التدخل للهيمنة والتبعية والاستخفاف لإذلال العراق
مصطفى محمد غريب
منذ سنين والعراق يجابه معضلة اللاوطنية وهي في غاية التعقيد لما تحتويه من تعرجات سياسية داخلية وهجين من الانتماءات والارتباطات الخارجية، وفي خضم الصراع الجاري بين القوى المهيمنة والتي تريد ان يبقى هذا البلد مرتبطاً بالفساد والمحاصصة الطائفية ومعلقاً بين السماء وبين الأرض كي تستطيع اخضاعه بكل الطرق لقرارات تابعة لقوى خارج إطار حدوده الجغرافية وبين القوى التي تجاهد في تثبيت اقدامه على جادة الصواب والانتقال به نحو التطور والإصلاح والأمان والاستقلالية، خلال سنين ما بعد الاحتلال والانتخابات التشريعية الخمسة اصبح البلد يعيش كسفينة فقدت ربانها وتمزقت اشرعتها فباتت في خضم تلاطم هائل من أمواج حملت وما زالت تحمل الازمات المتتالية، والهدف يكون على حافة الغرق والتلويح بالبديل الذي تجعله تابعاً وسوقاً للترويج والاستفادة من كل نوع،” سياسية واقتصادية واجتماعية ” محولة الثقافة الوطنية إلى مفهوم رجعي طائفي ذليل، وفي الوقت نفسه تفقد قراراته الاستقلالية وحرية الاختيار، الأمواج المشار لها تمثل
1 ــــ التدخل المستمر في شؤونه الداخلية تحت طائلة من التبريرات الخادعة
2 ــــ جعله سوقاً رائجة لتصريف البضائع المتنوعة وحتى دون مستوى الموصفات العلمية والعالمية لنهب خيراتهِ ومنع تطوير الصناعات الخفيفة في القطاع الخاص.
أما قضية تلوث البيئة وسوء الخدمات العامة “فحدث ولا حرج” فمن سيء الى أسوأ ففي مجال تلوث البيئة نذكر على سبيل المثال ما جاء في التقرير الدولي الجديد حيث أكد ” أن العراق يعتبر عاشر اكثر الدول تلوثا في العالم بمستوى متوسط الجسيمات الدقيقة الضارة في الهواء 39.6 ميكروغرام لكل متر مكعب في البلاد” هذا التلوث يمتد إلى المياه والزراعة والصناعة، في مجال تنقية المياه واهمال المياه الثقيلة وطرحها في أي مكان يستغل لكبها ثم في انتاج واستخراج النفط وحرق الغاز بدون الاهتمام بتصنيعه وتخليص البيئة من شرور التلوث، وفي مجال الصحة فهناك ارتفاع في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطان، وتناول التقرير الدولي مناحي عديدة في اكثر من مجال ” وقدرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 7 ملايين شخص يموتون كل عام بسبب التعرض لجزيئات دقيقة في الهواء الملوث ، والتي تخترق الرئتين ونظام القلب والأوعية الدموية ، مسببة مجموعة متنوعة من الأمراض”.
هذا التقرير وغيره من عشرات التقارير حول الفقر والصحة والتعليم وحقوق الانسان، لم يحرك ساكن المسؤولية الوطنية لدى أكثرية القوى صاحبة القرار، ولا يهمها أن البلاد تسير نحو الهاوية وملايين من المواطنين يتعرضون للموت والقتل والجوع والحرمان وفقدان الأمان إضافة إلى التدخل في قضايا تخص العراق وحده دون غيره.
نستغرب لما يجري من تدخل وعقد اللقاءات مع قوى شيعية متنفذة للملمت البيت الشيعي (كما يصرح البعض منهم) ونقولها بصراحة نحن لم نسمع لا علناً ولا سراً عن قائد عسكري عراقي ذهب إلى طهران وتدخل في انتخاباتها العامة أو من أجل المصالحة مع المعارضة الإيرانية وهي كثيرة وكبيرة، ولم نسمع أن هناك تدخل في شؤون ايران عندما عمت على مدار سنين عديدة المظاهرات والاحتجاجات الواسعة إن احداً من العراقيين وبخاصة أحزاب الإسلام السياسي الشيعية زار ايران بغرض تقديم النصح والمقترحات أو وجهات نظر للمصالحة الوطنية بين النظام ومن يختلف معهم سلمياً، لكن كلما افقنا من النوم نسمع ونشاهد قادة من الحرس الثوري ( ولماذا من الحرس الثوري وهي جهة عسكرية المفروض أن تلتقي بجهات عسكرية وليس تنظيمات وميليشيات مسلحة ؟) يتوافدون لأغراض شتى يتقدمهم في السابق الجنرال قاسم سليماني *، للتدخل أو المشاركة في عمليات قتالية أو للتدريب ومسافرا لسوريا أو لبنان وغيرهما حتى كان أجله في مطار بغداد كما كان! وبعد أن رحل وهو يقوم بواجبه المكلف به حل محلة الجنرال إسماعيل قاآني فجعلها ” خري مري خان جغان، بغداد مبنية بتمر فلش واكل خستاوي**” وهو مثال للعلم فقط، فقد أشار المكتب الخاص لرئيس التيار الصدري مقتدى الصدر أنه استقبل الجنرال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني استقبله في مقر أقامته بالحنانة في النجف يوم الثلاثاء 8 / 2 / 2022 ، واشير انها الزيارة الثالثة التي يقوم بها حضرة الجنرال اسماعيل قاآني وفسرت الزيارة السعي ” لردم الفجوة بين القوى الشيعية بشأن تشكيل الحكومة المقبلة”
