حوار مع الدكتور خزعل الماجدي الباحث في علوم وتاريخ الحضارات
والأديان والأساطير
أجرى الحوار علي الكرملي / الحل نت .
* تم النشر : بواسطة الدكتور الماجدي في “صوت الصعاليك” على حلقات
حلقة 1 في عدد 42
محور الحضارات
تقولون إن العلم هو الذي صحح المعادلات الخاطئة في السحر والدين، هل هذا يعني أن الإنسان لم يكن على صواب قبل ذلك؟
هناك نوعان من المعرفة ، الأولى معرفة حدسية لاتقوم على التجربة والإستدلال بل على الظن والإعتقاد أنتجت ( السحر والدين والفلسفة ) ، الثانية هي المعرفة العلمية القائمة على التجربة والرياضيات وتقصي المادة والطاقة ، وهذه كانت أكثر دقة من الأولى . لكن هذا لايعني نبذ المعرفة الحدسية بل هي مطلوبة بقدر أو بآخر كتعبير عن تشوقات العقل والروح .
خلال محاضرة لكم في مركز جابر الأحمد الثقافي عام 2018، قلتم إن الحضارة الإسلامية والعربية توقفت عند العصور الوسيطة ولم تواكب العصرين الحديث والمعاصر، عكس الحضارة الغربية التي تعيش مرحلة الحضارة المعاصرة. برأيك هل ستبقى الحضارة الإسلامية عند العصور الوسيطة دون قفز أو تواصل؟
الحضارة الإسلامية ظلت باقية خلال العصر الحديث ، رغم أن بداية العصر الحديث مرّ عليه أكثر من خمسة قرون ، وجاء القرن العشرون وهي باقية في مكانها تراواح ولم تتحضر ، ولذلك فات الأوان ، الآن ، ولم تعد هناك أية فرصة للحاق بمجريات التاريخ اللاحقة ، وبلغة أدق لقد انتهى عصر الحضارات الدينية الوسيط ، وحلّ محله بالكامل عصر الحضارة الحديثة التي قادته أوربا ثم الغرب ومعه العالم المتحضر في الشرق ، واصبحت الحضارة الحديثة هي الوحيدة الفاعلة والقوية والتي تبتكر جدلها الخاص .
محور الأديان
ما العلاقة بين الدين والفلسفة؟ هل يصح القول إن الأديان فلسفة شعبية؟
الدين فلسفة شعبية وهو عنوان كتاب لأحد المفكرين ، لكني أرى أن هناك فرقاً كبيراً في طريقة النظر المعرفية للدين والفلسفة ، الدين معرفة قائمة على الغيب والإيمان المطلق ، أما الفلسفة فمعرفة قائمة على العقل والمنطق والتأمل المحسوب والشك . ولذلك لم يكن الطريق ميسّراً للقاء الدين والفلسفة ، وحين ظهرت الفلسفة في الأديان التوحيدية واجهها رجال الدين والفقهاء بقوة وحاولوا طردها من ساحتهم لانهم يعرفون انها قد تؤثر على المتدينين وتحرفهم عن الدين . حصل هذا بقوة في كلا الدينين المسيحي والإسلامي .
تقولون إن مصدر الأديان هو البحث عن شيء خفيّ، فما هو مصدر الأديان في المنطقة العربية التي ظهرت فيها الديانات التوحيدية؟
المبدأ واحد في جميع الأديان ، لكنه كان متعدداً في الأديان القديمة ، وواحداً في الأديان التوحيدية ، ثم أن مصدر الأديان الأول ، قبل الأديان القديمة والوسيطة ، كان في عصور ماقبل التاريخ في العصرين الحجري الحديث ( الماترياركية ) والعصر الحجري النحاسي ( الباترياركية ) .. ثم سارت الأديان على النهج الباترياركي حتى يومنا هذا .
