ماذا أفضت انتخابات المجالس المحلية والصراع على مراكز النفوذ لا زال مستمرا!
عصام الياسري
توجه الناخبون العراقيون يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول إلى صناديق الاقتراع في 7166 مركزا انتخابيا في 15 محافظة عراقية، باستثناء إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي. اختاروا مرشحين يتنافسون على 285 مقعدا في كافة محافظات البلاد مع مقاطعة واسعة تزيد عن 70% من الذين يحق لهم التصويت. وجرى إنتخاب أكبر هذه الهيئات التي تتنازع على إدارتها العديد من الأحزاب في البلاد، هو مجلس محافظة بغداد الذي يضم 49 مقعدا. ومن بين المرشحين كان ما يقدر بنحو 1600 أو نسبة 25% من المجموع، امرأة شاركن ولم يفز منهن إلا عدد قليل. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص عشرة مقاعد تعد مثيرة لجدل شديد، للأقليات المسيحية والإيزيدية والصابئة. تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة انتخابات إدارية لمجالس المحافظات جرت في العراق والذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، منذ عام 2003: الأولى في عام 2005؛ والثانية عام 2009؛ وأخيرا في عام 2013. والانتخابات الحالية هي الأولى التي لم يشارك فيها “التيار” الصدري، ولم يتم فيها إغلاق مطارات ومواني البلاد ولا يوجد فيها حظر تجول أو منع سفر بين المحافظات. إلا أن القوات الأمنية بدأت عملياتها بعد أن أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حالة الإنذار في البلاد استعدادا للانتخابات وتأمين سلامة اجرائها.
الى جانب المقاطعة الشديدة التي دعت اليها العديد من التيارات والقوى ومن ضمنها الحراك التشريني، فالانتخابات جرت دون التيار الصدري، إحدى الحركات السياسية الرئيسية في العراق بزعامة مقتدى الصدر، الذي أعلن مقاطعتها مرارا، واصفا اياها بـ “الفاسدة”. بيد ان تحالف “قيم” للقوى المدنية الذي يتصدره الحزب الشيوعي العراقي الى جانب مجموعة احزاب ناشئة تشكلت بعد حركة الاحتجاجات في تشرين 2019، كان قد دخلت الانتخابات في 12 محافظة مع 400 مرشح، دون ان يدرك قادته، اي تحالف “قيم” حجم المواجهة لمنافسة “التيار التنسيقي” الحاكم. ايضا، عدم اخذ الحيطة من تدني شعبية منتسبيه وشدة الصراعات داخل الاحزاب المنضوية فيه، بالاضافة الى الظروف المعنوية والموضوعية السلبية التي تحيط الموقف العام من مجمل ما يسمى “بالعملية السياسية” وعدم ثقة المجتمع العراقي بكفاءة الاحزاب وامكانياتها على نحو: أنه “لا يملك أي كتلة أو حزب سياسي معارض فرصة للفوز بمقاعد تذكر في غالب المحافظات” الخاصة بسيطرة الاحزاب المتنفذة عليها، فضلا عن إشكاليات الوضع الأمني المتمثل بنفوذ المليشيات المسلحة للاحزاب على القرار وانحيازها لاصحاب النفوذ الماسكين بالسلطة.
الانتخابات وما تمخض عنها بعد أيام من إعلان النتائج الأولية، جاءت بقدر كبير، مخيبة لآمال من راهن عليها من الأحزاب المعارضة. لكن ثمة رأيي يتداول على الساحة يستحق الإشارة إليه: حينما أراد الحزب الشيوعي العراقي عقد تحالف مع “التيار الصدري”، ذهب إلى إجراء استفتاء لأعضائه على منصات التواصل الاجتماعي، وهو أمر جيد. لكن وللأسف، على الرغم من أن نسبة المعارضين لهذا التحالف خلال الاستطلاع، كانت واسعة بشكل كبير، فإن قيادة الحزب أصرت، مع ذلك، على تنفيذ الاتفاق تحت اسم “تحالف سائرون” والنتيجة كانت بائسة ومؤثرة.
السؤال: مع فشل تلك التجربة ودعوة العديد من التيارات السياسية والتشرينيين إلى مقاطعة الانتخابات للمجالس المحلية لخطورتها من الناحيتين، الموضوعية والمجتمعية. لماذا، لم يخطر ببال الحزب إجراء استفتاء لمعرفة رأي جماهيره، المشاركة من عدمها؟. لان على إجرائها، سيترتب: العديد من الإشكاليات، أخطرها، أن “تكون الدولة أو لا تكون”؟. بمعنى، إذا ما تمكنت الأحزاب المتنفذة الماسكة بالسلطة والدولة من احتواء النتائج الانتخابية لصالحها، فالأمر سيصعد من الغطرسة السياسية والطائفية لاحتواء الدولة ذاتها. فيما ستفقد “الحكومات المحلية” توازنها بالشكل الذي لا يجعل “الحكومة الاتحادية” مسلوبة الإرادة فحسب، إنما “الدولة” والذهاب بها نحو الدولة العميقة دون حدود.
في الدولة المدنية التي تحكمها قوانين وقضاء يصون الدستور ونزاهة الانتخابات، سيكون على الحزب الذي يفوز ممارسة مهامه من خلال مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية، وفي مقدمها تنظيم العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع دون تمييز، بعيدا عن مصالح الحزب الفئوية والعقائدية. لكن على ما يبدو أن نتائج الانتخابات، غير المتكافئة، “للمجالس المحلية” أو “الاتحادية” في العراق وما يحيطها من لغط واعتراضات وصراع على تدوير المقاعد لأجل البقاء في السلطة سوف لن تأتي بجديد أو تنتج تغييرا سياسيا في أبعاده الثلاثة، التشريعي والتنفيذي والقضائي، طالما يعمل العقل في دائرة ضيق الأفق السياسي وتغليب الديماغوغية الفكرية على الفلسفة الواقعية!.