كيف تم تناوله السينما العربية والعالمية مرض “الزهايمر”
علي المسعود
الزهايمر” أو “خرف الشيخوخة” مرض قديم اكتشفه طبيب ألماني عام 1906 وسمي باسمه . ويعد من أخطر الأمراض التي تهدد البشر وخاصة بعد سن الـ60 . تكمن خطورته في عدم وجود علاج فعال حتى الآن بالرغم من تطبيق الكثير من الأبحاث من قبل العلماء . الزهايمر يؤدي إلى اختلال في كيمياء المخ، وبالتالي فهو يفقد خلايا المخ وظيفتها تدريجيًا، يؤدي إلى فقدان الذاكرة والقوى العقلية بصفة تدريجية ، لتجعل المريض في حالة ضياع ونسيان لأدق تفاصيل حياته، قد تنعكس سلبا على من حوله من أفراد الأسرة . السبب الدقيق لمرض الزهايمر ليس مفهوما تماما بعد على الرغم من الأعتقاد بأن عددا من الأشياء تزيد من خطر الإصابة بهذه الحالة .عادة ما تكون العلامة الأولى لمرض الزهايمر هي مشاكل الذاكرة البسيطة ، ومع تطور الحالة تصبح مشاكل الذاكرة أكثر حدة ، ويمكن أن تتطور أعراض أخرى على سبيل المثال ، الارتباك والضياع في أماكن مألوفة ، بالأضافة الى مشاكل في الكلام واللغة ، وغالبا ما ينسى الأشخاص المصابون بمرض الزهايمر المتقدم كيفية أداء المهام الأساسية مثل ارتداء الملابس والاستحمام . وقد تحول مرض الزهايمر إلي مرض شهير بعد ان أصاب الرئيس الأمريكي الاسبق رونالد ريغان والكاتب الكولومبي الحاصل علي نوبل غابريل ماركيز وألكاتب العربي ادوارد خراط .
أفلام عربية تناولت مرض الزهايمر :
أفلام عربية معدودة تناولت شخصيات تعاني من مرض الزهايمر ولكني ساتناول هنا فيلمان وهما
الفيلم المصري ( الزهايمر ) :
فيلم للفنان عادل امام الذي صدر في عام 2010 ، وكان من تأليف نادر صلاح و من اخراج عمرو عرفة . تبدأ قصة الفيلم بطمع ابناء عادل امام في مال والدهم ورغبتهم في اخذ امواله ولا يستطيعوا فيقومون برفع قضية عليه ويوهموه بأنه مريض بهذا المرض ( الزهايمر ) لكي يستطيعوا ان يفعلوا ما يريدونه ويفوزوا بهذه القضية . وفي المشهد الذي جمع الفنان عادل إمام (يؤدي في الفيلم دور رجل أعمال يدعى محمود شعيب)، يزور صديقه سعيد صالح “عمر” في مستشفى الأمراض العقلية، والذي كان مصابا بمرض ألزهايمر، ويدور بينهما حوار يحاول من خلاله “محمود” استعادة بعض الذكريات مع صديقه المريض (عمر)، وقدم الراحل سعيد في المشهد الوحيد الذي ظهر أداءاً عبقريا في تجسيد صورة الرجل المصاب بالزهايمر وتوافق تصوير هذا المشهد مع اصابة الفنان سعيد صالح بالزهايمر في آخر ايامه وقبل وفاته في ألاول من أغسطس من عام 2014 . المشهد الذى قدمه سعيد صالح مدته دقائق معدودة وقدم مآساة الزهايمر ومايحتاجه المصابون به . هذا المشهد مكتوب بحرفية بالغة، فبدايته كوميدية ونهايته ميلودراما، الكوميديا فيه بناها المؤلف على نسيان معلومات شخصية ومعلومات عامة، فالشخصية كانت تتصور أن الرئيس جمال عبدالناصر يحكم مصر حتى الآن، والنهاية الميلودرامية بناها المؤلف على أعراض شيخوخة مريض الزهايمر المتمثلة فى إهماله لمظهره ليصبح أقرب إلى المجذوب فضلا عن تبوله بشكل لا إرادى فى ملابسه أثناء حديثه مع صديقه القديم محمود . ويتجسد المشهد في هذا الفيديو القصير :
الفيلم العراقي ( عبد الله وليلى )
فيلم درامي قصير من تأليف وإخراج عشتار الخرسان . في هذا العمل تروي المخرجة العراقية سيرة والدها ( عبد الله الخرسان ) المصاب بمرض الزهايمر –(الذي هاجر من العراق عام 1959 وتزوج من امراة انكليزية انجبت منه عشتار) ، حيث تنقل لنا هذايانه وترنح ذاكرته ما بين الماضي والحاضر وحنينه الى شارع الرشيد والسنك وسيد سلطان علي وتداخل هذه الذكريات بطريقة مؤلمة لكنه يقاوم من أجل التواصل مع إبنته، بينما يتأرجح عقله بين ماضيه وحاضره غير المألوف، مسكوناً بذكريات طفولته في بغداد ، ولم يعُد يتذكر حتى اللغة الإنجليزية التي كان يُجيدها بطلاقة. حاول عبد الله الخروج من دار المسنين قائلاً “هذا اسوأ فندق شايفه بحياتي” فتمنعه ابنته والممرضون من دخول المصعد فيسقط منهاراً ويلفظ بعد حين انفاسه الأخيرة .