لماذا برأيكم هناك الكثير من الرسل والأنبياء المرسلين في الأديان التوحيدية مرسلين من الإله وفق الروايات التاريخية لهذه المنطقة، بينما غابت الرسل والأنبياء عن باقي مناطق العالم؟
للأسف نحن الذين حصرنا أنفسنا في مصطلح ( الأنبياء ) الذي صنعناه ، وجعلنا غيرهم ممن يشبونهم ليسوا بأنبياء ، فالأنبياء في الهند مثلاً لهم إسم ( أفاتار أي الإله الذي يتجلى كإنسان ، وهناك الغورو أو المعلم مثل غورو ناناك عند السيخ ، والمستنير مثل بوذا ) ، والأنبياء في الصين يسمون حكماء مثل ( لاوتسي ، كونفوشيوس ) ، والأنبياء في اليونان والرومان هم الفلاسفة الذين كونوا لهم جماعات سرية وعلنية ( مثل أورفيوس ، وفيثاغورس ، وإفلوطين ) وحتى إفلاطون هو بمثابة نبي الاغريق ، وهكذا عند بقية الشعوب ، المسلمون واليهود ينظرون للنبوة فقط وولكنهم يختلفون في تفاصيلها طبعا ولا يلتقون … الأمر معقد ويحتاج لنظرة أوسع وأعمق .
ما مستقبل الأديان؟ وكيف تفسرون نظرتكم لها حينذاك ، حيث تقولون بأن هذا المستقبل سينحصر في الروحانية وستذوب تدريجيا العقائد المتشددة لصالح الجانب الروحاني؟
التوترات الآديولوجية الحالية في الأديان ستخفّ في المستقبل ، ولن يجد أصحاب التشدد السلفي لهم مكاناً بعد قرنٍ من الزمان مثلاً ، ولذلك سيضطر الجميع للتخلي عن هذا التشدد ويلجأ لإصلاح الدين روحياً ، في هذا الوقت سيكون غير المتدينين قد أنتجوا فسحة للنزعات الروحية الجديدة ( كاليوغا والموسيقى والرياضة والشعر والفن ) ، حينها سيكون هناك تفاعل وارد بين الروحانية الدينية والروحانية اللادينية ، وسيجعل المستقبل أكثر قبولاً بالروحانيات عموماً ومنها التصوف والغنوصية .
حلقة 2 في عدد 43
في حديث سابق لك، تقول إن الديانات القديمة تتمتع بالتسامح على عكس الديانات الإبراهيمية التي احتكرت الله ونشأت الحروب في عصرها، هل من تفسير أكثر؟ وهل سبب الكراهية في الأديان التوحيدية نفسها أم بالفهم المغلوط لها؟
لايوجد فهم مغلوط لها .. نصوصها تعبّر عن كلّ مشكلاتها ، يجب أن نطرح هذه المشكلات لنحلّ مشاكلها ونشخص عيوبها ، أما أن نقول أن المشكلة في فهمها أو في تطبيقها فهذا هرب من المشكلة وتسويف لها ، الديانات القديمة متسامحة لأنها قومية الطابع وكل شعب مسؤول عن دينه ولاعلاقة سلبية له بالآخر ، وهكذا تعايشت الأديان بقدر تعايش الشعوب ولم تنشأ حروب بين الشعوب لأسباب دينية .
الأديان الإبراهيمية ، وخصوصاً المسيحية والإسلام ، أديان شمولية تبشيرية تريد ان تُلغى الأديان التي قبلها وبعدها وأن تكون هي البديلة عنها ، وهذا سببٌ كافٍ لنشوء التوتر والحروب والنزاعات والغزو باسم الدين ، بل أن هذين الدينين تصادما ببعضهما بسبب هذا التنافس وتحاربا بأعنف الحروب ( أشهرها الحروب الصليبية ) ، بل أن المذاهب التي نشأت في كلا هذين الدينين كانت سبباً لحروب ومعارك طاحنة ، فهل هناك أدلة أكثر من هذه ؟!
تقول إن فرعون لم يكن ظالما ولا دكتاتورا بل كان مثالا للأخلاق، هل من شرح لذلك؟ وما تفسيرك للنصوص التي وصفته بـ “الطاغية”؟
أولاً لايوجد فرعون واحد حكم في مصر ، هناك أكثر 30 أسرة في كل منها فراعنة ، ثانياً لم تحدد الكتب المقدسة اسم هذا الفرعون ، ثالثاً لم تؤكد الآثار وجود موسى في مصر وحصول ملاحقة من قبل فرعون وجيشه لموسى . الفاحص العلمي لسيرة الملوك المصريين يجد أنهم ملوك على قدر كبير من العدل لسبب بسيط ومعروف وهو أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم بأنهم آلهة على الآرض ، ولذلك كانوا يخافون من ارتكاب أي خطأ أو ظلمٍ حتى لاتتشوه صوة الإله عند الناس .
