ما العمل .. ؟
مع الريحِ ضد التيار .. أم العكس ؟!!
يحيى علوان
أُصبّحُ بالخيرِ على وطنٍ لا يُبارحني ، حتى في المنام …
أُصبّحُ بالخير على وطنٍ ، يجري تجريفُ أهله وأرضه .. حتى صارَ “سِكراباً” – خُردة – !
أُصبّحُ بالخير على وطنٍ يُنهبُ ” شرعاً ” لأنَّه ” مالٌ لا مالكَ له ، يصحُّ إمتلاكه ! “- إقرأ نَهبُه – فيصبح حلالاً بعد دفع “الخُمس” .. كذا !!
أُصبّحُ بالخيرِ على عراقٍ ، غدا تَرَفَاً أنْ تكونَ فيه سَويّاً .. تحترمُ العقلَ والعِلمَ والجمال ..و..وو
دون أنْ تدفَعَ ثمن ذلكَ غالياً جداً !
أُصبّحُ بالخيرِ على عراقٍ “يَرفِلُ ” بخرابٍ يلحقَ خراباً ، حتى أتى بعده خرابٌ أشمل ، طالَ النفوسَ والدخائل وحتى المعاييرَ الإنسانية…!
أُصبّحُ بالخيرِ على وطنٍ أُصيبَ بالدُّوَارِ ، حدَّ الغَثيان ، من كَذِبِ الحُكّامِ وشعاراتهم ، وشبيبةٍ تُنحرُ
لأنها رَفَعت الصوتَ ، لا السلاحَ! ، مُطالبةً بإستعادةِ وطنٍ إرتُهنَ لأوباشٍ”ولائيين” ومَنْ حازَبَهم !
أُصبّحُ بالخيرِ على بَلَدِ الخيراتِ ، ينبِشُ أطفاله في القُمامَةَ بحثاً عمّا يَردعُ غولَ الجوع .. !
أُصبّحُ بالخيرِ على بَلَدٍ كَفَرَتْ فيه ، حتى الآلهةُ ، بصلاةِ دَجّالينَ ، قَطَعوا أية صلةٍ بالعدالة والرحمة والتقوى !
أُصبّحُ بالخير على وطنٍ يعيشُ منذ إحتلاله على كذبة كبرى إسمها ” ديمقراطية “!!
أُصبّحُ بالخيرِ على عراقٍ ، قد يصحو ذاتَ يومٍ .. يتسامحُ ، ولا ينسى مَنْ خانه ، نهبَه وأثخنَ جراحه ، بَدَلَ أنْ يُعافيه .. !!
* * *
بلادٌ تتشظّى وشعبٌ أنهكته الحروب والحصار والإحتلال والقمعُ والخرافة … وما من عود ثقابٍ يلوحُ له في نهاية نفقٍ إستوطنه الظلام ..!
الطبولُ تُقرَعُ .. يُساهمُ فيها الكثيرُ من الغَثِّ ، وقليلٌ من السَمين ! تمهيداً لإنتخاباتٍ مبكّرةٍ جرى تأجيلها سابقاً ، “يُرادُ” لها أنْ تجري في أكتوبر / تشرينَ الأول الآتي ، وإنْ كنتُ أشكُّ شخصياً في ذلكَ لإعتباراتٍ ، لا يتسع لها المجال حالياً ! إذ أنَّ الإعلانَ عنها سيكونُ بمثابة “تمرينٍ للإحماء”، كما يفعلُ الرياضيونَ قبلَ النزال مع “الآخر” ! وستكونُ فرصةً للإستعداد لـ”الإستحقاق الدستوري”! في العام المقبل . وهكذا سيتوفّرُ وقتٌ كافٍ لـ”ترتيب”الطبخة والقيام بتنازلات متبادلة بين الحاكمين ، بما يضمن إعادة تدوير”النفايات” الحالية وإستبدال بعض الوجوه الكالحة ، ولكن الإبقاء على جوهر النظام الفاسد والتحاصصي ..!!