عنوان الفيلم بسيط ويشير الى علاقة الاب بابنته ( عبد الله وليلى ) . ليلى فتاة عراقية تعيش في لندن مع ابيها الذي بدأ مرض الزهايمر ينهش في ذاكرته، ولم تعد ثمة لغة في ذاكرته سوى ذاكرة الوطن الام . الفيلم يتحدث عن والد المخرجة عشتار الذي هاجر من العراق عام 1959 وتزوج من امراة انكليزية . ليلى كانت خائفة جدا من ان يأتي يوم تتلاشى هي ايضا من ذاكرة والدها ، ولا يتذكر من تكون ، ولكنه يخبرها” بالرغم من ان يجهل من تكون ، لكنه يحبها ويشعر بالراحة قربها”، الاب عبدالله يرفض كل علاج ويتعامل بعنف مع الممرضين ويطالبهم فقط بإرجاعه الى بغداد ، حيث يمر بين لحظة واخرى شريط ذكرياته ويومياته فيها امام عينيه ، شارع الرشيد ، الباص الأحمر الذي كان يستغله ، باب الاغا ، شارع السموؤل ، شارع النهر ، ترافقها اصوات راديوهات المقاهي حيث الاغاني البغدادية الجميلة وصوت ناظم الغزالي ينساب من مذياع قديم ،، يستمر عبد الله في تذكر مدينته ، وتستمر ليلى في وعودها له بانه سيسافر اليها قريبا . يجسد دور عبد الله الممثل القدير (سامي عبد الحميد) وهو أخر عمل سينمائي له قبل رحيلة – توفي صباح الأحد 29 سبتمبر/أيلول 2019 في العاصمة العراقية بغداد – وبسبب إعتماد الفيلم على الحوار بشكل كبير ، فقد كان اختيار الفنان سامي عبد الحميد لدور البطولة موفقا ، لما يمتلكه من ارث مسرحي كبير ، ممثلا ومخرجا ، واستاذا في اكاديمية الفنون .وتميز أداءه في قدرته على تجسيد شخصية المريض بفقدان الذاكرة والذي نال عليه جائزة في مهرجان الجونة السينمائي . أما المخرجة عشتار قدمت شخصية الأب الذي يُصاب بالخرف أو باضطرابات الذاكرة ، لتتناسب بشكل ملفت ومخيف مع مرض يكاد يكون مرض العصر ، فهذا المرض لا يكتفي بإنهاك الجسد الذي عصفت به تدابير الزمن وتقلباته وانتكاساته، بل يتعدى ذلك ليرهق الذهن ويعطب الذاكرة، فيغتال كثيراً من ذكريات جميلة أو صوراً اختزنتها تجربة الحياة ليكون إنساناً مجرداً من تاريخه الماضي، البعيد والقريب، وبالتال يسبب لمن هم في محيطه بالخيبة فتتملكهم مشاعر الغضب تارة والأسى واللوعة تارة أخرى، على من كانوا يوماً من الأيام قدوتهم ورمزاً من رموز اتصالهم بالحياة .