وهذا مايُفسر نشوء هذه الأسطورة التاريخية عن موسى والفرعون ، أي أن القصد منها كان هو للإساءة الى الفراعنة وتاريخ مصر القديم وأنهم تحدوا الأنبياء ووجب عقابهم فاخترعوا أيضاً اسطورة العقاب الذي أصاب مصر وأهلها .
نحن لانريد أن نصدق أن هذا الإجراء هو جزء من ستراتيجية دفاع الأديان التوحيدية عن نفسها وضرورة تحقير الشعوب والأمم والحضارات تحت حجة أنها كانت تعبد ملوكها أو تعبد آلهة متعددة .
في معرض القاهرة للكتاب عام 2020، تقول لم نجد أي أثر لموسى ويوسف في مصر، هل ذلك يعني أن ما ورد عنها في الكتب الأبراهيمية ليس دقيقا؟
الكتب الإبراهيمة تروي ماتراه مناسباً لعقائدها وهي ليست كتباً في التاريخ والجغرافيا بل هي كتب دينية ، فلماذا نحمّلها هذا الوزر ؟ منهجي علمي يعتمد على علم الآثار ، وعلم الآثار يقول ( لحد الآن ) بعدم وجود آثار لموسى ويوسف في مصر ، فلماذا تريدني أخالف ضميري العلمي ؟
كل العلوم الإنسانية الحديثة ، وليس علم الآثار فقط ، لاتقبل أن تكون المرويات الدينية مصادر دقيقة لها . فلماذا يُراد لها غير ذلك ؟
هل تعلم أن هذا يحصل فقط عندنا لأن بقية الشعوب أقلعت عنه .
في كتابك “الدين المصري” تبين أن أى دين يتكون من مكونات أساسية هي “الأسطورة والمعتقد والطقس”، هل هناك “أسطورة” في الإسلام وما هي؟
نعم ، هناك أساطير كثيرة جداً ، وهذا يشمل جميع الأديان حتى الحديثة منها ، والأساطير الإسلامية موجودة في كلّ الكتب الإسلامية وكتب التاريخ وقصص الأنبياء المعروف ، لكن الأساطير لم تعد عن الله لأن الله أصبح واحداً بعيداً ولا قصص أو حكايات عنه ، ولذا طالت الأساطير الجن والملائكة والشياطين والأنبياء والقديسين والأحداث الخارقة وتأسطر التاريخ ، وهكذا نتج عن ذلك نوع جديد من الأساطير خرج من نواته الإلهية ليمطر في التاريخ والجغرافية والسير وغيرها كما ذكرنا.
حلقة 3 في عدد 44
لماذا بات صراع الأديان من أبرز صفات المرحلة الحالية والفترات السابقة؟
صراع الأديان قائم منذ العصر الوسيط والى يومنا هذا ، وهو ليس الأبرز في عصرنا ، بل هناك اليوم صراع ثقافي واقتصادي واعلامي وعسكري وسياسي .. الخ . في مناطقنا الإسلامية يعمل صراع الأديان بشكل أقوى من غيره من الصراعات لأن الأديولوجيا الدينية هي المسيطرة على الدين الإسلامي بشكل خاص ولأن الإسلام ، اليوم ، مصاب بداء الإسلام السياسي ، ولذلك يجب أن ينشط الجانب الروحي فيه بشكل أقوى ليكون الصراع أقلّ .
محور المثولوجيا ( علم الأساطير)
إذا ما قلنا وفق تقديركم أن الإنسان لجأ إلى السحر والشعوذة قبل ظهور الأديان، وإذا ما اعتبرنا أن طبيعة تلك المجتمعات في العصور السابقة وعدم مواكبتها للتطور كانت بحاجة إلى أديان من أجل تبديد مخاوف ما، فالآن أين تكمن حاجة الشعوب في عصرنا الحالي إلى الأديان؟ السياسة تحتاج إلى الدين أم العكس؟
الأديان على المستوى الشعبي مازالت تمثل حاجة واضحة لأغلب الناس ، لأن الإنسان الحالي مازال معذّباً بتوحش الرأسمالية وبضغط الإعلام وأجهزة التواصل ومازال مهدداً بحياته الإقتصادية والأمنية ، فهو يحتاج الى واحة الدين ليرتاح فيها ويحتاج أن يشعر بأن ربّاً يحميه ويقف معه أمام شرور الحياة ويشفع له بعد الموت ، ولاشك أن السياسة تحتاج الدين لأنها وجدته نظاماً اجتماعياً جاهزاً يمكن ان تسيّره وتتلاعب به لتنفيذ خططها ومصالحها .
