فؤاد عبد النور ـ حكايات كتاب ” المثلث.. الأرض والإنسان”.
بحث ميداني عن قصة إهداء النظام الأردني في معاهدة رودس 1949 ثلاثين قرية وأنصاف قرى لإسرائيل، والتي رفض النظام العراقي الاشتراك فيها وانسحب من فلسطين.
تعاهد على قتل الوصي على العرش العراقي!
من: موضوع قرية المجدل.
أدرك أبو سمير أنه لن يستطيع إفادتي كما يجب بسبب صغر سنه قبل الهجرة، فأرسل أحد أبنائه ليستدعي قريباً له أكبر منه سناً، السيد إبراهيم عوض حميدان (أبو صلاح)، من مواليد 1922، وهو متحدثٌ لبقٌ، صاحب ذاكرةٍ دقيقة التفاصيل، وأهم من هذا يحب قريته، ويحب التحدث عنها.
ذكر أنه كان يعمل في بيارات اليهود، ثم في المحاجر التي أقيمت على أرض القرية، ثم انتهى به الأمر إلى أن أصبح شريكاً في محجرٍ مع صاحب المحجر (شريك مضارب). ولما كان الصخر جيداً لقطع الحجارة، ولإنتاج الحصى، ولصناعة الكلس، سعى اليهود في الثلاثينات إلى شراء أربعين دونماً من أحد سكان القرية، وأقاموا هناك محجراً ضخماً لشركة ” سلوليم “، وأسرع سكان المجدل لتقليد هذه الشركة، وتلبية الطلب المتزايد على الحجر، وأغلب تلك الطلبات كانت للمستوطنات الجديدة اليهودية عند الساحل الفلسطيني. فازدهرت المجدل، و(فقست) الأرض محاجر ومصانع لإنتاج الكلس، ويقدر أن المجدل كانت تنتج مئة وأربعين قنطاراً من الكلس يومياً.
وتحدث عن ازدواجية تسمية القرية، فهي مجدل يابا، ولما قدم إليها الصادق الجماعيني، وهو من عائلة الريان، وكان جامع ضرائب من العهد العثماني، غلب على القرية اسم مجدل الصادق. وكانت عائلته تحتل القلعة التاريخية فيها، وتسكن بقية الحمولة حوالي القرية. وكانت هي العائلة السائدة، وإن لم تكن الأكثر عدداً.
لم تصل المجدل في تاريخها الحديث تحت الحكم العثماني والبريطاني واليهودي إلى مجدها السابق وأهميتها السابقة، حين كانت نقطة حراسة هامة على طريق القوافل ” فيا مارس ” قربها نبع راس العين الغزير المياه، وتقابلها النقطة والقلعة الأهم” أنيتا بتروس ” الواقعة عند منبع نهر العوجا، والتي سماها العرب ” أبو فطرس “. وكانت القوافل ملتزمة بالمرور فيما بين هاتين القلعتين في طريقها للشمال، إذ كانت المستنقعات والأحراج الكثيفة تغطي الساحل الفلسطيني، مما يشكل عائقاً طبيعياً أمام الجيوش والقوافل، وهي حقائق كان سكان القرية يجهلونها. فهم لا يعرفون على سبيل المثال بوجود آثار كنيسة بيزنطية في القلعة، يؤكدها شاهد الكنيسة الذي لا يزال موجوداً على إحدى البوابات الداخلية للقلعة.
أكد أبو صلاح أن عدد السكان كان 1600 نسمة. ويعتقد أنهم جاءوا أساساً من اليمن، ولا أدري على ماذا يعتمد حين يقول: ” عندما انهار سد مأرب، وتشتت العرب، قدم أجدادنا إلى المجدل!” ولكنه فيما يتعلق بتاريخ المجدل الحديث يكون أكثر تحديداً:
” كان معسكر العين من أكبر معسكرات الإنكليز في الشرق الأوسط .. كنت تجد فيه من إبرة الخيط حتى الدبابات والمدافع. لما طلع الإنكليز منه بعد انتهاء الانتداب احتله اليهود. مين بتفكر كان راصد للمعسكر؟ ما كان إلا جماعة مثقال الفايز من العربان اللي كانوا منتشرين في المنطقة، أو ما أجو إلا للنهب والسلب. في ساعة واحدة هجموا على المعسكر، اقتحموه ونهبوا كل ما لم يقدر اليهود إنهم ينقلوه. كانوا يصرخوا ويولولوا أثناء الهجوم ” لي.. لي.. لي “. تفاجأ اليهود بهذا الهجوم غير المنظم وهربوا. بتذكر أنه قدام عيني إني شفت واحد من اليهود بطلق النار من البرج على البدو، أصاب واحد. تطلع زميله إلى مصدر دخان الطلقة، وأطلق رصاصة واحدة، وراح يركض مثل كلب الصيد، لقى اليهودي فعلاً مقتول. شلحه ثيابه ورجع بالثياب والأغراض اللي لقاها معه. كان دايماً يصرخ على جماعته: لا تضربوا الكتف، أضربوا الراس.. ترى ثيابه لي!”
وكان لا بد من التساؤل: ما دامت المجدل كانت غنية وقوية، والسلاح متوفر فيها، والنجدات والفزيع ما بنقطع، وصعب إنها تُـقتحم من الغرب بسبب المحاجر، كيف لكان سقطت؟”
زفر أبو صلاح وأجاب:” كانت حراستنا قوية. المناضل كان يدافع عن بيته وعن أرضه. كان اقتحام القرية من الغرب صعب فعلاً. ارتفاع أرض المحاجر من 10 -20 متر. كان عندنا خط أسلاك ألغام ضد الدبابات. ولكن في الحقيقة كنا نعتمد على الجيش العراقي في حمايتنا. سقطت اللد والرملة. وأخذ الخط الجنوبي يتساقط قرية ورا أخرى. حاول عبد الكريم قاسم إنه ينجد المزيرعة بنفسه، وحمل إلها 2500 طلقة على بغل، وجدها سقطت. شفناه راجع يبكي. وانسحب قائد القوة العراقية لبلدنا لكفر قاسم كذلك. كان يبكي برضه، ويقول: ” هيك هي الأوامر! “بدي أقول لك ها الشّي. أنا سمعته شخصيا من الدكتور رفعت عودة (مناضل فلسطيني من قرية بديا، اضطهدته الحكومة الأردنية.) بتعرفه؟:
هززت له رأسي بالإيجاب. فاستأنف” حلف لي الدكتور أنه ضباط عراقيين اجتمعوا شي يوم في بيته في بيديا، وكان هو موجود شخصياً معهم، وكان بيناتهم عبد الكريم قاسم، وضعوا مسدساتهم على الطاولة، وأيديهم فوق المسدسات، وأقسموا على قتل الوصي عبد الإله. اتفقوا أي واحد يقوم بها المهمة لما تسنح الفرصة. فعلاً قتلوه بخطيتنا!
” لما شفنا القرى إلى الجنوب منا سقطت، والجيش العراقي بِنسحب لكفر قاسم، أخرجنا النسوان والأولاد بعيد عن القرية. تسللت القوة اليهودية من الشرق. قاومنا. الخلّة كانت مولعة كلها. بس ما قدرنا نقاوم الدبابات. انسحبنا |إلى الشرق، وهجرنا المجدل”.