من تاريخ السينما العراقية
سعيد أفندي
و
المنعطف
قيس الزبيدي
في مقابلة نشرت في الناقد العراقي في العام 11/11/ 2013 يقول يوسف العاني : ما كان لي ان اكتب فيلماَ سينمائياَ له علاقة بحالة التطور الحقيقة التي كان العراق يعيشها في الخمسينيات من القرن العشرين وهو فلم “سعيد أفندي. ورغم تلك المرحلة المعقدة في العهد الملكي. فقد كنا قمنا بتشكيل شبه جمعية،تجمع بين اعضائها ألفة وخطوط مشتركة في الرؤية،كما استطعنا ان نقنع اصحاب دور العرض السينمائي بعرض فيلم “سارق الدراجة ” لفيتوريو دي سيغا وغيره من افلام الواقعية الايطالية الجديدة.
في ذلك الوقت من عام 9551 حيث كانت الحركة الثقافية والفنية تنشط في مجال الفن التشكيلي والموسيقى والمسرح والشعر وصل الى بغداد كاميرا حسني حاملاً في جعبته الكثير من المشاريع الفنية والسينمائية. بدأ أولها بإصدار مجلة ألسينما في 21 أيلول سبتمبر آلتي التف حولها عدد من المحررين المثقفين الشباب من بينهم يوسف العاني وبدري حسون فريد وسامي عبدا لحميد وصالح سلمان ،الذين أخذوا ينشروا فيها مواضيع مختلفة وتراجم في الثقافة السينمائية والمسرحية. وكان الاقبال عليها شديداً وحافلاً. وكان الهدف من المجلة أن تكون نافذة تهيئ الجو والتصور المستقبلي لفيلم يمكن أن يحققه،بعد أن يتعرف ويتكاتف مع من سيكتب في مجلته ومن سينفذ الفيلم بمعيته؟!
وفي فترة أخرى من أهم مراحل الثقافة ألعراقية التي ظهر فيها جيل الستينيات المشاكس، والتي أصبحت جزءا من انفتاح ثقافي وطني وعالمي. عاد إلى بغداد جعفر علي ، بعد أن أنهى دراسته بجامعة آيوا الأمريكية 1961وهو يحمل شهادة ماجستير في السينما والتلفزيون.
ويمكن القول إن إصدار مجلة السينما الفنية الثقافية قابلها عند جعفر علي مبادرته المستمرة في تدريس علم جمال الماركسية وترجمة فصول من كتاب فهم السينما لليو دي جانيتي المهم،الذي سيقوم بترجمته كاملا ونشره في العام 1981.
وبعد أن تم اختيار قصة شجار القصيرة لأدمون صيري أتفق كاميران حسني مع يوسف العاني أن يبدأ بكتابة قصة وحوار للفيلم الذي سيقوم بكتابة السيناريو له وإخراجه. وذلك ما حصل فعلا.
أعجب العاني بشخصية بطل القصة وقام ببناء ما يمكن ان يطور منها من اجواء درامية بغدادية رحبة وشخوص مستوحاة من حياة وظروف المعلم سعيد الشخصية ألأولى والشخصية الثانية المعلم عزيز. . وما يحيط بهما من شخصيات ثانوية مختلفة.منها بالدرجة الأولى السمكري.
ومنذ اليوم الاول الذي بدا فيه التصوير في مدخل “الحيدرخانة”يقول العاني:بدأنا أنا وصالح سلمان نكتب أسبوعيا حقلا ثابتا في مجلة السينما تحت عنوان “سعيد أفندي ، وصوت بلبل اذاعة بغداد يتعالى والمذيع قاسم نعمان السعدي يعلن “هنا بغداد
تدور قصة فيلم “سعيد أفندي عن شجار يقع بين اطفال المعلم سعيد،التلميذان المتفوقان في المدرسة مع اطفال ألاسكافي الذي لم يتمكن من ادخال أولاده للمدرسة بسبب فقره.
كان سعيد أفندي اول فيلم عراقي نقل صورة واقعية عن الحالة الاجتماعية في المجتمع البغدادي الشعبي.
ويمكن القول أيضاَ إن جعفر علي كان يضع نصب عينيه أن يسير بفيلم المنعطف 1974،المأخوذ عن رواية “خمسة أصوات” للروائي غائب طعمه فزمان على خطى تجربة فيلم سعيد افندي…
’اعتمد الفيلم على شخصيات ثلاث تعمل في صحيفة “الناس” التي تصدر ببغداد. هم الشاعر البوهيمي شريف – تمثيل يوسف العاني -،الذي يقضي بعض أوقاته في بيت للمومسات.وسعيد،الذي يتخصص في كتابة المقالات السياسية والذي يكتشف ذات يوم إن زميله حميد،قد ترك زوجته،رغم إن ابنته الكبرى تعاني من مرض شديد ويحاول بطريقته المترددة ، أن ينصحه بالعودة لعائلته. وكان الثلاثة غالبا ما يقضون مساءاً، بعد انتهاء ألعمل في الخمارة.
أول ما يتشابه في الفيلمين،إن كلاهما محوّل عن نص أدبي:الأول عن قصة “شجار” لأدمون صبري والثاني عن رواية غائب طعمه فرمان “خمسة أصوات”.وإن كلاهما من انتاج القطاع الخاص:
- الأول انتجته الشركة الوطنية للأفلام الوطنية في العام 1975
- والثاني انتجته شركة سومرـ للتي تأسست العام 1955
كما إن كلاهما نفذت كتابتهما وإخراجهما من قبل مجموعة من المثقفين العراقيين التقدميين.وعلى صعيد البنية السردية للفيلمين،فان كلاهما صورت أحداثه الدرامية في أماكن واقعية شعبية:،في فيلم “سعيد أفندي كانت في بيت المعلم سعيد أوفي بيت جاره الاسكافي وفيلم ألمنعطف في بيت سعيد أو في بيت عائلة حميد أو في بيت المومسات ،الذي يزوره شريف.
