بعيدا عن وطنه العراق ودع الحياة يوم الاثنين 30 آب 2021 الصديق المناضل الوطني من أجل الإنسان العراقي واستعادة وطن تنمرت عليه الضباع السائبة منذ عقدين من الزمن، الاقتصادي والمفكر الدكتور كاظم حبيب، الذي تعود معرفتي به لأكثر من ستين عاما.. اليوم ونحن نقف أمام تراجيديا رحيله المفاجيء بخشوع، نعبر عن مشاعرنا نحوه لما له من مقام لا حدود له في نفوسنا، لا يسعنا بهذا المصاب الجلل إلا أن نتقدم لأسرة الفقيد ولذويه وأحبته وأصدقائه ببالغ التعازي والمواساة.
قَدر الإنسان بعد أن يولد يكون قد كبر بما فيه الكفاية كي يموت وينأى بعيدا عن جذب الأضواء. لكن الإنسان الذي يعيش حاضره كأنما يعيش في الأزل حتى وان رحل. فالموت كما يقول أحد الحكماء: “لطيف لأنه يخلصنا من التفكير في الموت. فكل واحد منا يغادر وهو يشعر كأنما وَلَد الساعة”.
ومأساة موت المواطن العراقي في زمن المتناقضات، تأتي عندما لا يعود الوطن في وسعه ان يمنحه سوى موت يومي، ووأد مستمر للأحلام والأمنيات، تدفع به لأنْ يلملم خيباته وأحزانه وآلامه، جراحه واوجاعه وذكرياته، ولا يكون أمامه سوى مواجهة قدره نحو المنفى الغيبي بعيدا عن ذلك الوطن، وهو ما حدث للدكتور كاظم حبيب.
كتب محمود درويش:
لم أعرف أيّنا هو المهاجر: نحن أم الوطن؟ لأن الوطن فينا، بتفاصيل مشهده الطبيعي، تتطوّر صورته بمفهوم نقيضه المنفى.
هكذا ذهب ويذهب العراقي صوب متاه المنفى، حاملا معه تفاصيله الصغيرة التي لا يعرفها إلا هو، ليدفنها في سماء أخرى ويبدو أننا إذ نترك وطننا لن نجد سوى قبرا في المنفى. وعندما يختار أحباؤنا الذهاب غير مخيرين نحو المقابر باستمرار، هذا يعني أن سنوات المنفى لم تعد على الأبواب ولكنها بدأت بالفعل.
فهل كان يثابر أبو سامر لاستعادة التوازن من تحت أنقاض النكسات الصحية وحسب، أم كان همه منشغلا بما يعترض الوطن من هموم تقف امام صناعة المستقبل.. الجواب ليس سرا حمله ورحل عنا نحو فضاءات ليست اكيدة التعقيد مثلما على المعمورة الخربة في أرض السواد.
ان لحظات الإصغاء للاستمتاع بآراء الفقيد النيرة ـ ستبقى على الدوام متوهجة، وعليها أن تكون كائناً متمرداً، كطائر في سماء، لا يحطّ على وجه مستنقع متلقي كسول لا يريد ان يفهم أهمية الوطن .