يتسم المشهد السياسي في العراق اليوم بـ
1)
الإحتقانِ والتشنُّج . فالطُغم الحاكمة ، ومشغّلوها وراء الحدود ، يخشون خُسران نفوذهم وبالتالي مصادر”رزقهم!”، الذي دَرَجوا عليه منذ 18 عاماً .. لذلك نراهم ، في ضوء الأنتفاضة التشرينية الباسلة وما قدّمته من تضحيات غالية .. يلجأون ، وبشكل محموم إلى تجنيد كل ما لديهم من ميليشيات مسلحة ومال سياسي حرام .. وتجييش طائفي وعرقي – إثني قومي ، ومذهبي – عشائري .. يساندها في ذلك ، إلى جانب ماكنة إعلامية ضخمة ، الغيب والخرافة وغياب الوعي الإجتماعي والسياسي …إلخ إذ أنهم يرون فيها معركة وجود ! لن أُطيلَ في توصيف هذا الجانب . فقد أُشبعَ تحليلاً وتقريضاً ، حتى لم يعُد ممكناً توصيف الحال دون الإستنجاد بالبذيء مما يتوفّر عليه “قاموس” المفردات الشعبية !! وهو ما ننأى بأنفسنا عنه …
2)
في هذا الوضع ، يُرادُ خوض الإنتخابات من أجل إحداث “التغيير المُرتجى ” ، في حين أنَّ غالبية الناس ممن يحقُّ لهم التصويت ، سئمت وعزفت عن المشاركة بإدلاء أصواتها لأنها أُصيبت بالغثيان من كذب الطُغم الحاكمة ونهبها للمال العام في وقت تعيش نسبة كبيرة من الشعب دون خط الفقر في بلد يمتلك من الخيرات ما يؤهله لنهضة في كل مناحي الحياة… وقد تجلّى موقف الناس هذا في إنتخابات 2018 . إذ لم تزد نسبة مشاركة الناخبين عن 20% !! لذلك فأن غالبية الناس لا تثق بأمكانية حدوث تغيير في أجواء موبوءة ، وإنفلات السلاح بيد الميليشيات ، والإمعان في إذلال الناس وإفقارهم .. وإنعدام الخدمات وخراب البنى التحتية والفساد المستشري ، الذي طال كل مرافق الحياة إبتداءً من قمة الهرم حتى قاعدته …إلخ
3)
القوى العلمانية والديمقراطية واليسارية + ” التشرينيون ” ليسوا على هوىً واحد ، وهو أمرٌ ، لا شائبة فيه ! كما أنها متباينة الحجم والتأثير ، لكنها لم تنضج بعد ، رغم تشخيصها للواقع ومآلاته للإتفاق على تشكيلِ كتلة سياسية تلمُّ الناس حولها لمنع وقوع ما هو أسوأ، فنحن على أعتاب
“جهنم “.. ذئاب تملأ الشوارع ، ولا ” دولةَ ” تجرأ على صدّها ! فالدولة غافية بأمرٍ من “حُرّاسها المفترضين؟!! إنْ لم نَقُلْ تتواطأُ معهم ! فلا يجوز الإكتفاء بتصريحات وبيانات الشجب والإستنكار . فهذه القوى والمكونات لم تتوصل حتى الآن إلى صياغة ورقة عمل وآليةٍ ، تكون بمثابة منهاج ملزمٍ لكل الأطراف ونبذ الأنانية والتنطُّع بالقيادة . وفي ظني ، أنَّ هذا الأمر يستلزم :
أولاً ، توحيد موقف واضح وصريح من الإنتخابات ، أي مقاطعتها طالما أن الطُغَم الحاكمة لم ولا تريد
الإستجابة لمطلب إستصدار قانون جديد للإنتخابات وقانون أحزاب يوفّر فرصاً متساوية لكل الأحزاب المسجلة رسمياً ، ومنع السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة فقط ! دونَ الإلتفاف على هذا المطلب بدعوى ضمِّ الميليشيات الولائية وغيرها بأعتبارها ” جزءاً من القوات المسلحة !!” لتوفير غطاء قانوني ومالي لبقائها وهي ترتهن الدولة والمجتمع كاملاً ! والكشف عن قَتَلَةِ المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة وتشكيل مفوضية مستقلة حقاً للإنتخابات ، وقبلها توفير قضاء مستقل باعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وبالتالي المحكمة الإتحادية العليا وفق أسس مهنية بعيداً عن المحاصصة والزبائنية …إلخ