الزهايمر في السينما العالمية
أفلام عالمية عديدة تناولت مرض الزهايمر ، منها فيلم “دفتر المذكرات” وهو أجمل القصص الرومانسية التي قدمتها هوليود عام 2004 ، بطولة رايان غوسلينغ ، وراشيل ماك آدمز ومن إخراج نيك كازافيت، وسيناريو جيريمي ليفين، ومقتبس عن رواية كتبها الأميركي ” نيكولاس سباركس ” ونشرت لأول مرة عام 1996 هذا الفيلم جعلنا نعيش قصة حب عاصفة سبقت الحرب العالمية الثانية بقليل، بين نواه (رايان غوسلينغ)، وآلي (راشيل ماك آدمز) اللذين فرقت بينهما الظروف قبل أن يعودا ويلتقيا مجددا، في الوقت الذي كانت فيه آلي على وشك الزواج من شخص آخر، ويقتنعا بأنهما غير قادرين على العيش بعيدًا عن بعضهما ، بعد سنوات من الزواج تصاب آلي بألزهايمر، فيقرر نواه سرد تفاصيل قصة حبهما – بعد أن صار نزيلا في دار للمسنين – على مسامع زوجته المريضة آلي (جينا رولاندز هذه المرة)، تلك القصة التي كانت قد دونتها من قبل في مذكراتها . وضمن الاطار نفسه تناولت الافلام الكثير من الحالات وأخرها فيلم ( ألاب) . والذي حصل بطله الممثل ” إنتوني هوبكنز” على جائزة ألاوسكار . قصّة “الأب” تتناول تحديداً مرض الخرف أو ألزهايمر، الذي يزحف تدريجياً على عقل أنتوني (أنتوني هوبكنز) الثمانيني، ويسيطر كلّياً عليه . القصة أيضاً تتناول موضوعاً مطروقاً في السينما قضية الآباء كبار السنّ، وصعوبة التعامل معهم، خاصة عندما يحتاجون إلى رعاية واهتمام .
فيلم ( لا تزال أليس )
“لاتزال أليس” فيلم دراما تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر في سنة 2014 ومن بطولة جوليان مور وأليك بالدوين وكريستين ستيوارت وكايت بوسورث ، إستوحاه المخرجان واش ويستمورلاند وريتشارد غلاتزر من رواية ليزا جينوفا (2007) . أليس هولاند (جوليان مور) أستاذة في جامعة كولومبيا الأمريكية، ذات شخصية قوية ومستقلة ولكنها تبدأ في المعاناة عند نسيان بعض الأحداث في حياتها، وشيئا فشيئا يبدأ الأمر بالتفاقم . بدأت أليس تنسى أشياء صغيرة مثل الكلمات وألاسماء، وكذالك تاهت تماما عندما كانت تمارس هوايتها الجري في الحرم الجامعي. وبعد زيارتها لطبيب إختصاصي وبعد الفحص يتم التشخيص باصابتها بمرض الزهايمر المبكر بعد اختبار الذاكرة التي خضعت له، أكتشف الطبيب حالة أعتلال مبكرة في ذاكرة اليس وهذه حالة نادرة لانه لايتناسب مع عمرها وهي في الخمسين . ونشاهد كيف يخبر الطبيب مريضه بتفاصيل المرض بكل شفافية، ويتبادل النقاش ويحتمل الأسئلة ويتقبل المريض الإجابات التى تكون أحياناً صادمة، وبعد تشخيص حالتها بمرض الزهايمر، تبدأ بتغير نظام حياتها وتتشبث بكل لحظة من حياتها وتعيشها كما يجب . كانت البروفسورة أليس محظوظة بأسرتها وهم زوج وثلاثة ابناء احاطوها بالرعاية ولم يتركوها في مستشفي أو بيت للمسنين إلي جانب انها استعانت بالتكنولوجيا الحديثة مثل جهاز الموبايل و تطبيقاته في تنزيل برامج خاصة لتحفيز الذاكرة، وكذالك أستخدمت جهاز اللابتوب للسؤال عن الاشياء التي تغيب عن ذاكرتها .
