متى تتوقف عجلة الرحلة السياسية المجزأة… وتستقر الأوضاع في العراق؟
عصام الياسري
يشهد العراق على جميع المحاور السياسية والمجتمعية والاقتصادية انتكاسات شديدة الخطورة والتعقيد. ولا زال الوضع الأمني منذ تأسيس مجلس الحكم بعد سقوط نظام صدام في 2003 غير مستقر. والمواطن على مختلف الصعد يعاني الكثير ومن بينها الإرهاب الداعشي والميليشياوي. في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2017 هُزم تنظيم داعش الإرهابي عسكريا على الأراضي العراقية ومع ذلك، لا تزال هناك مجموعات من المقاتلين تشكل تهديدا على العراق. ومن المتوقع مع استمرار الصراع السياسي على السلطة بين الأحزاب والفصائل الميليشياوية المسلحة وعدم وجود استراتيجية وطنية لإخراج البلد من أزماته، فمن المتوقع وقوع هجمات خطيرة ونزاعات مسلحة مفتوحة في جميع أنحاء البلاد بين الجماعات الإرهابية وقوات الأمن الأمن من جهة، وبين الأحزاب والفصائل المسلحة من جهة أخرى. ومن غير المؤكد أن تنتهي بسرعة أو تبقى محصورة في مساحة وفئة محددة. وفي كانون الثاني/ يناير 2020، نفذت إيران والميليشيات الولائية العراقية هجمات على عدة أماكن وقواعد عسكرية في وسط العراق وأربيل إثر مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان وحدات الحشد الشعبي المهندس في غارة جوية أمريكية في بغداد. ومنذ ذلك الحين، تكرر إطلاق الصواريخ وهجمات الطائرات المسيرة دون طيار على ما يسمى بالمنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي والقواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية.
ولا تزل الحالة الأمنية في جميع أنحاء العراق متقلبة، والهجمات الإرهابية وخاصة في شمال ووسط العراق، مرتفعة للغاية منذ فترة طويلة. والمشهد في محافظات الأنبار وديالى وكركوك ونينوى (سنجار والموصل) وصلاح الدين لا يقل خطورة. ومن المتوقع حدوث هجمات ونزاعات مسلحة مفتوحة بين داعش وقوات الأمن العراقية في هذه المحافظات. وفي محافظة نينوى الشمالية يتأثر المدنيون بسبب تكرر الاشتباكات بين قوات الأمن والقوات المقربة من حزب العمال الكردستاني. الأمر نفسه ينطبق على الحدود الشمالية لإقليم كردستان العراق مع سوريا وتركيا. وتتكرر الغارات الجوية التركية على مواقع حزب العمال الكردستاني داخل العراق، والعمال يرد بالمثل على الجيش التركي. وهناك أيضا مناوشات عرضية على الحدود بين إقليم كردستان شمال العراق وإيران.
أما على صعيد حماية الدولة والمجتمع، فإن عناصر تطبيق مفهوم “الأمن القومي” الذي يتطلب الاحترافية والمهنية والإستناد على مبدأ الوطنية، غير متوفرة. فقوات الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات مخترقة من الأحزاب والفصائل الولائية المسلحة. ويفترض أن تخضع هذه الفصائل للمؤسسة “العسكرية” الجهة الرسمية للدولة العراقية، والتي يفترض أيضا، أن تكون المرجعية لتنفيذ الأوامر المتعلقة بالأمن الداخلي والقومي، إلا أن هذه الفصائل، تأخذ أوامرها من قياداتها وعلى وجه الخصوص من خارج الحدود. ولديها أسلحة متطورة ومركبات محمية تضاهي ما تمتلكه الدولة وتهددها. ولديها أيضا عدد من المستشارين والخبراء يزودونها بالمعلومات الأولية والتخطيط.
