نثريات شعرية من.. وإلى ذلك البعيد
كامل فرحان حسوني
ذات وطن
ذاتَ وطن محاصرٍ بالنار
عذراً أنا لم أمُتْ
إبحثْ عَنِي في أشيائي
ستجدُ صورةً لِي على جدارِ غرفتي
أوراقيَ المهملة
أعقاب سجائري
بقايا قصيدةٍ ممزقةٍ تحت مِنضدتي.
رَسائلي لِحبيبتي تفضحُ كلَ أسراري.
وطني المنهوبُ على ملامحِ صوري
كان وجعي بلّ كلَ وَجعي.
أنا لم أمتْ
لكنَ كفني
اشتريتُه من حرّ وجعي !
والمقبرةُ تكفّل بها المعزون
أنا لم أمتْ
أكلتني النيِرانُ
تبدو جائعةً
فهي تتغذى على أجسادِنا الهشةِ بشراهةٍ.
يبدو أنّ مذاقَنا
يُثملُ ضمائرَهم
. أوجاعُنا وسكوتُنا
يغريهم ليتمادوا
رغم أني لم أمتْ
سأفقأُ عينَ التاريخِ بحجرٍ
لأرسمَ صورتي !
اسألوا تلك الثكلى أنْ تكفكفَ دمعَها.
فأنا لم أمتْ
. وتلك الجميلةُ صاحبةُ الجرح الوسيمِ
حبيبتي ..
قولوا لها:
أنّه لم يمتْ كان يعانقُ النارَ
ليطفئَ حرائقَ الوطن
. أنا لم أمتْ، أنا الحبيبُ الذي ذهبَ يبحثُ
عن وطنٍ يتخيلُهُ!
***
لنّرْدُ
ما زالتْ عينِي ترْبُو إلى النّرْدِ
تتَلمَّسُ نَظَراتُها الزَّواياْ
تبحثُ عنْ رُكنٍ تأتِي منهُ الغَنيمةُ
وهَلْ في النّرْدِ غنيمةٌ؟
أصابعُ الفتيةِ تَقَلُِبُهُ بمهارةٍ
عينِي تَقَلِّبُهُ بتعجبٍ
كلٌّ منَّا يَنتظِرُ منهُ أنْ يثبتَ
على ما يَتَمنّاْهُ
ما زلتُ أنا أيضاً أتمنَّى
وتلكَ اليتيمةُ أيضاً تَتَمنَّى
وعيناهَا تربوانِ لفُستانِ العيدِ
هي تَحلُمُ
وأنا أحلُمُ
بوطنٍ تسُودُهُ العدالةُ
الاجتماعيةُ بينَ الأفرادِ
أترى النّرْدَ مُتكافِئَ الفرصِ؟
على اللوحِ البُنِّي
يَتَدَحْرَجُ
بكلِّ ما أُوتِي من قوةٍ في الدفعِ
ليستقِرَّ مَذهُولاً
لِفَرحِ بَعضٍ، وَبكاْءِ بعضٍ
كرَصَاصَةٍ طَائِشَةٍ
في عرسٍ
أو جِنَازَةٍ
أو نائِبٍ قذفتْ بهِ الصدفةُ
ليَصُوغَ تَشريعاً على مقاسِ يدِهِ
***
قلقا من شيء ما
لِقًا من شيء ما
كامل فرحان حسوني
العراق
قلقا
مُثقَل كاهلي بالهموم
تتعَكزُ بي ساعاتُ الَيل
طويِلّة طويلة
بَعُدَ الصباح
بَعُدَ هاجس بحَ يناديني
كآنه صوتٌ خفيٌ ثقيلٌ
يُحدثني
انتَ
ياااانتَ
مَجبولٌ على الجرج
وأنا
مجبولٌ على الجرح
مُنكسراً
في ظل هزيمة.
مخدوع
كمن وثق بظل غمامة
محتميا من رذاذ المطر.
خُيِّلَ لي
وأنا أصحُو مُبكِّراً
على غَيرِ العادةِ
أنَّ الطيورَ تقفُ
دقيقةَ حِدادٍ
لتصدعَ منارةً
وأنَّ الجسورَ
تَلفظُ المارَّةَ
أصحابَ
البشرةِ الشقراءِ
ومَن تزيَّنوا بدِهانِ العصرِ
ما بالُ أصحابِ
السِحنةِ السمراءِ
يَتزاحمونَ ليُغلِقوا الجسورَ؟
بعضُ الموتى
يَتزاورونَ في المقابِر
ليسألُوا عن أحوالِ الطقسِ
وألوانِ العَلمِ
على سُطُوحِ المبانِي
عناوينُ الكتبِ تبدُو مذعورةً
لتَختبِئَ في أقبيةِ الدواوينِ
وإنَّ المارَّةَ
يَبتسمونَ لبعضِهِم بودٍّ ورَوِيَّة.