متى يسترد بلد أول ملحمة شعرية عافيته؟.
عصام الياسري
هل من المعقول، العراق، مهد اول ملحمة شعرية، وصاحب اعرق ارث حضاري، ونفط وثروات طبيعية غزيرة، تلعب في شؤونه دول وطامعين أجانب. تدنس حرمة أراضيه، كما تنهب ثرواته وتسرق مياهه وآثاره، وتضيع في حلكة الليل وإشراقة الصباح أحلام شعبه.
هل من المعقول أن يعم الخراب والسلب والقتل، أرض كلكامش وحامورابي والخنساء والحسين وزرياب وصلاح الدين والجواهري والشبيبي وجواد سليم والسياب.. وأرض دار السلام وبيت الحكمة والمستنصرية وبغداد مدينة الرشيد والعلم، يستبيحها رعاع العصر في زمن انعدام الحياء، وتقديس التخلف، ونكران الموروث، واختمار الولاء لنظام ظلامي في عقول أجناس متوحشة!.
هل من المعقول أن يُشرع انساناً عاقلاً، الجهل في بلده، ويشجع سيكولوجية الموت من أجل حفنة مال ومناصب سلطوية.. ياله من اضطراب فكري عبثي!، اسقط الثقافة والتاريخ والجغرافيا خارج الزمن!.. أنه لمن المؤسف أن يتوخى المثقف، مفكراً وعالماً وفناناً، الصمت والحياد، وينسى كل اعتبار للمشاعر والمثل والتقاليد الموروثة.. يتحول من داعية سلام وحضارة وتقدم وإعمار ووفاق إلى متفرج على كوارث الاغتراب والخراب في وطن اقبل على الضياع.
هل من المعقول أن يصبح العراق جحيماً تضج في أزقته ماكنة الفوضى والدمار، بإسم الديمقراطية والحرية الاكذوبة. ويشف البعض غليله لما يحدث في بلاد الرافدين من مظالم في ظل نظام طائفي، تمتليء صدور سالكيه بالسرور.. وهل من المعقول أن تُنهب الاموال والثروات والنفط والثقافة، ويعرض تراب الوطن واستقلاله للخطر. فيما يروج دعاة العملية السياسية الزائفة، للوعود الكاذبة، من اجل البقاء في السلطة والحفاظ على الغنائم.
ليس من المعقول، اذن.. أن يكون استيلاء طبقة الاسلام السياسي ـ حركات واحزاب طائفية وعرقية، عربية وكردية ـ شيعية وسنية، على السلطة منذ تاسيس مجلس الحكم الإنتقالي، قدر العراقيين. انما الاصرار دون هوادة على تغيير بوصلة السياسة باتجاه بناء عراق يشعر فيه المواطن بالطمأنينة والحرية في ظل حكومة وطنية شرعية ديمقراطية، تقوم على العدل ووفق الطرق الدستورية والقانونية والقواعد المدنية.. وما ينبغي على طبقة المعارضة الوطنية المناهضة لسلطة الفساد والخراب، بعد ان رفضت المحكمة العليا الطعون المتعلقة بنتائج الانتخابات واقرارها، العمل بجدية نحو التغيير السياسي الشامل، وان لا تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام مخططات الطبقة الحاكمة واحزابها للبقاء في السلطة. والا ستقع في نفس المستنع االسابق، الذي يتكرر مشهده منذ ستين عاماً. حيثما نجحت القوى الظلامية في توجيه الاقطاب المتصارعة لصالحها، واستعانت بقوى اجنبية موالية لها، لتوفير الدعم المتعدد الاشكال للوصول الى السلطة. مقابل تأمين ورعاية مصالح تلك الاطراف ووجودها للهيمنة على مقدرات البلاد الاقتصادية والسياسية.. وعلى المعارضة، أيضا، تفعيل دورها، وأن تبحث عن أساليب جديدة أكثر بسالة. الاحتجاجات وتنظيم المظاهرات، لوحدها، لا تكفي لنيل العراقيين حقوقهم المستباحة والقضاء على المحاصصة الطائفية وانهاء التدخل الاجنبي ودفع المخاطر عن بلدهم وعن مجتمعاته وحاضر ثقافاتها، الفكرية والعلمية والتاريخية.