عذاب القبر، الآخرة، الصلاة، الصوم، الحج. هل هذه الطقوس محصورة بدين واحد، أم أن هناك بعض الطقوس قد تكون متوارثة/مستنسخة من عصور سابقة؟
كل هذه المفردات وغيرها كانت موجودة مع بداية الأديان القديمة وقبل الأديان التوحيدية ، وكلّ دينٍ كان يمارسها بطريقته الخاصة . ولاشك أن الأديان التوحيدية ورثتها من الأديان التي قبلها لكنها لم تستنسخها نسخاً كما تقول بل جعلتها تتناسب مع عقائد التوحيد التي نادت بها فأصبحت خاصة بها .
هل الرواية التاريخية الدينية تقدم نصا حقيقيا؟ فهناك الكثير من الروايات التي باتت وقائع حدثت بالفعل ويبنى عليها الكثير، مثل طوفان نوح، أهل الكهف، وسليمان الحكيم، لا سيما وأن هناك آراء تاريخية علمية تؤكد أن هذه الروايات سبقت ظهور الديانات التوحيدية؟
الرواية التاريخية الدينية ، في العصر الوسيط بشكل خاص ، لاتقدم حقائق تاريخية بالكامل ففيها شيء من التاريخ وشيء من الأسطورة والخرافة ، والنص المروي مضخم ومنقول ومنسوخ وفيه مبالغات وأساطير في كثير من الأحيان . وكل الأمثلة التي ذكرتها في سؤالك لم تحصل كما سردتها الروايات الدينية التاريخية عن الماضي البعيد ، بل سردتها بطريقتها هي ، أي أن سرديتها خاصة بها وفيها اختلاف عن الحقيقة . وحين تؤكد الآثار تلك الأحداث فستجد أن الرواية الحقيقية هي رواية الآثار والشعوب القديمة ، وأن الروايات اللاحقة فيها أمور لم تحصل كما كانت وهي مصاغة بطريقة مختلفة .
ما الفرق في فكرة الخلود بين الحضارتين الرافدينية والمصرية؟ وأيهما الأفضل أم لكل منهما إيجابيات وسلبيات؟
كان الخلود قبل الموت والبحث عنه واضحاً وجليّا فى تراث وادى الرافدين ، أما الخلود بعد الموت والاستسلام له فى حياة الاخرة فواضح وجليّ فى تراث وادى النيل ، أي أن الخلود قبل الموت كان هاجسا ملحاً عند العراقيين القدماء ولكنهم اعترفوا بعجزهم شبه الكامل عن الحصول عليه ولذلك اخترعوا بدائل جزئية عنه كالمعرفة والتكاثر والإسم والشفاء .. إلخ. أما المصريون القدماء فلم يبحثوا عن الخلود فى الحياة لانهم كانوا يؤمنون أن الانسان خالد أصلا وأن وهلة الموت ما هى الا حاجز شفاف للانتقال من الحياة الاولى الى الحياة الابدية ولذلك حنّطوا أجسادهم واخترعوا السيناريوهات التى تؤدى بالصالح الى جنات اوزيريس وبالطالح الى كلاب ونيران وأفاعى الدوات.
والحقيقة أن طريقة النظر الى الحياة والموت والخلود مختلفة تماما فى الحضارتين الرافدية والنيلية.
محور تاريخ الفن
بحسبكم، فإن كتب تاريخ الفن العربية -سواء تلك المخصصة لماضي المنطقة أو لحاضرها- قليلة جدا ومعدومة في بعض الأماكن والأحقاب، ما السبب في ذلك؟
السبب هو عدم الاهتمام بتاريخ الفن ، والنظر له كأمر هامشي قياساً للدين أو السياسة مثلاً ، وهذا بحد ذاته يؤشر تخلفاً حضارياً معيباً ، لأن الفنون هي التي كانت الوسيلة الأعظم لنقل حقائق تلك الأزمان عبر حقول الفن كلّها .
مازلنا نميل للتخلف واحتقار الفنون ولذا تجد أن تقدمنا بطيء ومملّ .