ونتعرف أكثر على أفعال شخصيات الحكاية،التي تجري فيها أحداث الفيلم في المحلة والزقاق والحارات الشعبية،والخمارات والسهرات في شارع ابو نواس.
أغلب ذلك جاء بتأثير أولا
اسلوب الواقعية الايطالية الجديدة،التي تأثرت بها بشكل عميق مجموعة فيلم سعيد أفندي
وثانيا
أسلوب فيلم “سعيد أفندي”، الذي تأثرت به مجموعة فيلم “المنعطف”، لكي تحقق طموحها في تحقيق فيلم، يتجاوز في مضمونه البعد الاجتماعي إلى البعد السياسي المباشر.
ورغم خطاب العسكري أحمد حسن البكر، الذي أعلن فيه تأميم النفط في العراق وخروج مظاهرة شعبية ترفع شعارات الاحتفاء بالتأميم ، إلا إن الفيلم يبين كيف إن حالة المواطنين المزرية، بقيت على حالها.
فضلا عن تقليل الاعتماد قي الفيلمين على الممثلين المحترفين وتوظيف مواهب جديدة في التمثيل ومن ثم استخدام الاغاني القديمة في الفيلمين مثل “تاذيني” لزكية جورج واستخدام اغنية ليوسف غمر تعبر عن حالة سعيد افندي. كذلك نرى شريف الثمل وهو يستمع في الحارة لأغنية “ظلام الليل” من صوت يغنيها اثناء عودته الليلية للجريدة،ونراه يتأثر وهو يخاطب نفسه: كل شي ما راح تشوف بحياتك خراب بخراب وبعد أن يشاهد على الجدار شعار تسقط الانتخابات المزيفة،يضيف إليها،بخط يده “يسقط ألاستعمار ويقول بدوره “يسقط ألاستعمار ويبصق على الجدار ويهرب.
في مشهد اخر نرى مظاهرة شعبية يلتقي فيها سعيد وشريف،الذي يخبره إنه كان في طريقه للجريدة. يهتف المتظاهرون بسقوط الانتخابات المزورة كما يهتفون بحياة جبهة الاتحاد الوطني وتبدأ الشرطة بمهاجمة المتظاهرين.
- في ختام الفيلم تطرأ تغييرات على الشخصيات الثلاثة:
- يتزوج الشاعر شريف من المومس ويحررها من وضعها الاجتماعي.
- يعتقل الصحفي سعيد،وبعد اطلاق سراجه فإنه يقول لشريف إنه بدأ يتعلم سياسيا أكثر بعد فترة اعتقاله.
- يبادر الصحفي حميد في العودة لعالته،ليشرف على رعاية أبنته،التي تم نقلها للمستشفى من قبل صديقه سعيد.
- وكما تتوحد العلاقات في نهاية فيلم “سعيد أفندي” في التصالح والعيش المشترك في الحارة الشعبية،بين المعلم سعيد والاسكافي كذلك تتوحد العلاقات في خاتمة فيلم “المنعطف”بين الصحافيين الثلاثة.
أخيرا يمكن لمشاهد الفيلمين ان يكتشف كما لو إن فيلم “المنعطف”وكأنه الجزء الثاني من فيلم “سعيد أفندي
” فعلى صعيد المضمون،تبدو رسالة الصحافي بمثابة رسالة سياسية،بينما تبدو رسالة المعلم بمثابة رسالة اجتماعية.وبالتالي تكتمل الرسالتان،وهي حالة نادرة يتميّز بها الفيلمان،ليس لها شبيه في تاريخ السينما العراقية،ولا شك إنها تستحق الدراسة والتحليل أكثر من قبل الدارسين والمحللين ؟!
- سعيد أفندي
تاريخ العرض 1957
مدة العرض 86 دقيقة
البلد العراق
اللغة الأصلية العربية
مواقع التصوير بغداد
- تعرض الفيلم الى بعض المشاكل الرقابية قبل ان يعرض للجمهور لاول مرة في 6 / 11 / 1957 في سينما ميامي .
- عرض (سعيد افندي) في مهرجان موسكو عام 1959.
يمثل فيلم (سعيد افندي) مع فيلم (من المسؤول ؟) لـ(عبد الجبار توفيق ولي) و(الحارس) لـ(خليل شوقي) و(الظامئون) لـ(محمد شكري جميل) و(المنعطف) لـ(جعفر علي) اهم خمسة افلام في تاريخ السينما العراقية. وقد عرض (سعيد افندي) في مهرجان موسكو عام 1959. حقق الفيلم في عرضه الاول نجاحاً كبيراً واستمر يعرض بشكل متفرق لأعوام وبعد انتهاء عروضه السينمائية عرض لمرات عدة في تلفزيون العراق محققاً متابعة ونجاحاً كبيراً ايضاً.
الممثلون
جعفر السعدي
سوسن حسني
عبد الواحد طه
يوسف العاني
بدور سعيد أفندي.
المنعطف
تاريخ الصدور
1 يناير 1975
مدة العرض
81 دقيقة
المخرج
جعفر علي
الكاتب
غائب طعمه فرمان
تمثيل
سمر محمد
عبد الجبار عباس
زكية خليفة
يوسف العاني
طعمه التميمي
عبد الجبار كاظم
سميرة أسعد
سامي عبد الحميد