عن التنوير مرة اخرى / مواقف واراء
محسن العلي
نعود مرة اخرى الى تلك المواقف والاراء فيما يخص التنوير لمن يهتم بهذا الموضوع…
ينقل الصفدي في كتابه الممتع الوافي بالوفيات هذه الحادثة الشهيرة حيث قال عمر الورّاق: رأيتُ كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام. فقلت له: ويحك! أما تستحي من الناس؟ فقال: أرأيت لو كنا في مكان فيه بقر، أكنت تحتشم أن تأكل والبقر يراك؟ فقلت: لا. فقال: فاصبر حتى أريكَ أن هؤلاء الناس بقر. ثم قام فوعظ وقصّ ودعا حتى كثر الزحام عليه، فقال لهم: رُوي لنا من غير وجه أنه من بَلَغَ لسانُه أرنبةَ أنفه لم يدخل النار! فما بقى أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ليرى هل يبلغها أولاً. فلما تفرقوا قال لي العتابي: ألم أخبرك أنهم بقر؟ .
في رأي صريح جدا وطريف في نفس الوقت ويكشف عن رداءة التفكير الشرقي يقول سيد القمني : نحن نرى الغرب بعيوننا التي لا ترى في حضارتهم سوى الأفخاذ العارية؛ لأننا بين الأفخاذ نركز عيوننا، فيكون العيب في عيوننا وليس في الأفخاذ…
وفي سخرية لها مغزى كبير يتسائل ماركوس شيشرون :هل يضحك الكاهن عندما يرى كاهنًا آخر؟
وينقل ماركوس أوريليوس في كتابه التأملات:
أن سقراط اعتاد أن يسأل: ماذا تريدون؟ نفوس الكائنات العاقلة أم غير العاقلة؟
-العاقلة
– أي صنفٍ من الكائنات العاقلة؟ الصالحة أم غير الصالحة؟
– الصالحة.
– لماذا إذن لا تَسعَون إليها؟
– لأنها لدينا.
– لماذا إذن تَقتَتلون وتَصطرِعون؟
ويقول نيقولا بيرديائيف الفيلسوف الديني الروسي ذو النزعة الوجودية التجديدية والذي أسهم في حركة إصلاح وتجديد الكنيسة الروسية أنه ينبغي أن تلغى كل أشكال القداسة التي اضفاها الإنسان على أي شيء منذ بداية فجر التاريخ، وأن تبقى الحرية وحدها هي التي تمتلك صفة مقدسة.
وفي رأي يتعلق بطريقة التعليم التقليدية التي تؤدي الى نشوء جيل متلقي فقط بدون أي نزعة نقديى يقول برتراند رسل ان الأطفال يتعلمون في المدرسة تصديق ما يلقى إليهم، ويعاقبون إن صرحوا بعدم تصديقه. وبهذه الطريقة يتكون فعل منعكس شرطي، يؤدي إلى تصديق أي شيء يقوله الكبار المهمون في يقين.
وبنوع من الصراحة الباذخة يعرف سعيد ناشيد النفاق بأنه: تبرير بأن كوارثنا ومصائبنا لبعدنا عن الله، رغم أننا أكثر شعوب الأرض إيمانا بوجود الله وعبادة له، وأن ترجع فشلنا إلى أن نساءنا كاسيات عاريات رغم أنهن أكثر نساء البشر تغطية لأجسادهن.
وفي عام 1570م أصدر ملك فرنسا تشارل التاسع أمراً بقتل كل معتنقي المذهب المسيحي البروتستانتي في فرنسا، ليبدء بعدها الناس بذبحهم في شوارع باريس حيث قتلوا في يوم واحد 3 الاف شخص في حي واحد من أحياء باريس الصغيرة بأبشع طريقة يمكن للإنسان ان يموت بها لدرجة أنهم كانوا يحضرون النساء الحوامل ويشقون بطونهم ويستخرجون الأجنة ويضربون رؤسهم بعرض الحائط حتى تنفجر لتنتقل بعدها عدوى القتل لباقي المدن و القرى الفرنسية. حيث كانوا يقومون بقتل ما معدله من 6 الى 8 ألاف كل يوم لينتهي الأمر بحصيلة نهائية تم تقديرها بأكثر من 4 مليون ( شهيد ) من الجانبين في 20 سنة. والبابا في ذلك الوقت غريغوري الثالث عشر بارك أفعالهم تلك وأمر بأيقاد النيران في أعلى الكنائس وقرع الأجراس أحتفالاً بأفعال تشارلز التاسع و أمر بعدها بأسبوع واحد ان يتم صك عملة نقدية عليها صورته ومرسوم عليها سياف يقطع رأساً ومكتوب تحتها قُتل الخوارج تقديراً لإنجازاته للمذهب الكاثوليكي. أمر الرسام الأيطالي الشهير فازاي ان يخلد الحدث السعيد بلوحة على جدران كنيسة الفاتيكان واللوحة لا تزال موجودة حتى يومنا هذا وتحمل أسم ” مذبحة سانت بارتيليمي” كل ذلك حدث و مازال يحدث لليوم بأسماء طوائف مختلفة، الكل يعتقد أن الله يقف بصفه.
