تخريب بسمايا
محمد عبد الجبار الشبوط
نُشر قبل ايام مقطع فيديو يصور عددا من الصبية وهم يرمون الحجارة على شبابيك احدى المدارس النموذجية في مجمع بسمايا السكني، وكل مدارسه نموذجية من حيث البناء والتأثيث والسعة المكانية.
وقد المني المنظر كثيرا، حيث يجسد عملا تخريبيا بيد ابناء المجمع واطفاله. فليس هؤلاء الصبية جنودا تابعين للاحتلال الاميركي ولا الاسلام السياسي ولا داعش ولا الاحزاب الفاسدة ولا المحاصصة المقيتة ولا غيرهم من الذين نكيل لهم السباب والشتائم كل يوم ونحملهم كل المصائب التي حلت بالبلاد.
انما هم ابناء عوائل متوسطة الدخل وجدت في بسمايا فرصة للسكن الامن الذي يوفر عليهم المشاكل والمعاناة التي يتعرض لها سكان المناطق الاخرى.
وقد كنت منذ البداية متفائلا بمشروع بسمايا واعتبره مرشحا ان يكون نقطة شروع جاهزة لبناء الدولة الحضارية الحديثة. والدولة الحضارية الحديثة تتألف من حجارة hardware وناس software. وتوفرت الحجارة بمقاييس الدولة الحضارية الحديثة، وكنا نأمل ان يتوفر الناس بنفس المقاييس.
فالمدينة بمبانيها النموذجية. وطرقها المعبدة، ومساحاتها الخضراء، وتوفر الكهرباء والماء الصالح للشرب، ومدارسها الجميلة، يمكن ان توفر بيئة صالحة لزراعة فكرة الدولة الحضارية الحديثة. وتتجسد هذه الفكرة بسلوك ابنائها، وعلاقاتهم فيما بينهم، وعلاقاتهم بالبيئة، وحرصهم على نظافتها وسلامتها.
وقد اتيح لي اسكن في مجمعات مشابهة في دول اخرى، ولم اجد ان بسمايا اقل رونقة وروعة مما وجدته في تلك الدول.
ولم يقصر الكثير من سكان المدينة في هذا فظهرت الكثير من المبادرات الحضارية الطوعية التي تستهدف المحافظة على المستوى الراقي للمدينة على المستويين: الحجارة والناس.
الامر الذي عزز من املي في امكانية ان تكون بسمايا فعلا نقطة شروع لتحقيق ما احلم به في العراق.
وكنت اعوّل كثيرا على دور مدارس بسمايا في تحقيق ذلك. فهي تشكل بيئة صالحة لزرع بذور الدولة الحضارية الحديثة ورعايتها من خلال تنشئة جيل جديد متحضر يفهم الكثير من خصائص المواطن في الدولة الحضارية الحديثة ومنها الحرص على حفظ الممتلكات العامة. فما بالك بالمباني المدرسية ذاتها.
لا استبعد ان يكون هذا التصرف العدواني من الصبية الثلاثة تصرفا فرديا منعزلا ولا يعبر عن ظاهرة عامة في مجتمع بسمايا. لا استبعد ان يكون هؤلاء الصبيان شذوذا عن الحالة العامة. ولكنه شذوذ ينذر بالخطر والتفاقم اذا لم تتم معالجته والقضاء عليه باسرع وقت.
يتحمل مسؤولية القضاء على هذا الشذوذ ثلاثة اطراف هم: البيت والمدرسة والسلطات المسؤولة في المجمع.
على مستوى البيت يتعين على الاباء والامهات تربية اولادهم على اسس اخلاقية حضارية تردعهم ذاتيا عن مثل هذه التصرفات. على الامهات والاباء الذين يحرصون على اطعام واكساء ابنائهم ان يكونوا بنفس الدرجة من الحرص على تربية ابنائهم على الاخلاق الحميدة والقيم الحضارية بما في ذلك حماية البيئة وصيانة الممتلكات العامة والخاصة وعدم الاساء اليها.
الطعام يستهلك والملابس تبلى، لكن الاخلاق والقيم تبقى وتنمو وتزدهر وتخلق مجتمعا صالحا وبيئة صديقة محبة للانسان. وهذا ما على الاباء والامهات ان يتعرفوا عليه ويعرفوا ابناءهم عليه ايضا.
وتتحمل المدرسة العبء الاكبر في تنشئة الاطفال والصبيان. وكنت ومازلت اقول ان الدولة الحضارية الحديثة تولد في رياض الاطفال والمدارس الابتدائية. واتوقع ان يعي المعلمون والمعلمات ذلك، ويستثمروا وجود الاطفال في المدرسة لزرع بذور القيم الحضارية العليا في انفسهم وعقولهم. ما يمنع المعلم او المعلمة من تخصيص الدقائق الخمس الاولى من كل درس للحديث السريع والمركز عن احدى قواعد السلوك الحضاري في بسمايا؟
اخيرا، تتحمل السلطات المسؤولة في المدينة مسؤولية ضبط الاوضاع ومكافحة التصرفات والممارسات التخريبية المنافية للقيم الحضارية العليا.