فلسفةُ السُّخريةِ وقَهرِ الواقِع
محمد الكلابي
لا الحُزنُ ولا الغضَبُ ولا الاهتمامُ ، لا الكفاحُ ولا الاجتهادُ ولا الجِدّية، جميعُهاغيرُ قادرةٍ على مساعدتِنا لقهرِ هذا الواقع ، واقعُ الإنسانِ المُستلَب تماماً ، المُغترِبُ عن نفسهِ، المُفكّك، ذو البعدُ الواحد. الإنسانُ الذي قهرتهُ الرأسمالية ودولتُها الطبقيّة، قهرتهُ السّلطة بكل مستوياتها ، الإنسانٌ الذي قهرهُ الإنسان! وحدَها السُّخريةُ سِلاحُنا الأخير ،السُّخريةُ إلى ألقِها، هكذا إلى ألقِها ، السّخرية في نقدِها الهدّام . هذا زمنُ الهَدم ، فلا تُلقُوا بمعاوِلِكم السّاخرة أرضاً أيُّها البشر !لا شئ يستحقُّ هذه الجدّية المُفرِطة لا أمرَ يستحقّ أن نحرِقَ من أجلهِ أعصابنا الرّثّة ، الضّحكة الأخيرة ، ضِحكةٌ عَذبة ، لذلك هي
ولا تتمنّى يا رفيقي حياةَ أحدٍ ، بل اسخر منها قدرَ المُستطاع كما تسخرُ مما تجري حياتَك عليها ، فلستَ تعلم من حياتِهم إلا قشورَها ،ولم ترَ من القصّة إلا سطرَها الأوّل ، لعلّ النعمةَ فتنة، والشّهرةَ قلَق، والمالَ غِواية، والهيبةَ قِشرة، والرّاحة خوف. وهدوءُ الشاطئ لا يدلّ على نومِ ما فيه. لن تحتملَ وجهًا غير وجهك ، ولا جسَداً غير جسدِك ، ولا لحظةً ليست لك .
على الإنسانِ أن يدرّب نفسَه وقلبهُ على الفَقد، ومن ثمّ اللامبالاة وقهرِ ما هو لاحقٌ له ، لأنّ كلّ ما نملكهُ اليوم سنخسَرهُ غدًا، أفراحُنا الصّغيرة، بهجتُنا بمن نُحبّ ، هبَلُنا وكلُّ عواطفنا المُشرقة ، كلُّ جميلٍ الآن هو مشروعُ خسارةٍ لاحقًا . صحيحٌ أنّ التفكيرَ في احتمالِ الخسارة يفسدُ بهجتَنا بالحاضر ، لكنّه يُكسبُنا مناعةً نفسية أمامَ الهزّاتِ الكُبرى .