رُحمـــاكَ يا إبنَ رُشد !
يحيى علوان
رُحماكَ ، رُحماك !
رُحماكَ يا إبنَ رُشد،
من صليلِ البرد والغربة،
من ضنَكِ المنافي،
من شَفرةِ المجاز، وسهام التورية!
رُحماكَ من لصوصٍ يغسلونَ الحرامَ والفجورَ بالأدعية وسورة الفاتحة..
رُحماكَ من إعلاء الجهلِ وإلغاء العقل !
أَعِذنا من أَلغامِ “المتن المقدس” والدستور .. و”تقيَّة” القوم !
* * *
أَحذرُ كثيراً أنْ يركبَ القلبُ العقلَ ،
ويلغي الحنينُ الفِكرَ ..
ليتني أضرمُ النارَ في ذاكرتي وأنسى الحنين..
…………….
قرأناكَ ، يا إبنَ رُشد، أيام الجامعة و”ثورتها” في الستينات،
إلى جانب سارتر ، فانون ، كولن ويلسون، دوبريه، جيفارا و لينين .. ،
نعم ، كنا في سَورةِ الغَضَب !
أما تَدري أَنَّ الأوطانَ تُحمِّلُنا عذوقَها بوجعِ الأُم تودِّعُ أبناءها دونَ أمل!
لكن الوطنَ يظلُّ فينا ولو بقيتْ في العِذقِ “حَشْفَة” !
وطنٌ، وإنْ صارَ تابوتاً للأجساد والأحلام ..
لن يتغير موقعه فينا ، مهما فعل الخرابُ به..
* * *
للسرابِ أنْ يخدَعَ عينَ المسافرِ، ويُغالطُ عيني،
وللخريفِ أنْ ينثُرَ الغُبرَةَ ويُبَعثر “أوراقَ” فان غوخ،
ورقٌ أصفر ما تبقى من العمر، يا إبن رُشد!
شَقَقْنا صدرَ الريحِ شمالاً وجنوباً،
نبحثُ عنْ رائحة وطنٍ في دفاترنا القديمة،
لمْ ندرِ أننا مَرَقْنا على “النص”!!
لكن الحُكّامَ إعتبرونا “عُصاةً” لأننا نريدُ أنْ نحيا مثل بقية الخلق!
……………
فتهدَّجت في البنادقِ أصواتُ الهتاف..
لو أنَّ الرصاصَ يَعقِلُ، يا إبنَ رُشد، لأغريته بأشتقاقِ إسم فعل ،
أو نائب مفعولٍ به! بدَلَ أنْ يسبح في دمنا !!
* * *
في ساحة التحريرِ رأيتُ خيولاً صافناتٍ تُشيرُ إليَّ،
ونساءً عن الحناجرِ تاهَتْ أصواتُهن ،
أحسستُ بحرقة الهتاف، فيما كانت يدايَ باردتان..
إذن، الوقتُ يتخمَّر، والساحةُ تغلي!
إِعلامُهم يتلو “صلواتٍ” بذيئة، تَحُثّني على الهرطقة!
فنفسي تعافُ نكراتٍ من أصلٍ بركانيٍّ،
قذَفتْ بهم قيعانُ الصدفة، فَتحَجّروا في القمة:”ما ننطيها”!!
هكذا إذنْ !
حينَ يَصعدُ “السَفَلَةُ”، يهبطُ نجمُ الرعاةِ كما يهبطُ القُندسُ إلى النهر!
لكنني أعرفُ أيضاً أنَّ ما هو قائمٌ لن يبقى ..!
لا بُدَّ يحِلُّ مشهدٌ جديد !!
سيقومُ الشهداءُ من رقدَتِهم، و…
وسنَسفَحُ دَمعَ فَرَحٍ نَسيناه..
…………..
كَشَطنا المرايا،
لمْ نكنْ غيرَ سُمّارٍ لهذا الهواء المُعلَّق من كعبيه فوقَ حبلِ الغسيل.
دارت الحروفُ حولَ بعضها، وصارَ الصمتُ واوَ العطفِ،
حتى غدا العقلُ خاتمَ فِضَّةٍ في إصبع اللص والدجّال..
فارَ الدمُ .. تَيَبَّسَ وصارَ خَبَراً للرواةِ ووكالات الأنباء.
الجُرحُ هنا .. والرواةُ هنـــاك!
شيئاً فشيئاً يشِبُّ الرنينُ، وسيعلو “نشيدُ الفَرَح”!
هي زَفَراتٌ/ صرخاتٌ محفورة على الصدر كالندوبِ،
كلما لَمَسْتَها أحسَستَ بذاكرة الفجيعة،
وهولِ المآلات..
* * *
أما زِلتَ في قُرطُبَه ؟!
إصرف النظر عن العودةِ إلى مراكش، أو المجيء إلى هنا ..
فهذه ما عادت بغداد تلك !!
إحذَرْ! سيحرقونَ كتُبَكَ من جديد!
ويُعلِّقونكَ على رافعةٍ ، شَنْقاً !!
…………..
وإنْ كنتَ منهمكاً في قراءة ما نكتب ،
فمفرداتنا معلقة من كواحلها في ساحة التحرير،
وليس في كُمِّ المقامرِ بالدين وباللغةِ البِكر..
.. هنا حيث ترقُصُ الضباعُ والذئاب ،
ينامُ النواطير عن اللصوصِ والقَتَلَة والسَفَلَةُ !
لمْ يبقَ غيرَ وميض جمرٍ تحتَ رمادِ تُرّهاتٍ غبية،
…………..
أنتَ تعرِفُ أنَّ مرادفات الحزن كثيرة،
قد نحتاجُ إلى كثيرٍ منها الآنَ، كي نتخفَّفَ من ثِقَلِ الخسارة والقهر ..
وحينَ نُفكرُ بالآتي، بعد رحيلِ هؤلاء ، يكفُّ المرء عن التفكيرِ ما إذا
كان الأفضل أنْ يعيش أو يهلَكْ؟!
أَحقاً حينَ يَلوحُ الزلزالُ موارباً تُبدي النصوص ما يُشبه الغَنَج،
مفردةٌ تُطِلُّ،
وأخرى تتمنَّع ؟!
…………….
تلك هي حروفي/ شهادتي على وطنٍ جميلٍ خرّبوه، فضاعْ!
فأشهد، يا إبن رُشد، أنني لم أستدعِ بلير لغزو بلادي،
لمْ أقلْ أنَّ شارونَ أَرحمْ،
ولم أدعُ لزرعِ أنصابٍ في كل مُدننا لـِ”شهداء!” اليانكي المُحرِّرْ!!
…………….
إشهَدْ أنني لمْ أكنْ منهم..!!
ولم أصمتْ!!