الفيلم يتضمن مشاهد مؤثرة، مثل المشهد توهان إليس في بهو منزلها ولا تتذكر مكان الحمام – فتبداء في البحث عنه، ولكن للأسف ذاكرتها لا تسعفها، وفي مشهد أخر، وهو مشهد خطابها الذي قدمته من خلال ندوة جمعية رعاية مرضى الزهايمر، وتستخدم القلم لغرض التظليل الاصفر كي لا تضطر قراءة السطر نفسه مجددا، وأفتتحت خطابها بمقولة الشاعرة اليزابيث بيشوب ” فن الفقدان ليس عسير المنال”، بعدها تسترسل في الخطاب قائلة :” الكثير من الامور بدت عرضة للفقدان وفقدانها لم تكن كارثة، أنا انسانة اتعايش مع المرحلة الاولى للزهايمر، ووجدت نفسي اتعلم فن الفقدان كل يوم، أفقد إتجاهاتي، أفقد أشيائي وأفقد نومي ، ولكن الاكثر فقدانا هي ذاكرتي” وتستكمل” أننا اصبحنا عاجزين وتافهين وهزليين ولكن هذه ليست شخصيتنا، بل هو مرضنا”. خلال استعدادها لدورها إتصلت الممثلة جوليان مور برئيس مؤسسة الزهايمر الوطنية ، وخضعت لمجموعة من الفحوص، ورافقت مرضى يعانون هذه الحالة وردود افعالهم تجاه الاخرين كي تعيش حالة مرضى الزهايمر . الفيلم مُلهم ومحفز ويكاد يكون من أعمق الأفلام التي جسّدت حياة مريض الزهايمر، وذلك بفضل أداء جوليان مور المدهش والتي فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن أداءها في هذا الفيلم . الفيلم من إخراج ريتشارد جلاتزر والذي توفي في عام( 2015) . وجاءت وفاته وعن عمر 63 عاما بعد صراع مع مرض ضمور الأعصاب والعضلات الذي أصيب به منذ سنة 2011
فيلم فورتيكس “دوامة ” للمخرج (غاسبار نوي)
المخرج الفرنسي (الأرجنتيني الأصل) المثير للجدل ” غسبار نوي” الذي ألهمه نزيف دماغه شبه المميت والذي أصيب به عام 2019 ، وكذالك مرض والدته التي كانت تعاني من مرض الزهايمر في آخر أيامها في تنفيذ فيلمه الاخير (دوامة ) . حيث يدور موضوع الفيلم حول زوجين مسنّين يعيشان في شقة في باريس مليئة بالكتب والذكريات. الرجل ناقد سينمائي ومؤرخ كما أنه باحث في مجال الأفلام ويكتب كتابا عن الصلة بين السينما والأحلام ، ويعاني من مرض في القلب . والمرأة طبيبة نفسية متقاعدة تعاني من الزهايمر ومع ذلك تستمر في كتابة الوصفات الطبية لنفسها . يفتتح الفيلم بمشهد لحوار بين أثنين من كبار السن لرجل وزوجته وعبر نافذتين متقابلتين وتخبره الزوجة بان كل شئ جاهز وتقصد المائدة التي يتوجهان اليها ويتبادلان الانخاب وتقول الزوجة ” الحياة حلم ، اليس كذالك؟ ويرد الزوج ” نعم ، أنها حلم داخل حلم ” وهي قصيدة للشاعر الفرنسي “ادغار الان بو” .
يعمد المخرج على ابراز اسماء الممثلين وتاريخ ميلادهم مع أغنية (صديقتي الوردة) وهي قصيدة كتبها سيسيل كولييه وجاك لاكوم ، وهي في الأصل أغنية للمغنية الفرنسية الشابة فرانسواز هاردي . المخرج يهدي الفيلم ” إلى جميع أولئك الذين سيتحلل دماغهم أمام قلوبهم” . الفيلم يقدم صورة مؤلمة لما يمكن أن يكون عليه العقل المتدهور. يستخدم المخرج غسبارنوي شاشة مقسمة للفصل بين تجارب الزوجة والزوج المختلفة أثناء اقترابهما من نهاية قاتمة . بينما ينشغل الزوج بالعمل على إنهاء كتابه وتتجول زوجته بلا هدف ، كما لو أنها لا تستطيع تذكر ما يفترض أن تفعله . يقدم نوي اثنين من الرواد من خلال ذكر اسميهما الحقيقيين ، وهما داريو أرجينتو (مخرج مشهور بأفلام الرعب ) والممثلة فرانسواز ليبرون ، وكشف السنوات الحقيقية لولادتهما ، 1940 و 1944 على التوالي .
فيلم “فورتكس” نظرة سينمائية واقعية على مرض ( الزهايمر) ، ويعطي نظرة ثاقبة وواقعية تماما لما سيواجهه العديد من البشر من هذا الداء ويكشف معاناة الكثير من الناس مع أجدادهم أووالديهم . ويستكشف الفيلم التقدم في العمر وما الذي يعنيه فقدان الذاكرة شيئا فشيئا، ويجد المشاهد نفسه أمام شخصين كانا يحبان بعضهما بعضا ويهتمان برفاهية بعضهما البعض، ولكن مع تقدمهما في السن يُصبحان كزوجين غرباء يعيشان في عالمين مختلفين . واستخدم نوي تقنية الشاشة المنقسمة طوال الفيلم، ما يمكننا من مشاهدة شخصيتين في مكانين مختلفين في نفس الوقت. وهذا يظهر كيف يعاني شخصان من الشيخوخة وإمكانية أن يصبح المرض خارجا عن السيطرة . وفي يوم من الأيام ستتعين علينا مواجهة أمراض الشيخوخة إذا عشنا عمرا طويلا .