت النيران مستشفى ابن الخطيب بطوابقه الثلاث مخلفة 82 قتيلا و110 مصابا ، وقد نشب الحريق في إحدى ردهات الطابق المخصص للإنعاش الرئوي ، والتي كانت مكتظة ليس بالمصابين بفيروس كورونا فحسب بل بأعداد كبيرة من مرافقيهم ، ممّا أدّى إلى أن يكون عدد الضحايا ضعف عدد المرضى حسبما أفاد به شهود عيان . وطبقا لآخر الروايات أنّ الحريق اندلع حين قام احد مرافقي المرضى بطهي زيت جنب اسطوانة أوكسجين مما تسبب في اشتعالها وانفجارها ، هذه هي الأسباب الظاهرة للحريق : وعيٌ صحيٌّ متدنٍّ وإهمال وقصور من المسؤولين عن رقابة وإدارة الردهات ، حيث سمح بدخول عدد كبير من مرافقي المرضى ، إلى القسم المخصص للإنعاش الرئوي والذي يوجد فيها عدد كبير من أسطوانات الأوكسجين كان بالإمكان تفادي هذه الفاجعة أوعلى الأقل تجنب وقوع هذا العدد الكبير من الضحايا ، لو كانت هناك منظومات حماية وإطفاء في المستشفى ، وإنّ عدم وجود مثل هذه المنظومات في مستشفى يحوي أعدادا كبيرة من اسطوانات الأوكسجين يشير الى حالة من اللامسؤولية والإستخفاف بحياة المواطنين .السؤال الملحّ الذي يطرح نفسه: من يتحمّل المسؤولية عما حدث؟ هل يتحملها مدير المستشفى ، بعدما تبيّن أنه ومن خلال دائرة صحة الرصافة قد طلب من وزارة المالية تخصيص مبالغ لشراء منظومات إطفاء وحماية للمستشفى , وهناك مراسلات بين دائرة صحة الرصافة ووزارة المالية بهذا الشأن يعود تأريخها إلى ثلاث سنوات خلت ، لكنّ وزارة المالية لم تستجب للطلب. وكما يتّضح أنّ السبب الحقيقي لفاجعة مستشفى ابن الخطيب ، ، هو عدم توفير المال اللازم لتزويد المستشفى بما يحتاجه من أجهزة ومعدات ومنظومات حماية وإطفاء . لمْ يكن انفجار اسطوانة الأوكسجين في حقيقته إلاسببا عرضيا ، فالعدد الكبير من القتلى والمصابين والدمار الكبير الذي لحق بالمستشفى يعود إلى عدم وجود أجهزة ومنظومات اطفاء وحماية في المستشفى، لو أنّها كانت متوفرة وقت نشوب الحريق لتمّ معالجة الموقف وإطفاء النار في الردهة ، التي اشتعلت فيها ، قبل أن تمتد ألسنتها إلى الطوابق الأخرى ولربما تمت السيطرة على الموقف بأقلّ الخسائر. يبدو أنّ وزارة المالية تعاني مما تعانيه بعض الوزارات العراقية الأخرى ، التي تهيمن على أعمالها لجان اقتصادية تابعة للأحزاب السياسية المتنفذه ، تتدخل في إبرام العقود واستحصال الرسوم والعمولات غير القانونية من المتعاقدين ، فتحصل بذلك على ايرادات مالية ضخمة ، تموّل بها دعاياتها الإنتخابية ومشاريعها الخاصة بها . فتتسبب في تعطيل كثير من مشاريع الإستثمار والتنمية ، بل وتتسبب في هروب كثير من المستثمرين قبل أن يتموا مشاريعهم بسبب مطالبة هذه اللجان بأن تكون لها حصة في الأرباح تصل أحبانا إلى أكثر من 50% ، اللجان الإقتصادية للأحزاب السياسية المهيمنة على أهم ست وزارات في الدولة ، هي السبب الرئيس في حجب الأموال اللازمة لتزويد مؤسسات الدولة بما تحتاجه من معدات وأجهزة حديثة ، وعلى رأسها مؤسسات القطاع الصحي من مستشفيات ومختبرات . مشاهد الموت المجاني تتكرر باستمرار في بلاد الرافدين ، والفقر والتخلف يضرب أطنابه في كلّ مكان. فاجعة مستشفى ابن الخطيب ليست هي الفصل الآخير في رواية آلام وأحزان الشعب العراقي . ستستمر فصول الرواية المأساوية ولن تكون لها خاتمة إلا برحيل الفاسدين .