ذلك أنَّ الديمقراطية لا يُمكن إختزالها إلى ” عملية إنتخابٍ !” تُجرى في ظلِّ إحتلالٍ عمليٍّ (أمريكي/ إيراني) ، لا يتمتع فيه الشعب بالسيادة على مقدراته ومقدرات بلاده .. فالديمقراطية تعني ، من بين أمور أخرى ، إحترام وصيانة حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، بما فيها حرية العيش الآمن الذي يلبّي الحاجات الأساسية للفرد(عمل، سكن ، طبابة ، تعليم ، والخدمات الأكثر أساسية للعيش الإنساني …)
ثانياً ، التحلّي بالشفافية في السلوك السياسي ، وإخراج ” النقد الذاتي والإعتراف بالخطأ ” من خانة المحضورات “التابوهات!” إلى نور الإعتراف ، والكفّ عن التحجُّجِ بأنّ هذا الأمر ” يخدم القوى المعادية!” ليشتروا صمتنا ! فالأخيرة/ القوى المعادية/ لديها دوماً ما يكفي من الوسائل لمهاجمة خصومها ، أولاً! والأمر الثاني ليس أخلاقياً بدعوى ” أنَّ الإعترافَ بالخطأ فضيلة ” فقط ، بل هو أمر ضروري لإستعادة ثقة الناس بالجهة المعنية ، شريطة إدراك التفريق بين إلإخفاق / الخطأ وعموم شخصية الفرد / الجماعة والتعلم من الخطأ بعدم تكراره ، كي لا نخلُصَ إلى نتيجة أننا “أبرياء ” ونُرحّل الأمر إلى “ظروفٍ موضوعية!!” نُكرّرُ فيه الخطاَ ذاته ، بعد أنْ نُلبِسَه ” حُلَّةً جديدة ” مثلما جرى قبل ذلك ، أكثرَ من مرّة !!
على أنَّ هذا الأمر يتطلب المبادرة إلى تحمُّل المسؤولية الشخصية بإعفاء المسؤولين ، إنْ لم يتحلَّوا بالشجاعة الكافية للإعتراف بما أرتكبوه ، يوم أخذوا “الناس” رهينة لتحالفات فاشلة ، رغم الإعتراضات الكثيرة ، كان آخرها التحالف البائسٍ مع قوى الخرافة والغيب .. التي سرعان ما إنقلبت عليه وكشفت عن وجهها الكالح ولطَّخت أيديها بدم المتظاهرين السلميين .. نقولُ آن الأوان لمَنْ تسبَّبَ في ذلك أنْ يتنحّى عن المسؤولية ويخلي المجال للآخرين ، ولن تَغرقَ السفينة ..! فرحمُ الحركة ولاٌّدٌ وليس هناك مَنْ لا يُمكن تعويضه !!
المهم في هذه العملية صدقيتها إلى جانب العامل التربوي / النفسي . ذلك أنَّ الإعترافَ بالإخفاق أو الخطأ يمكن أنْ يكون إيجابياً وعاملاً للنجاح بالتالي . وفي هذا المجال يحضرني ما جرى لتوماس أديسون قبل أنْ يتوصَّلَ إلى إكتشاف المصباح الكهربائي . فقد قام بحوالي مئة تجربة قبل أنْ يهتدي إلى المصباح الكهربائي ، مما أصابَ مساعده بالخيبة والقنوط ، فقال لأديسون – أخفقنا وفشلنا ! – فأجابه أديسون : أنا لم أفشل … إذْ تعلَّمتُ أكثر من مئة طريقة لا توصل إلى صناعة المصباح الكهربائي !![ طبعاً التجريب في العمل العلمي يختلف عنه في العمل السياسي !!]