ـــــ أي حكومة بمواصفات إيرانية يريدها إسماعيل قاآني؟
ــــ اين المشكلة التي تلم بالبلاد والعباد بعد الانتخابات الاخيرة؟
.ــــ هل هي في التدخل الإيراني السافر في شؤون البلد؟
ــــ أم فرض شروط معينة من قبل طهران بحجة القاسم الطائفي المشترك؟
ــــ هل هي مساله استغلال اسم واستشهاد الحسين ع الذي يريد قاآني كما قال في السابق “حقن جنوده بها كما هم الشيعة العراقيين؟”
هي استفسارات لا غير، وللحق أننا نعرف ليس المشكلة بالنظام الإيراني أو الإدارة الامريكية أو الاحتلال التركي لأراضي واسعة في كردستان العراق بقدر ما هي مشكلة الحكومات العراقية والبعض من القوى الشيعية المتنفذة ؟، وظهر للجميع أن النائب الإيراني في البرلمان الإيراني كان صادقاً وهي يزف البشرى حيث قال “أن العراق أصبح محافظة إيرانية” ، صدق هذا النائب ولم يكذب! وصدق كل من صرح من بعض المسؤولين كرجال دولة أو معممين من حوزة قم تصريحات مفادها العراق وسوريا ولبنان اصبحوا جزءً من ايران واشار خطيب صلاة الجمعة حجة الإسلام محمد حسن ابوترابي حيث أكد في خطبته يوم الجمعة ” أن قوات تعبئة المستضعفين في إيران الإسلامية وفي العراق وفي سوريا وفلسطين ولبنان تقف بكل قوة أمام دنيا الاستكبار تحت لواء قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله الخامنئي” يعني الجميع الآن تابعين لخامنئي دون حكوماتهم، هذا هو لب المشكلة أن العراق أصبح تابعاً ذليلاً لا يستطيع أن يشكل حكومته العراقية باستقلالية وبقرار وطني وحتى لا يستطيع تعيين وزراء لا ترضى عنهم ايران، أليست هي مهزلة؟..
هذا العراق صاحب التاريخ والحضارة والثورات الكبيرة أصبح بفضل البعض من القوى المتنفذة التي تمتلك ميليشيات مسلحة والبعض من التنظيمات المسلحة التابعة التي تمنع قيام حكومة أغلبية وطنية والتخلص من المحاصصة وحرية اختيار الرئاسات الثلاثة! وإلا بماذا يفسر هذا التأخير والتسويف ونحن نشاهد عشرات الانتخابات في الدول الأخرى بمجرد أن تعلن النتائج خلال ايام تتشكل الحكومات ويبدأ العمل في الحياة السياسية وغيرها، أما العراق الضحية لهذه السياسة والقوى التي تقوده بعد الاحتلال والتسليم فهو كمثل المرأة الحامل التي تتعسر ولادة طفلها حتى بعملية قيصرية..
ـــــ أيها الخيرين في البلاد من كل صوب واتجاه لماذا السكوت على هذه المهزلة؟ ــــ لم هذا الخوف؟ ــــ لماذا تُخدعون بالأوهام؟ ــــ أليست هي الحقيقة فما أعلنه الحزب الشيوعي العراقي؟ ” إن ما يحصل هذه الأيام، وبضمنه إطلاق التهديدات والسعي الحثيث الى تحكم البندقية بالقرار السياسي، انما يعزز أجواء الشك والريبة بقدرة هذه المنظومة واقطابها الفاعلين، المتمسكين بنهجها والرافضين لأي مسعى جدي لإصلاح ما جرى تخريبه وما دفع بلدنا سنوات إلى الوراء”
ونضيف الساكتين على التدخلات في الشأن العراقي الداخلي والسماح أن يكون العراق سوقاً لتصريف بضائعهم وها هو الإيراني علي رضا مقدسي يصرح باسم مصلحة الجمارك الإيرانية” أكد مقدسي أن العراق تصدر القائمة عن باقي الدول بـ 7.295 مليارات دولار” ولا نريد التوغل أكثر بالأرقام فتركيا التي تتواجد قواعدها في البلاد فقد ” بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا 20.6 مليار دولار في 2020″ والحبل على الجرار فكلا البلدين يتدخلان بشكل سافر في الشؤون الداخلية العراقية ، هذا هو الحال والكتل المهيمنة غير مبالية ولا تعي” إن أوضاع بلدنا تتطلب احترام التوقيتات الدستورية والإسراع في تشكيل حكومة اغلبية سياسية، تتبنى برنامجا ملموسا ذا سقوف زمنية أدت قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة، واستمرار التنافس على المقاعد والمصالح، ومقاطعة جلسة البرلمان يوم الاثنين (٧-٢-٢٠٢٢)، بحجة عدم حصول التوافقات المطلوبة” هذا الرأي في التنافس غير المبدئي هو السائد في الظرف الراهن متي تتصاعد المسؤولية الوطنية؟ ..
—-
* قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ” قتل قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد وكان معه العراقي مهدي المهندس
** منولوج للمغني العراقي عزيز علي