هرم الخراب بالمقلوب
محمد ناجي
(إذا شفت الكراب اعوج كَول : الصوج من ثور الجبير) ! … مثل عراقي
نجح المستبدون والطغاة ووعاظهم ، عبر الزمن ، في التخلي عن مسؤولية الفشل ورميها على عاتق المواطن ، من خلال قلب البنية التراتبية الهرمية للدولة والمجتمع ، وآلية وسيرورة القرار والقيم والمعايير الأخلاقية رأساً على عقب ! لذا أصبح من المألوف أن تتقدم النتيجة على السبب ، وأن نسمع ونقرأ لحكام وساسة ومثقفين وغيرهم ، من يدين المواطن (الجاهل والمتخلف) ! ويحملّه وحده عبء كل فشل يصيب البلاد ، أو بنسبة أكبر ، لا تتناسب ودور ومسؤولية من تسبب بالفشل من مكونات الهرم الأخرى ، وهم 1- الحاكم/صاحب القرار 2- رجل الدين ، والمثقف ، بل حتى يتسامح معهم ويبرر لهم جرائمهم في اضطهاد الإنسان وتسويق ثقافة القطيع !
المواطن في مجتمعاتنا الاستبدادية مغلوب على أمره ، ويستقر في قاعدة الهرم ، وليس في قمته ، والسياسات والأوامر والقرارات والقيم وشعارات الحروب ، وحتى تنظيم مناسبات الشعر والغناء ، والتهريج والردح (علي وياك علي …) ، والقوائـم الانتخابية ، تنزل عليه من أعلى الهرم ، الذي يتربّع على قمته 1- الخليفة/السلطان/الحاكم/رئيس الجمهورية أو التنظيم أو الوحدة الإدارية ، أي (صاحب القرار) كبُر أو صغُر . 2- وعّاظ السلاطين (رجل الدين والمثقف) . وبالتالي فهو متلقّي ، مستهلك سلبي وليس منتج ، وليس مطلوب منه أو مسموح له – بصورة أو بأخرى- بأكثر من هذا . وحتى حين يترك له هامش محدود من حرية الاختيار ، يظل خياره مقيّد بما يلقيه عليه أصحاب القرار ، وكمثال واضح فأصحاب القرار وليس المواطن من ينظّم قوائم المرشحين في الانتخابات ، ومن البديهي أن الفاسد يرشح الفاسد وفق مقولة : (الطيور على أشكالها تقع) ، إلاّ أنهم ومن يقع في حبائلهم يوجهون اللوم للمواطن ويحمّلوه مسؤولية انتخاب الفاسدين !
وأكرر التأكيد بأن المواطن ، وهو قاعدة الهرم ، لمن ينظر للهرم بصواب ! تحول في الواقع إلى ملكية خاصة لمن يجلس في قمة الهرم ، وحقل تجارب مستباح لهم ، وكيس ملاكمة أو شاخص للتدريب على الطعن بالحراب في ساحة العرضات العسكرية ، يتلقى لكماتهم وطعناتهم ! وبالتالي ضحية لسياساتهم الهوجاء . وهو كان ولا يزال الهدف ، الذي سلطوا عليه مؤسساتهم القمعية الفظة (قبضتهم الحديدية) ، ورديفها مؤسسات الدعاية والإعلام والخداع والتضليل ، وغسيل المخ ومسخ الإنسان (القبضة الحريرية الناعمة) ، ونجحوا في تطويعه وتدجينه وتضليله وسلب إرادته ، ومسخه بامتياز ملحوظ ، والنتيجة الطبيعية أنه فقد الإحساس بالظلم والاضطهاد ، وأصبح يرقص على إيقاعات جلاديه ومضطهديه ، ويحسبهم رموز ويضعهم (تاج على الرأس) ، ويهتف لهم (بالروح بالدم نفديك ياهو الجان) ! والويل لمن يخرج عن هذا السياق ، حينها يُتهم بأنه سعى بنفسه إلى حتفه ، وحفر قبره بيده ، بعد أن خرج على ولي أمره وإمام زمانه !
إن الانتباه لهذا الخلل في النظر بالمقلوب للدور والمسؤولية في هذا الوضع والنظام الشاذ والمتخلف ، وتصحيحه بالتوجه بالنقد والإشارة بإصبع الاتهام نحو المسؤول الأول والمسبب للخراب ، وهو النظام الهرمي ، وقمته (1+2) ، يمثل الخطوة الأولى في حركة التغيير والسير لبناء دولة مدنية (دستور- مؤسسات – قانون يضمن الحرية والعدالة والمساواة للمواطنين) ، وما عدا ذلك فسيستمر الحال على ما هو عليه ، بل ويزداد سوءا ، فالمراوحة في المكان ، في عالم يتحرك إلى الأمام ويتطور في كل لحظة ، لا يعني في الحقيقة سوى .. إلى الوراء در !