نقد العقل الديني لمؤلفه الفقيه أحمد الحسني البغدادي
محمد جواد فارس
القرآن جامع مشترك وفيصل لكل الطوائف
الأديان تؤدي وظيفة مزدوجة فهي تعوض الفقراء عن فقرهم بالمعنى الروحي ،بينما تعطي الشرعية اللازمة لطيف الأغنياء .
كارل ماركس
صدر الكتاب عن دار آحياء تراث الامام البغدادي – العراق – النجف يتضمن الكتاب في البداية سورة التوبة من القران الكريم ، ومدخل إلى منظومة التخلف المجتمعي ، القسم الاول الخطاب السلفي و الخطاب الحداثوي بين المقدس و المدنس ، القسم الثاني – فكر وتخلف …رؤية مغايرة ، القسم الثالث العملية السياسية إفتراع و استشمار في الأصل و الفرع ،القسم الرابع وسائل ناعمة للتاثير على العقول .
في مجال نقد العقل الديني كتب الكثير من الباحثين والاكادميين منهم على سبيل المثال الكاتب السوري صادق جلال العظم كتابه أثار ضجة في الاوساط الدينية ، بحجة ان البحث يمس المقدس وهذا يعتبرونه تجاوز للخطوط الحمر الغير مسموح بها .
و قبل فترة قصيرة كتب الاكاديمي المفكر عبد الحسين شعبان كتابه الموسوم ( دين العقل وفقه الواقع ) وهو يتضمن نقاش وسجال مع آية الله السيد الحسني البغدادي ، هذا لكتاب أصبح مرجعا للكثير من المثقفين والمتابعين لهذا الموضوع ، وكتب عنه الكثير من المقالات لأهمية الفكر التنويري لدى الطرفين في هذا السجال .و جرى مؤخرا مناقشته في منتدى الفكر العربي بحضور نخبة من المثقفين . .
وقبل البدء بعرض الكتاب أريد ان أذكر بما كتبه أبن سينا حول الدين يقول:يدعون الناس إلى الجنة وهم عاجزون عن دعوة يتيم إلى مائدة ، يدعون الناس إلى الجنة وأوطانهم مليئة بالمتسولين و ماسحي الاحذية ، حمقى البلاد و قطاع الطرق أخذوا مال الأرض و ورثوا بيت السماء ،أي رب ربكم أي دين دينكم .
يتحدث المؤلف حول منظومة التخلف المجتمعي كاتبا : أن عقل الانسان الاسلامي يرحب دائما وبإستجابة مطلقة بمن يبرر له تفكيره ،وبمن يجوز له ما لديه من أيديولوجيات فكرية وعقيدية وسسياسية و أخلاقية ، بمن يفسر له أبشع ما في جعبته أحسن و أرقى التفاسير . ان أسوء الاعداء في تقديره هو الذي يفند آراؤه و افكاره ويصر في سلوكه صياغة ممتازة ، او يحميها من لصوص العقول و فريقي العقائد وباعي الارباب . و يذهب المؤلف أبعد : أما الحمعيات و المجتمعات الاسلامية فأنها لاترى فرق بين النقد و التآمر . فعقل الانسان الاسلامي صفد ظاهرة اسلامية شاذة يعد ضالا ومضلا و جاحد بالله و الرسل و التراث و التاريخ . انتهى الاقتباس وهنا تكمن حقيقة وصحة هذا الوصف في ما نشاهده اليوم لدى من يدعون انهم يحافظون على رسالة الخالق و دعوة رسوله في تعاليم و فتاوى بعيدة كل البعد عن الاسلام المحمدي . المؤلف السيد البغدادي في كتابه هذا ، ومن خلال القرأة بين السطور ، نجد انه المتطلع خوصا بكثير من الامور الاسلامية خاصة في مجتمعنا العراقي ، وكذلك المجتمع الاسلامي على مستوى العالم ، وهذا ناتج في الحقيقة عن مطالعا ته و دراساته لتاريخ الاديان و حركة التاريخ وتطوره اليوم .
و ينقلنا الباحث ليسلط الضوء على التشويه والخزعبلات في تاريخ الطائفة الشيعية التي أوردوها في كتب بعظهم و تتحدث بها بعض منابر الحسينية ، ومنها ” عرس القاسم ، وفاطمة الصغرى ، و حكاية الفتاة اليهودية ، وحكاية ظهور ليلى في كربلآء ، وحكاية الطفل ، وقصة زيارة الاسرى “، وغيرها من الحكايات المشكوك فيها و روائها و التي لم يكن لها وجود و أنما هي من صنع وتسطير مزوري التاريخ . أترك للقارئ الاطلاع بالتفاصيل الموجودة في متن الكتاب و التي سردها المؤلف كأمثلة ، و عن حكاية عاشوراء المعركة و مارافقها من تضخيم وعدم وجود مصداقية في الحدث ، و الجدير بالذكر ان المؤلف يريد ان تكون هناك مصداقية في النقل للخبر ، و السيد البغدادي يميل الى العودة الى القران الكريم في آياته التي نزلت على الرسول ،و من هنا نجد ان القران هو الجامع المشترك والفيصل لكل الطوائف الاسلامية في العالم .