محور الشعر
بين الشعر والمسرح والتاريخ والحضارات والأديان.. أين تجدون روحكم أقرب؟ وكيف كانت البدايات مع الشعر؟
مازال الشعر يمثل لهب روحي وطاقتها الأقوى ، لكني لا أنكر أن اهتمامي الفكري بالحقول الأخرى أصبح نشطاً وقوياً ، لكنه لم يسرقني من الشعر الذي أجد فيه راحتي وجمال روحي ، فأنا أكتب الشعر كل يوم ، وهذا مايفسر غزارتي بانتاجه.
الشعر كان هو أول بداياتي في عالم الثقافة ولي رصيد طيب من كتب الشعر نصوصاً ونظريات ، وهناك المزيد في المستقبل .
هل ما زال الشعر يُسرّب لكم قوة الحياة؟ وهل يمكن تفسير قولكم إن الوظيفة الأعظم للشعر تتمثل بوجهي “الحياة/ الموت” وهما يتماهيان مع بعضهما بعضا؟
نعم بلا شك ، وقد تطورت نظرتي للشعر كثيراً ووجدت نفسي أذهب بعيداً في البحث عن تماهي الحياة في الموت والموت في الحياة ، وودت لو استطيع التعبير بأكبرقدرٍ عن هذه اللحظة البرزخية عن طريق الشعر فهو الذي يعبر عنها بقوة ودقة .
محور المسرح
مسرح الصورة، المسرح الشعري الحديث، والمسرح المفتوح، ما ميزة كل مسرح عن الآخر، وأيها أقرب لك، وهل قاربتم تلك المسارح في عمل مسرحي واحد؟
لكلّ لونٍ من هذه الأنماط قوته وطريقته ، وقد تطورت تجربتي في التأليف المسرحي بهذه الأنواع وغيرها ، ولاشك أن رؤيتي اتسعت مع مرور الزمن ، لكني لا أنسى تلك الوثبة النوعية المتحمسة التي بدأت بها مع المسرح فهي من أجمل ماحصل في حياتي ، ولا أنكر أن هذه الأنواع المسرحية تتنافذ في أعمالي المسرحية ، لكني لا أحبذ خلطاً هجيناً بين هذه الأنواع ، والمهم دائماً أن يأتي العمل المسرحي بصدق تجربته ويأخذ قالبه الفني من هذا الصدق .
مسرحيتكم “عزلة في الكريستال” تعيد الاعتبار لقضية الموت المقبل، حيث يتجلى فيها بكل أنماطه وأنساقه، والسؤال هل فعلاً تقوم المسرحية على لعبة التدمير المستمر كما يرى بول شاؤول؟
بول شاؤول ناقد ومنظر مسرحي نوعيّ وله التقاطات دقيقة ، والمسرحية كانت تذهب بهذا الإتجاه فهي لعبة هبوط وصعود في موجة الحياة والموت ، كان الموت فيها يصعد وينزل في ذلك الزمان المشحون بالحروب وانواع الحصار والخوف ، فهي ثمرة وقتها . اعتزازي بهذه المسرحية استثنائي لأنها أول مسرحية لي ولأنها عبرت عن ظرفها بشكلٍ واقعي وجمالي يصعب تكراره .
تناقش مسرحية “نصب الحرية” الواقع العراقي.. كيف جاءتكم فكرة معالجة المفارقة التي تتجلى في غياب الحرية على الأرض، فيحاول البعض إنزال النصب وفتح السجون التي تكبل الحرية؟
هاجس الحرية يملأ أعمالي المسرحية ، وهو أحد أهم الثيمات التي اشتغلت عليها ، وقد عالجتها في زمن سجن الحرية وتدميرها وفي زمن جعلها فوضى مدمّرة ، وفي الحالين حاولت إضاءة وجهيها .. في مسرحية نصب الحرية كنت أعالج صراع الحرية مع من يحبون اغراق البلاد في الظلام ، وحاول ظلامهم أن يطال رمز حرية العراق في نصبه الشهير هذا ، ولذلك جاءت معبرة عن محاولتها فتح سجون الحرية الداخلية والفكرية . لكي نتحرر من وبائي الظلام والفوضى معاً .
لدى حضرتكم 100 تأليف والقادم أكثر.. ما شعوركم وأنتم يُحتفى بكم في مهرجان “ميزوبوتاميا” الأخير لإصدار المؤلف رقم 100؟ وما هو الجديد؟