دكاكين سعدي يوسف . . . !
علاء مهدي ـ سدني
تلبية لدعوة من منظمة مجتمع مدني عربية ضمت عدداً من الأعضاء الأستراليين من أصول عربية، كانت تمارس نشاطات ثقافية متنوعة في تسعينيات القرن الماضي، قام الشاعر العراقي الكبير الراحل سعدي يوسف بزيارة إلى أستراليا، وتحديداً إلى مدينة سيدني في العام 1995. وبهذه المناسبة بادر العديد من منظمات المجتمع المدني العربية والعراقية ومنظمات حزبية يسارية وبالتعاون مع تلك المنظمة إلى إقامة فعاليات مختلفة للضيف الكبير منها حفلات لتوقيع دواوينه وحفلات إستقبال له، تحدث خلالها وقرأ فيها الكثير من قصائده . . .
كما التقى الشاعر الكبير بعدد من الشعراء الأستراليين والعراقيين والعرب حيث أحتضنوه ووفروا له لقاءآت إعلامية وسفرات وجولات سياحية في سيدني، وربما خارجها وهذا أمر لا أستطيع تأكيده تماماً بسبب من مرور فترة طويلة على ذلك.
وفي دعوة شخصية للشاعر الكبير من أحد وجوه الجالية العراقية المعروفة ، دعيت إليها مع مجموعة صغيرة من أبناء جاليتنا العراقية بما يتناسب وحجم مكان الدعوة الصغير في حينه ، كنا نتطلع للقاء الشاعر والإستمتاع بسماع قراءآت من قصائدة أو التحدث معه حول قضايا ثقافية وأدبية وسياسية كان يهمنا كثيراً الحديث بشأنها معه، ولكن، وكما حصل فعلاً، جرت “الرياح بما لا تشتهي السَفَنُ”، حيث تساءل أحد المدعوين مستفسرا عن سبب عدم دعوة بعض الشخصيات الأخرى التي لم تكن من بين الحضور ، مما أثار حفيضة صاحب الدعوة الذي أنقذ الموقف برد هادئ مفاده أن مكان الدعوة لايكفي لحضور عددٍ أكبر مما هو موجود في ذلك الوقت ، لكن المتسائل لم يقتنع حيث أستمر النقاش بين الطرفين بإنفعال ظاهر مما أثر على جو اللقاء بصورة عامة ولم ينفع معه تدخل عدد من الحضور من أجل تهدئة الوضع . . .
و توخياً لأنقاذ الموقف وإنهاء ذلك النقاش الجانبي الانفعالي الذي كاد أن يفسد الدعوة بالكامل ، تدخل الضيف الكبير موجهاً حديثه للحضور، خاصة وأنه لم يكن على معرفة مسبقة بأي منهم من قبل، فاَستهل حديثه – بما معناه – أن قبوله الدعوة لزيارة أستراليا كان لأسباب عديدة منها أن أستراليا دولة بعيدة وقارة شاسعة وفيها جالية عربية وعراقية كبيرة ولها دور مهم في الثقافة والسياسة العربية، وأنه كان يتوقع أن يلتقي بجالية متماسكة قوية تذوب فيها الفروقات وتختفي الإختلافات، خاصة وأن الجميع يواجه نظاماً ديكتاتورياً خطيراً . . . لكنه تفاجأ بأن للجالية دكاكين متعددة، حيث أفتتح هذا الفرد أو ذاك دكاناً يمارس فيه دوره ويستعرض من خلاله عضلاته، وبالتالي بدلاً من أن يكون هنالك للجالية دكانٌ واحدٌ أصبح لمثل ذلك الفرد دكانٌ أو عددٌ من الدكاكين.
بعدها أتسمت الجلسة بهدوء يشوبه الحذر من الإنفجار ، حيث تم تقديم الطعام وباقي مراسيم الضيافة لتنتهي الدعوة بمغادرة الجميع عدا الضيف الكريم وأنا. حينها كلفني صاحب الدعوة بتوصيل الضيف الكريم للموتيل الذي يقيم فيه، خاصة وأن الموتيل يقع في شرق سيدني في منتصف الطريق إلى مسكني بشمال المدينة.
كانت ليلة باردة وممطرة ، ولم تكن التكنولوجيا الحديثة متوفرة في حينه حيث كان عليَّ أن اجد طريقي لذلك الموتيل عبر دفتر الخرائط لذلك كان يتطلب مني أن أوقف السيارة وأحاول إيجاد الطريق الصحيح من خلال الخرائط المرورية وهي بطبيعتها مكتوبة بحروف صغيرة تتطلب إنارة قوية. مرافقي لم يكن مساعداً جيداً لي حيث أن المناطق والشوارع ومسمياتها جديدة عليه خاصة وأن أغلبها يحمل اسماءً أبوروجينية وليس إنكليزية. كما أنه اَستمر في الحديث معي حول أمور عديدة منها ماحدث خلال تلك الدعوة وأمور أخرى دون مراعاة الموقف المحرج الذي كنت أمر به. أتذكر أنه كان منزعجاً من أسلوب أحد أعضاء الجمعية الداعية له حين دس مبلغاً من المال بجيبه هامساً بإذنه بأنه مصروف جيب !.
أخيرا ، عثرت على الموتيل وقد كلفنا ذلك وقتاً مضاعفاً أو أكثر بسبب الظروف الجوية وعدم التهيؤ للأمر . . . بعدها حضرت مناسبة أو أثنتين أقيمتا له في سيدني ولم تكونا بأفضل من الأولى.
ها قد مر أكثر من عقدين من الزمن على زيارة الشاعر سعدي يوسف لأستراليا ولازال حديثه عن الدكاكين شاخصاً في ذاكرتي . . . فمنذ ذلك الوقت ولغاية اليوم أصبح لدينا آلاف الدكاكين التي تحمل أسماء تراتيبية غريبة ، لكل شخص عدد معين منها وليس العكس حيث يفترض أن يكون لكل دكان عدد كبير من الأعضاء ، ناهيكم عن تلك الدكاكين التخصصية التي لاتخضع لأية رقابة مالية أو قانونية . . . .