صراع مع النفس
كفاح الزهاوي
كانت عيناها، ممتلئة بالدموع، وتصرخ كالطفل الرضيع، توقًا لثدي أمه، ونظراتها القلقة، لم تفارق تلك اللوحة، المعلقة على الجدران الممزقة من هول الرطوبة، التي كادت أن تنخر أحشاء البيت…
كانت الأمطار الغزيرة، تهطل كأفواه النوافير، وتتسرب عبر ثقوب النافذة العتيقة، لتحول إطار النافذة، إلى ساقية ماء، والسماء، ملبدة بالغيوم السوداء، والغاضبة، يخترقها البرق الأبيض بين حين وآخر، يزمجر ويقصف، فيصدر أصواتًا رعدية، قوية تثير الرهبة واليأس في النفوس البشرية. إنها تلك اللحظة الأبدية، التي تجعل الذكريات المتراكمة تغوص متشبعة بأمراض العصر في شريان الحياة….
الأمواج الهائجة البعيدة، تتصارع بشراهة متناهية وتتسابق متلاطمة، لتصل إلى الشاطئ الهادئ القريب، لتمحي أثار المحبين الذين نقشوا أحلامهم الوردية على الرمال الساخنة، لتتحول إلى ركام من الطين.
الرياح العاتية، تهب من كل مكان، تتخلل شعاب الجبال وتتحرك كالمارد المتسلط، لتزيل الأشجار الخضراء التي زرعت في أرض لم تنبت بعد.
صرخة مدوية، تهز عرش الكون، يصطدم صداها، متلاشيا في فسحة السماء، إنها صرخة الطفل المولود الذي لا يزال ينتظر فجر الصباح.
أن الظلام الدامس، قد أسدل ستاره على الكون وخيم عليه سكون مطبق وكأنه الصمت. لماذا تجمعت هذه الأفكار الغامضة في غفلة من الزمن الغابر، وفي لحظة يأس تناثرت كرذاذ المطر بسرعة البرق في اجواء الغرفة، وإذا بأخرى تستقر في خلايا الدماغ، أفكار تحمل في طياتها الشجون والبؤس.
غارق في الظلام
فوق التلة المطلة على قرية الحياة يقع قصر فاخر، كان يعيش فيه رجل في غاية الثراء. خرج إلى العالم في رحلة البحث عن معنى الحياة، حاملًا بيده لوحة زيتية غالية الثمن ويرتدي نظارة سوداء. دخل إلى دكان صغير يقع على أطراف القرية لشراء قداحة.
وفي هذه الأثناء دخلت فتاة شابة قروية غير متعلمة، يتدفق من محياها سيماء التعب وفي راحتيها تتجلى آثار الشقاء. انزلقت نظراتها على اللوحة الزيتية في يد الرجل، فاغرورقت عينا الفتاة بالدموع، حيث أضاء في نفسها مشاعر عذبة. سألتْ الرجل الغني عن ماهية اللوحة:
أجابها:
– لا تكترثين، فليس هناك ما يثير الاهتمام…
إجابة الرجل، ألقت بظلال الغضب على وجه الفتاة القروية.
قالت بصوت يكتنفه حزن عميق:
– لِمَ تسخر مني. هل لأنني فتاة فقيرة؟
قال لها متجاهلًا نظراتها المتوسلة:
– صدقيني لا شيء مهم في هذه اللوحة سوى أنها تضم في مطاويها السماء، القرية، الطريق، النهر، الجبال، الوديان، الشمس، البيوت، الأشجار، الطيور، والبشر.
انفجرت الفتاة بالبكاء وغادرت المكان بسرعة، بعد أن استولى عليها الحزن، عندما أحست أن الرجل يهوي في الفراغ وأنه غارق في الظلام.