وعلى الرغم من استمرار الدعوات لتحسين الوضع الأمني في العاصمة بغداد وباقي المحافظات، لا تزال الحالة الأمنية متقلبة، وهناك خطر وقوع هجمات خطيرة، على النخب الثقافية والعلمية وأعضاء المؤسسات الحقوقية كالقضاة والمحامين والضباط المخلصين العراقيين وعائلاتهم. وهناك أيضا مخاطر عالية لعمليات الاختطاف ذات الخلفية الإرهابية أو الإجرامية… ولا يمكن تأمين الأماكن العامة في العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات من قبل قوات الأمن العراقية، بما في ذلك مطار بغداد الدولي والمناطق المجاورة له، إذ أصبحت هدفا متكررا لقذائف الهاون والصواريخ. وطالما يتعرض المتظاهرون إلى اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن في العديد من المحافظات الجنوبية والشمالية، سيما حول ساحة التحرير وجسور دجلة الثلاثة الجمهورية والسنك والأحرار. ولا يمكن استبعاد اندلاع المزيد من أعمال العنف وتحشيد ميليشيات الفصائل الولائية المسلحة بالاعتداء على المتظاهرين السلميين. حيث قُتل منذ اندلاع الثورة في تشرين 2019 مئات الأشخاص وأصيب الآلاف على خلفية هذه المظاهرات. ولا يمكن استبعاد المزيد من المظاهرات والاحتجاجات، يرافقها أعمال شغب عنيفة.
أما في إقليم كردستان شمال العراق (محافظات دهوك وأربيل والسليمانية/ حلبجة)، فالوضع الأمني متقلبا. وهناك خطر متزايد باستمرار تصعيد الإجراءات الأمنية ووقوع انتهاكات لحقوق الإنسان. ومع تزايد الاحتجاجات المنتظمة ضد الحكومة، تتصاعد وتيرة أعمال العنف ضد المتظاهرين، وفي بعض الحالات تقوم جماعات مسلحة تابعة للأحزاب الكردية الحاكمة بارتكابها. نتج عنها درجة عالية من العنف الإجرامي وخطر كبير للاختطاف.
ومن الظواهر الحديثة على العراق تطبيق المفاهيم الأخلاقية الإسلامية الصارمة، والتي تنعكس أيضا في القانون الجنائي والأحوال المدنية المثيرة للجدل. من مظاهرها التعامل على أساس اختلاف الجنس، الفسيولوجي والمجتمعي، ونشوء ظاهرة التمييز الاجتماعي والثقافي والعقائدي بين أفراد المجتمع. الأمر الذي أدى إلى تفكك بنية العلاقات الحضرية التي اعتادت عليها لقرون الأسرة والمجتمع العراقي. فيما اتسع استيراد وشراء وحيازة واستخدام المخدرات والأسلحة، وسرقة الآثار والسلع الثقافية، كالحجارة والقطع الطينية والرسوم والمنقوشات وجميع الأشياء الأثرية من المواقع التاريخية.
وعلى ما يبدو أن مسلسل الأحداث في العراق لن يتوقف والصورة ستبقى قاتمة. نحن هنا أمام مشهد خطير، لأن السياسة الطائفية، تضطهد وتسرق وتأكل المجتمع دون رحمة. والفئات المسحوقة تشكو من انتشار الفساد في المنطقة الخضراء، وهي منطقة مؤمنة لأصحاب السلطة وقادة الأحزاب والميليشيات. أما الفقراء للغاية، فإنهم لا يعيشون كما يُفترض في أغنى دولة. لماذا؟ وإلى متى سيستمر هذا؟ غير معلوم. الثابت: المتظاهرون يواصلون الاحتجاج وأزمة الحكومة لن تستطيع أن تملأ فراغا، والجمود السياسي سيظل صراعا مستعرا على السلطة. الجديد: هو أن الانقسام لم يعد يسري فقط على أسس عرقية أو دينية، ولكن أيضا من خلال تمرد الجماعات على بعضها. وكلما لم تعد هناك حكومة بديلة، اتسع عمق الانقسام وزاد خطر تحول الخلافات إلى العنف في العراق.