من بعد الانتخابات.. الانتفاضة مستمرة رغم الضجيج والتهريج!
عصام الياسري
تظن احزاب السلطة والاسلام السياسي الطائفية بأن الانتفاضة قد توقفت أو دخلت مرحلة الهدنة الابدية. من الناحية النظرية يبدو الامر كذلك، لكن من الناحية الموضوعية وطبقا لما يجري على ارض الواقع، لاتزال “الثورة” على حالها مستمرة حتى يومنا هذا والوقائع اليومية تؤكد ذلك. وربما اكثر نضجا وبمسؤولية اعتبارية وسياسية مستنيرة تجعلها تهدد النظام السياسي الطائفي برمته، سيما بعد نتائج الانتخابات الاخيرة، وهذا ما تخشاه المنظومة السياسية التوافقية في قادم الايام. فالانتفاضة التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2019 في جميع المحافظات العراقية بما في ذلك في كردستان العراق لاتزال كالبركان مستمرة.
وبالعودة الى طبيعة الاحتجاجات العراقية التي انطلقت في 1 تشرين الأول / أكتوبر 2019 ، والمعروفة أيضا باسم (ثورة تشرين)، هي سلسلة من مظاهرات ومسيرات واعتصامات، وعصيان مدني أحيانا. تاريخها حدده شباب نشطاء مدنيون على وسائل التواصل الاجتماعي وامتد عبر محافظات العراق الوسطى والجنوبية، للاحتجاج على الفساد والبطالة وعدم كفاءة الخدمات العامة. إضافة إلى ذلك دعوتها لمواجهة النفوذ الخارجي (إيران، الولايات المتحدة الأمريكية) ومعارضته. ثم تصاعدت إلى مطالب كاسحة للإطاحة بالحكومة ووقف التدخل الإيراني في العراق. استخدمت الحكومة العراقية الماء الساخن ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع والأسلحة النارية، ضد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى. توقفت الاحتجاجات في البداية في 8 أكتوبر، لكنها بدأت بقوة مرة أخرى في 25 أكتوبر 20. مما اضطر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الى تقديم استقالته في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد رفض تعيين محافظ البصرة أسعد العيداني، الذي عينته كتلة البناء، وهي كتلة نيابية مدعومة من إيران، رئيساً للوزراء، ولن تتم الموافقة عليه من قبل المتظاهرين الذين يطالبون بإنهاء النظام السياسي الطائفي الذي اتسم منذ تسلمه السلطة من بعد إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين بالفساد والقمع والانقسامات الطائفية.
اذن، فالمشهد السياسي والامني والاداري والمجتمعي، على ما يبدو، سيبقى على حاله من أجل استئثار الاحزاب الطائفية بالسلطة باي ثمن. فما ان ينصب المتظاهرون السلميون خياما للاحتجاج في العديد من الساحات إلا والجماعات المسلحة تعتدي على المحتجين وتضرم النار في الخيام. وتقوم ما يسمى بـ “شرطة مكافحة الاضطرابات” والميليشيات المسلحة، وعلى رأسها الميليشيات الموالية لإيران، بالاعتداء على المتظاهرين وقتل واصابة العديد من بينهم أطفال أبرياء، ويتم القبض على المواطنين أو خطفهم، ولا زال مصير العديد من المختطفين مجهولا. وفي الزنزانات، يتعرض السجناء للإذلال والتعذيب وتجري العادة على عدم الاعلان عن المفقودين اوعن وفاتهم جراء التعذيب في السجون وسراديب الميليشيات. ويتم اغتيال النشطاء المعروفين، بما في ذلك النساء والصحفيين بسبب وقوفهم مع الانتفاضة وتغطية حيثياتها بموضوعية. وتتعرض العديد من العائلات للتهديد والضغط من قبل المسلحين لإجبار النشطاء على التخلي عن احتجاجاتهم. فيما الحكومة لا تزال تصرح بأنها ستحقق في جرائم القتل والأعمال التعسفية وستعاقب المسؤولين عنها. وعلى الرغم من أن الجناة معروفون، لم تتم محاسبة أي منهم. ولم تكن لدى الحكومة طريقة أفضل غير الوعود الفارغة التي تؤكد عجزها والتغطية على الجناة ومن ينتمي لاجهزة الدولة بصفتهم من أتباع احزاب النظام السياسي.
إن عراق ما بعد الانتخابات الاخيرة كما هو حاله ما قبلها، فنتيجة للأزمات التي تفتعلها الاحزاب الطائفية وتزمتها برفض نتائج الانتخابات، وبسبب التدخل الايراني في شؤونه الداخلية، أصبح “أكثر انقساما وضعفا”، لا بل مهددا بالانهيار على الرغم من أنه يحتفظ بقوات أمنية ضخمة إلا أنه غير قادر على حماية سكانه وأراضيه. اذ أن قدرة تلك القوات تتدهور بشكل رئيس لأسباب داخلية، من بينها اختراق الاحزاب والمليشيات الولائية لها وليس من حل في المستقبل المنظور!.