وكعادته وكنوع من التفكير المنطقي يقول ايمانويل كانت أن الإنسان الذي يفعل الخير لأنه يطمع في الفردوس أو يخاف من الجحيم لم يعد فعله فعلا خلقيا، وإنما فعل منفعة لأنه يخضع للطمع والخوف”.
لكن….
هل يمكنكم أن تتخيلوا أن هناك بشر مثلنا يعبدون محرك البحث الشهير “جوجل”؟
إن الجوجليزم( Googlism) أو معبد جوجل Google كما قرأت في احد المواقع الالكترونية هي ديانة جديدة تقوم على عبادة محرك البحث الشهير “جوجل” ليس هذا فحسب بل يدعون البشر لعبادة جوجل وذلك على اعتبار أن الأدلة التي تثبت الوهية جوجل أكثر بكثير من الأدلة التي تثبت وجود الآلهة التقليدية.
ويقدم الجوجليزميون تسعة دلائل على ألوهية جوجل أهمها ما يلي:
1- إن جوجل عالم بكل شيء في الوجود و يمكن التحقق من ذلك علميا حيث أنه يتضمن في فهرسه أكثر من(5‚9)مليار صفحة ويب ، و يعتبر ذلك العدد أكثر مما يتواجد في أي محرك بحث آخر على شبكة الإنترنت.
2- جوجل يتواجد في كل مكان في نفس الوقت ويمكن الوصول اليه من أي مكان على الأرض.
3- جوجل يستجيب الدعاء بمعنى اطلب من جوجل ما تريد وسوف يبين و ينور لك الطريق فعن طريق عمل بحث عن أي سؤال أو مشكلة تعاني منها سيدلك على الطريق.
4- لا يمكن اعتباره مخلوق مادي كالإنسان أي أنه ليس كائنا ماديا مثلنا حيث تنتشر أنظمته فى كل مكان وإذا تعطل فى مكان ما يتم دعمه فوريا .
5- جوجل خالد و يدوم الى الأبد حيث يمكن للأنترنت أن ينمو بلا نهاية و سوف يبقى جوجل مؤشرا لهذا النمو الى الأبد
6- جوجل يتذكر كل شئ، فهو يحتفظ بنسخة لأى صفحة على الانترنت ويقوم بتخزينها، وبتحميلك لأفكارك وآرائك على الانترنت يمكنك ان تظل حيا إلى الأبد مع جوجل !
7- يتم البحث عن مصطلح “جوجل” أكثر من المصطلحات التالية مجتمعة : ” الاله ” ، ، ” الله ” ، ” بوذ ا” ، ” ” ، ” السيخية ” البوذية ” و ” اليهودية ” . يعتقد بأن الله هو كيان يمكن للبشر اللجوء اليه في وقت الحاجة من الواضح أن جوجل يحقق ذلك الشرط على نطاق أوسع من ” الالهة ” التقليديين.
8- جوجل رمز الرحمة وهذا جزء من فلسفة جوجل هو الحصول على المنفعة دون أن تضر أحداً ولذلك لا يمكن لجوجل أن يفعل أو يتسبب في أي عمل شرير.
9- إذا كانت الرؤيه والمشاهدة سبب التصديق والإيمان فيمكنك ان تدخل الآن على جوجل وترى ما يملكه من قدرات هائلة.
والمضحك أنه هناك صلوات وأدعية تسمى( Google Prayers)يقدسونه فيها…!!!
واحمد عبد العظيم يصرح بواقعية مفرطة بأن العالم كله الآن يحاول تقبل الآخر بغض النظر عن أفكاره، ونحن نقتل الآخر لنريحه من أفكاره!
فإذا كنت تعتقد -كما يرى أبن رشد – أن كل ما تؤمن به فوق مستوى النقد، فأعلم أن إيمانك دون مستوى الفكر، فالفكر قائم على قداسة المنطق و ليس منطق القداسة.
فأن كل من يتاجِر بالدين -بحسب فتحي المسكيني- هو أخطر من أي تاجر مخدرات في العالم، إنه يسرق من الفقراء ثروتهم الوجدانية ويحولهم إلى متسولّي دولة.
ولعل- يقول نعوم تشومسكي في كتابه غريزة الحرية- أهم أدوار المثقف، منذ عصر التنوير، يكمن في كشف حقيقة الأيدلوجيات، وإماطة اللثام عن الظلم والقمع الموجود في كل المجتمعات التي نعرفها، والبحث عن سبل لإقامة صيغة جديدة أكثر سموا للحياة الاجتماعية لحياة حرة وخلاقة .