إن نجاح الدول المتقدمة في معظم ميادين الحياة سببه أنها تعمل على جميع المسارات الهامة على التوازي ، بينما وبرغم كل ما أصاب بلداننا العربية الحبيبة : سورية والعراق وليبيا واليمن .. الخ مازال هناك رجال أعمال يظنون أن الربح هو غاية التاجر أو الصناعي أو المستثمر العُليا ولم يدركوا بعد برغم فيض الشواهد حولنا في هذه البلدان العربية التي عانت الحرب وأضحت منشآتها منكوبة ومعاملها منهوبة ، أن تلك الأنماط من الشباب الذين يعملون ويكدحون دون أن يعوا ما هو الاقتصاد الوطني وما هو الانتماء ، وذلك ربما لأنهم يشعر بعدم الانصاف في أجورهم من جهة ولأنهم سقطوا ضحية الإعلام التضليلي من جهة أخرى ، ليست هذه الأنماط من الشباب سوى قنبلة موقوته ، وقد رأينا ماذا أحدثت ، ولولا وجود الشباب المُنتمي الواعي في مقابل هؤلاء لكنا الآن خائضين فيما لا تُحمد عقباه . ومع ذلك نرى جميع التجار يبنون الأسوار العاليات و يُسيجون المنشآت ويضاعفون كل حين عدد كاميرات المراقبة ، والسؤال ما نفع ذلك كله إن لم نعمل على تحصين الإنسان في وعيه ؟! ماذا نفعتنا الأسوار ؟ والكاميرات و كثيرٌ من المسائل الأخرى ؟ إن مدناً صناعية بأكملها دمرت وسُلبت ، وصناعات كثيرة اضمحلت ، لأننا كرجال أعمال أهملنا الشبان ولم نُفعّل دور المثقفين ولم ندعم القطاعات التعليمية والثقافية والتربوية و لا حتى الفنون التي تهذب النفس وتصفو بها فتتسامى . هانحن نعيد الكرّة مع الأسف التبرعات تذهب بكل اتجاه إلا باتجاه الثقافة وترميم الوعي وبناء إنسان عصي على التحول إلى بيدق بيد من يريد ضرب سورية اقتصادياً وبالتالي اجتماعياً وبالتالي على كل الصُعد للانقاص من دورها في المنطقة . إن قانون قيصر يريد أن يُدمر سورية من الداخل عبر منعكسات افتقار الأسواق وافقار الناس ، وأبرز تلك المنعكسات نشر التلوث والفساد في نفوس البعض ونشر الضيق والغضب في نفوس الآخرين ، و بالتالي ثقافة التباغض وتحويل المجتمع إلى مجرد تجمّع بشري تقوم العلاقات فيه على أساس المنفعة والمصلحة الآنية . لا يجب أن نستعيد الآلات والمنشآت ونُعلي الأسوار ، بينما ” كعب أخيل ” قد اختبرناه وما زال مكشوفاً للآخرين .
لاحظنا مؤخراً ظواهر ومؤشرات ربما تُنبي بتراجع الذائقة العامة في بلداننا العربية أو ربما لنكون أكثر دقة ، شهدنا تعويم مُحدثي النعمة لذائقتهم ، فانتشر الفن الهابط وأثارت فكرة إقامة حفلات لنجوم الملاهي الليلة ومن شابههم موجات انتقادات وفي بعض الأحيان موجات أخذ ورد عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
إن تراجع الذائقة العامة في أي مُجتمع مؤشرٌ خطير ، يقول الفيلسوف هربرت ريد : ” عدم التذوق والوعي بالقيم الفنية التراثية والحضارية وارتباطه بآمال المجتمع الإيجابية ، يُؤدي أمية ثقافة ” وبالتالي يتراجع السمو بالفرد والمجتمع من جهة الوعي عموماً ومن جهة الوعي بثقافة الانتماء والهوية من جهة أخرى .
الظروف الصعبة تحتم علينا إعطاء متنفس للشباب وإحدى أهم سبل هذا الأمر هو دعم الحراك الثقافي والفني والإبداعي عموماً لتفريغ ضغط المشاعر عبر الجمال الإبداعي القيمي الهادف (الأدب ، الفن .. إلخ ) كبديل عن التباغض والتخريب والإرهاب وذهنية قلب الطاولة دون أن يعرفوا خطورة مايقومون به ومن يُمرر مصالحه عبرهم ضدنا جميعاً . رأس المال الوطني ، إن دار دوراته دون أن يأخذ في الحُسبان الاستثمار في الإنسان ، فرأس المال الخاص بالعملاء والأعداء سيطحننا مجدداً مستخدماً عدداً من شباننا ، ما قيمة رأس المال إن الإنسان مال ؟!
المال لا قيمة له خارج نطاق التداول ، وبالتالي دوره وظيفي وليس معياراً لقيمة ، فإن أنزلناه منزلة الوسيلة وليس الغاية ولو بنسبة ما ، على أقل تقدير ، رفعنا من مناعتنا تجاه محاولات اختراق الآخر لنا ، ولعل خير ما يقال ختاماً ، ماجاء في تراثنا شِعراً :
العِلمُ أعلى من المال منزلة فالعلم حافظٌ أما المال محفوظُ