منوعــات
يحيى علوان
في زمانٍ غَبَر ، حينَ كان الماء مباحاً كالهواء ، بلا سعرٍ أو ماركة ، إلتقى رجل دين وذبابة عند بئر . رجل الدين إياه عُرِفَ عنه أنه خاض” حروباً ” ضَروساً ،وأصدَرَ فتاوىً سالت بسببها أنهار من الدم ، من أجل إعلاء كلمة الرب !!
أما الذبابة فلا يُعرف عن حياتها شئ ذي بال .
مشيئةٌ إلهية ، وإن شئتم قَدَرٌ محتوم ، ساقهما الى أن يلتقيا في ظهيرة قائظة عند بئر . ما أن همّ رجل الدين أن يَبُلَّ ريقه بجرعة ماء ، حتى إندفعت تلك الحشرة المجنحة الى باطن بلعومه الكريم !
ولا يُعرَفُ حتى اليوم ما إذا كان فَعل الذبابة ذاك عملاً تآمرياً ، تخريبياً أم أنها ـ في بحثها عن ظل ـ ضلّت طريقها الى حنجرته الميمونة !
خلاصة القول ، أن جناحيها إلتصقا بحنجرته المباركة ، فلم يعد بأمكانها أن تفُكَّ نفسها من الأُسار الذي وقعت فيه .. ولا أستطاع إصبعُ رجل الدين إخراجها من بلعومه .
وفي حمأة الصراع بين الأثنين من أجل البقاء ، ماتَ رجل الدين مختنقاً بالذبابة ، والأخيرة قَضَت ببلعومه ، قدّس الله سرّه !
نَمّـامٌ
بئيسٌ مَنْ يظنُّ أنَّـه حقَّقَ كلَّ أحلامـه ،
فـلا يعـودُ لـه هـمٌّ ، سوى النميمـة !!
يروحُ بهـا يُرهِـقُ خيـوطَ الهاتفِ ،
حتى تَعيا من عجيزتـه كراسي المقهى …
معَ أَنه يَمتلكُ كُلَّ أسبابِ الغياب …!
منذُ عقـودٍ يمتهنُ حِرفَةَ الثرثرةِ والنميمة ،
يَهرَبُ من “زنزانةِ ” البيتِ إلى “زنزانةِ” المَقهى أو العكس …
تعيساً ، عدوانياً يغدو عندمـا لا يجدُ مَنْ يستمع إليـه
حينَ نسقط في حبائل الصغار!
بُنيتي وهيَ صغيرة ، كانت مُغرمةٌ جداً بإخضاعي للأختبار في كل ما تتعلمه من جديد
في المدرسة أو من أقرانها أو من برامج الأطفال … سألتني مرة ” بابا ، أتعرفُ مًنْ هو الأكثرُ شَغَفاً بالأصيلِ ؟”
قُلتُ الفنانون والشعراء والعشّاق و…
قاطعتني : ” ربما .. ! لكن الأكثر شغفاً هم الأقزام .. ! “
مُستغرباً قُلتُ كيف .؟!
قالت:” في الأصيل يشعر القزم بالنشوة عندما يرى أنَّ ظلَّه قد إستطال وغدا عظيماً … !! كيفَ فاتك الأمر ؟! “
صًفًقَتْ كفّها بكفّي ، غمزتني ، فبدّدَتْ دَهشَتي !