وفي الجزء الاخير من كتابه يربط المؤلف ما جرى في السابق و مايجري في وقتنا الحاضر ، جرى تراجع في هيبة الدولة داخليا و خارجيا ، عدم احترام القانون و القضاء ، وجود نخبة فاسدة تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية في ظل الفقر و التخلف و غياب العدالة ، ونشر الفساد الاداري والمالي وأنيهار البيئة التعلمية في المدرسة والجامعة ، وأنهيار المؤسسة الصحية و عدم الاهتمام بصحة المواطن ، وتدمير الاسرة والمجتمع من خلال انتشار المخدرات ، والاعتماد على الخارج . المؤلف لم ينسى ما يجري حول العراق من تامر صهيوني أمبريالي رجعي على العراق وعلى الامة العربية ، فقد ركز على القضية العربية وعلى صفقة العصر و أطلق عليها ” سايكس -بيكو “جديدة تستهدف القضية الفلسطينية و هذا المخطط يشمل بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني تمهيدا للاعتراف بدولة الكيان الصهيوني وزجها في علاقات مع دول الشرق الاوسط بما يسمى ” بالشرق الاوسط الكبير ” و أن يقبل العراق توطين اللاجئين الفلسطينين و كي ينسوا قضيتهم في العودة الى بلدهم فلسطين العربية .
وفي موضوعة فكر وتخلف رؤية مثابرة كتب يقول (أن رؤية التخلف في أي نوع من هذه الانواع جدير أن يساوي ،بل وبعض تخلف الانواع الاخرى ، فالتخلف في الاطروحات السياسية أو القيادية لابد أن يساوي ، وبعض التخلف في العلوم الانسانية و التكنولوجيا ، كما ان التخلف في هذا لابد أن يعني ويساوي التخلف في ذاك ، أي الجماعات والمجتمعات المصابة بمرض هذا الذاتي التكويني الوراثي ، وما قالوا عن تقدم وتفوق آباء هذه الجمعات و المخيمات بتلك المدح و الثناء ة الثناء المبالغ فيه ، والمؤسف والمضحك لم يوجد ولن يوجد اطلاقا إلا مزاعم كاذبة وهمية قد تكون من الجواهز عليها و إرادة التعويض و التنظير عما هو حاصل ) انتهى الاقتباس . ويريد القول ان المتخلفين متفوقين بامتياز في الكذب و الادعاء و المزاعم المفبركة ، وهم الذين يشعرون بالدونية يريدون التعويض عنها بتلك المزاعم . و يشير الكاتب حول قضية مهمة الا وهي قضية التبرعات و النذر التي تأتي الى العتبات المقدسة في العراق من العراقيين ومن السياحة الدينية لهذه المراقد يكتب : أن ادارة و قضايا العتبات تدخل مع كثير من القضايا التي تتعلق بالدولة كا السياحة الدينية الخارجية ، ومنظومة النقل و الطرقات و المطارات و حركة الاقتصاد في المدن المقدسة و غيرها ، فكيق يجوز أن نربط و تعين الامناء و الإشراف على الاموال بيد مرجعية دينية مستقلة عن الدولة ؟ وقد يقال أننا في الفقه نقول ان الامام العادل هو الولي على الاموال العامة و الصدقات فلا ظير في اشراف المرجعية العليا على شؤون العتبات .نقول أن هذا يتعلق بحدود الولاية الحسبية الخاصة التي لا تسمح بالتدخل في الشأن العام الا في الحالات التي لابد فيها من دفع الاضرار المحتملة ، و ادارة العتبات يمكن ان تنهض بها دائرة الاوقاف التي هي من الهيئات المستقلة التي ترتبط بالدولة . و بما يتناسق مع تنظيم السياحة و النقل و الاقتصاد ، فلماذا توكل الى المرجعية ؟ . انتهى الاقتباس و هذا تسأل مشروع يقدم عليه المؤلف عن اهمية اشراف دائرة الاوقاف التي تعود للدولة بدلا من المرجعية ، كما كانت سابقا ايام أنظمة الحكم المتعاقبة .
المؤلف آية الله العظمى السيد أجمد الحسني البغدادي كان شجاعا وجريئا و لايزال كما نعرفه في طروحاته في هذا الكتاب وسعى لإزاحة القداسة عن الكثير من المدعين من منطلق فقهي مستند على التعاليم المتبعة ،و يفضح الذين كذبوا على الشعب مسطرين أمجاد كاذبة لا تمت لهم بصلة ، وانما كانو يبتغون السيطرة على عقول البسطاء من الناس الذين يتخذون من منابرهم قدوة حسنة و هي ليست كذلك .
كتاب العقل الديني ..أديان الأأرض … ودين السماء
للسيد اية الله العظمى أحمد الحسني البغدادي
كتاب ضم الكثير من المعلومات القيمة و الغزيرة ، جدير بالقرأة للمهتمين من الاكاديميين و المثقفين العراقيين والعرب لما تضمنه من معلومات كثيرة وغزيرة لم اغطيها كاملة ، تركتها للقارئ الكريم للاطلاع عليها ، وسوف يجد الكثير من اتسؤلات التي تدور في خلدة على أجوبة لها من وجه نظر أحمد الحسني البغدادي القيمة .
طبيب وكاتب