رائحة الوقت – رواية بسفرين
علاء مهدي
هاشم مطر
دار العالي – الطبعة الأولى 2023
500 صفحة – حجم الوسط
ويبقى السؤال الأثير: لماذا؟
بشوق واهتمام كبيرين، قرأت رواية الاستاذ هاشم مطر الموسومة بـ ” رائحة الوقت – رواية بسفرين ” ، الصادرة عن دار العالي ببغداد.
وعلى الرغم من أن هذه الرواية قد جاءت بـ 500 من الحجم الوسط، فإنني وجدت نفسي مشدوداً لقراءتها بنهم وشغف، ووجدت أنها نقلتني بعيداً بأسلوبها المعبّر والمشوّق، لأعيش ذكريات أيام مؤلمة ومهينة، صدرت خلالها قرارات بائسة شملت برعونتها آلافاً مؤلفة من العراقيين ” وأنا منهم”، وأثارت إستياءً كبيراً على الصعيد الإنساني العالمي، وأدانها الأخيار في كل مكان، لما تضمنته من ممارسات دنيئة عبرت بصدق عن واقع وخصائص ومفاهيم (صاحب البلاد) [2] وجلاوزته ونظرتهم الدونية لطبيعة التكوين المشترك لشعب متعدد الحضارات والثقافات ، نشأ وتكون عبر آلاف السنين فحاز بكل تقدير على شهادة نوعية في طبيعة التكوين والتعايش المجتمعي والبيئي للعديد والعديد من القوميات والأصول والأديان والعقائد.
لقد كتب الأستاذ هاشم مطر روايته لتكون لوحة شاملة ومعبرة بجلاء وصفاء عن فترة مظلمة مرَّ بها العراقيون، فجاءت تلك اللوحة قاتمة وحزينة ، لوطن شاءت الأقدار أن تستولي عليه فئة تقيّأها الزمن ، فتملكت رغماً عن أنف التأريخ مقدرات أمة متعددة الأعراق، أنارت الطريق للعالم الجديد منذ أكثر من سبعة ألاف عام. لم تكتفِ تلك الفئة الضالة بتهجير ابناء الوطن بحجج واهية ، ولم تكتفِ بحملات ” تصفية السجون وتنظيفها ” ، ولا بمطاردة حملة الأفكار المعارضة في داخل الوطن وخارجه ، بل حولت الوطن إلى مقبرة جماعية ضمت الآلاف لسبب وبدون سبب ، وبأوامر شخصية وآنية إعتباطية خارج نطاق المحاكم والقوانين. كل ذلك كان ثمناً لنصر لم يتحقق لحرب بائسة كانت حصيلتها مجموعة أهازيج وأشعار تغنّى بها ” القائد الضرورة ” ، على وزن ” يا محلا النصر بعون الله . . . “!.
يشعر القارئ عند قراءة الرواية وكأن كاتبها هو أحد شخوصها الفعليين ، خاصة من خلال المحادثات الجانبية بين تلك الشخوص ، حيث يتقمص طبيعة كل شخصية من شخصيات الرواية، رغم إختلافاتها من ناحية الجنس ، والتعليم ، والعمر ، والثقافة ، والإنتماء الديني ، فيتأقلم معها وينقل أفكارها على ضوء تلك الأحداث وخلال تلك الأزمنة المعقدة وغير ذلك. حتى أنه يشعر القارئ بألمه وجروحه وأنينه ، كما ان أسلوب الكاتب السلس وإنتقاله بين الأحداث وربط تلك الأحداث ببعضها البعض ببساطة، جعل القارئ يتنقل مع الاحداث وكأنه هو الآخر يعيشها. كما أن اختياره للشخصيات المتنوعة والمختلفة فيما بينها وإظهار التأثيرات الجانبية عليها نتيجة العلاقات بينها، يُظهر الكاتب وكأنه قصد إظهارها كنموذج مصغر للشعب العراقي. ناهيكم عن إتساع الرقعة الزمينة للرواية ، ورقعتها الجغرافية أيضاً حيث شملت الأحداث دول العراق وإيران وسوريا وفرنسا والدنمارك وربما دولاً أخرى، وجد العراقيون المهجرون ملاذاً لهم فيها أو عبرها ، وقد منح هذا الرواية بعداً وعمقاً يتناسبان وأهمية الحدث.
” رائحة الوقت ” ، قصة المهجرين الفيليين واولئك الذي عرفوا بالـ ” تبعية “، قصة كتبها هاشم مطر نيابة عنهم جميعاً. قصة نضال يفتخر بها كل من نال شرف عذاباتها ، ووصمة عار بصمها التأريخ على جباه أشباه الرجال. قصة يجب أن يقرأها الجميع خاصة الأجيال الجديدة للمهاجرين والمهجرين للتعرف على عذابات عوائلهم وممارسات الأنظمة الشوفينية الديكتاتورية ضد الأحرار والأصلاء.
إنَّ أجيالنا الجديدة يجب ان تتفهم لماذا كنا نسمع عن الفضيلة ولانراها في الوطن الأم ، في حين لانسمعها في أوطاننا الجديدة بل نراها في كل شيء من حولنا. [3] ولماذا نسمى ” عجم ” في الوطن الأم ، في حين نسمى ” عربه ” في وطن العجم؟ [4]
وإلى حين إكتشاف حقيقة وأسباب تلك الممارسات الللاإنسانية ، سيبقى السؤال: ” كيف يستطيع الأوباش سحق أجيال بكاملها كأنها ولدت لتعيش الذل” [5] وسيبقى السؤال الأثير: لماذا؟ . . . لماذا حدث كل ذلك ، ومن المسؤول؟
[1] صفحة 59 من رائحة الوقت
[2] صفحة 358 من رائحة الوقت
[3] صفحة 367 من رائحة الوقت
[4] صفحة 399 من رائحة الوقت
[5] صفحة 157 من رائحة الوقت