المسرحي العراقي بين الأوجاع والإهمال
عصام الياسري
” منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى اليوم، يشهد الفن المسرحي في البلاد العديد من التحديات والعقبات التي أثرت على تطوره وتطور المشهد الثقافي والفني بشكل عام. الامر الذي أثر على الفن المسرحي وعلى استمرارية النشاط المسرحي وتراجع الكوادر المسرحية. “
بعدما تسلم الممثّل والمخرج قاسم إسطنبولي، مؤسّس المسرح الوطني اللبناني، جائزة اليونسكو الشارقة للثقافة العربية بدورتها التاسعة عشرة، من منظمة اليونسكو في باريس، كرمته نقابة الممثلين في لبنان، في حفل أقيم في المكتبة الوطنية في بيروت برعاية وزارة الثقافة، وفي حضور مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي المتعدد القطاعات في بيروت كوستانزا فارينا والفنان عمر ميقاتي ممثلاً وزارة الثقافة، والممثل سعد حمدان وأعضاء مجلس نقابة الممثلين في لبنان ، وسفير دولة النمسا في بيروت رينيه امري، والقنصل التونسي سمير ساسي، والقائمة بالأعمال في سفارة السودان سارة إدريس، وممثلي عن سفارات دولة فلسطين ورومانيا وبولندا وكازاخستان ونيبال وروسيا، ووفد من إدارة الريجي وكاريتاس لبنان والدفاع المدني، وممثلي عن الجمعيات الثقافية والاهلية والاندية في لبنان. وعرض خلال الحفل فيلم عن الجائزة، وفيلم وثائقي قصير بعنوان “صوب الضوء” وتم توقيع كتاب بعنوان “جمعية تيرو للفنون” حول تجربة إعادة تأهيل دور السينما في لبنان .
وتعتبر الجائزة واحدة من أهم الجوائز الثقافية الدولية، واختارت لجنة التحكيم إسطنبولي لمساهمته الرائدة والفريدة في إعادة تأهيل وافتتاح العديد من السينمات في لبنان، وتأسيس المهرجانات والورش التدريبية، وتفعيل الحركة الثقافية في لبنان، وتعزيز الإنماء الثقافي المتوازي عبر فتح المساحات الثقافية المستقلة والمجانية ودوره البارز في توسيع نطاق المعرفة بالفن وتعزيز الحوار الثقافي وتنشيط الثقافة العربية ونشرها في العالم. وتأسست الجائزة عام 1998، بمبادرة من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للاحتفاء بالمبدعين والمثقفين العرب، وعلى مدار 15 عاماً، قدّم إسطنبولي العديد من الأعمال المسرحية في أكثر من 23 دولة، حيث أسّس فرقة «مسرح إسطنبولي» عام 2008 وساهم في تأسيس «جمعية تيرو للفنون» عام 2014، ومن الأعمال المسرحية التي قدّمتها الفرقة: «قوم يابا»، «نزهة في ميدان معركة»، «زنقة زنقة»، «تجربة الجدار»، «البيت الأسود»، «هوامش»، «الجدار»، «حكايات من الحدود»، «مدرسة الديكتاتور»، «محكمة الشعب»، «في انتظار غودو»، وشاركت الفرقة في مهرجانات محلية ودولية، ونالت جائزة أفضل عمل في مهرجان الجامعات في لبنان عام 2009، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان «عشيّات طقوس» في الأردن عام 2013، وتعتبر مسرحية «تجربة الجدار» أول عمل عربي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان ألماغرو في إسبانيا عام 2011. كما حاز إسطنبولي جائزة أفضل شخصية مسرحية عربية في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح في مصر عام 2020، وجائزة الإنجاز بين الثقافات في فيينا عن مشروع شبكة الثقافة والفنون العربية عام 2021، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان المنصورة المسرحي عام 2023 .
السؤال: لماذا لا يكرم المبدعون العراقيون، ممثلين ومخرجين وادباء وكتاب واعلاميين وفنانين تشكيليين بمثل هذا التكريم عندما يكرمون دوليا بجوائز تقدير مميزة من قبل مؤسسات عالمية مختلفة على الرغم من الصعوبات المالية والمعنوية والمهنية والسياسية والامنية التي يتعرضون لها؟. ولماذا لا تقوم النقابات العراقية ذات الصلة للاحتفاء بالمبدعين العراقيين في مثل هكذا مناسبات؟.
منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى اليوم، شهد الفن المسرحي في البلاد بعض التحديات والعقبات التي أثرت على تطوره وتطور المشهد الثقافي والفني بشكل عام. من بين الأمور المتعلقة بعدم تطور الفن المسرحي في العراق، الأوضاع الأمنية الهشة بشكل كبير، التي لازالت منذ احتلاله، تؤثر على النشاطات الثقافية والفنية، بما في ذلك العروض المسرحية. فيما ادت الهجمات الإرهابية والصراعات المستمرة في البلاد إلى عدم استقرار البنية الثقافية والمسرحية. كما شهد العراق موجات هجرة ونزوح للفنانين والمبدعين المسرحيين الى خارج البلاد بسبب الظروف الصعبة والأمن الهش بالاضافة الى ظهور قيود ثقافية ودينية جديدة وتدخل بعض التنظيمات والفصائل بالشأن الثقافي، مما أدى إلى وضع قيود على المحتوى الفني ومنع بعض العروض الجريئة والمثيرة للجدل. الامر الذي أثر على الفن المسرحي وعلى استمرارية النشاط المسرحي وتراجع الكوادر المسرحية.
وبسبب نقص التمويل والدعم الحكومي والخاص من جانب اخر، تعرض الفن المسرحي في العراق إلى صعوبة تنظيم العروض المسرحية وتطوير الكوادر الفنية والتقنية. ونظرا للظروف الأمنية والاقتصادية، تأثرت المساحات المسرحية المتاحة لقلة فرص تنظيم العروض المسرحية في مسارح مختصة وصالات ثقافية. ومع غياب التواصل الثقافي الدولي: تأثرت العروض المسرحية العراقية بالعزلة الثقافية الناجمة عن الظروف السياسية والأمنية، مما أدى إلى تقليل فرص التواصل مع المسارح والفنانين العالميين والإستفادة من تجاربهم وإلهام مسار جديد للفن المسرحي في العراق. لكن على الرغم من هذه التحديات، لا يزال هناك بعض الفنانين والمبدعين العراقيين يعملون بكل جد واجتهاد للحفاظ على الفن المسرحي والإبداع الفني، ومن المهم أن نأمل في أن يتم تجاوز هذه الصعوبات وتحقيق تطور للفن المسرحي في العراق مستقبلا.
لكن ما أن نحاول أن نسترجع الذاكرة لحاضر الفرق المسرحية العراقية وأعمالها، إلا ونصاب للأسف بصدمة، بسبب قاطع المعلومات التي تردنا بخصوص “الإهمال الحاد الذي يواجهه المسرح والمسرحيون العراقيون” وحجم معاناة الفرق المسرحية وكوادرها منذ عام 2003، سيما عدم توفر المال ودور العرض والتقنيات الفنية واللوجستية للأسباب المشار إليها سابقا. إلا أن المعلومات والأزمنة تفصل بيننا وبين تلك الرمادية. معرفتنا، على أنه، كانت العديد من الفرق المسرحية العراقية وعروضها البارزة معروفة حتى يومنا ومنها:
فرقة مسرح الرافدين: تعتبر واحدة من أقدم الفرق المسرحية في العراق وقد تأسست في عام 1951. أنتجت الفرقة العديد من الأعمال المسرحية التي تناولت مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية.
فرقة مسرح الشمس: تأسست في العراق في عام 1964 وكانت تعنى بالمسرح الشعبي والتراثي وكان لها دور بارز في الحفاظ على التراث المسرحي العراقي.
فرقة بغداد للمسرح الحديث: تأسست في بغداد في عام 1970 وكان لها إسهامات كبيرة في تطوير الفن المسرحي في العراق.
فرقة المسرح الوطني العراقي: تأسست في عام 2006 وهي تابعة لوزارة الثقافة العراقية. قدمت العديد من العروض المسرحية التي تناولت قضايا مختلفة من تاريخ وثقافة العراق.
أما بالنسبة للعروض المسرحية التي قامت بها هذه الفرق فإنه من الصعب توفير قائمة شاملة نظرا للكم الهائل من العروض التي قدمت على مر السنين. تنوعت بين الأعمال الكلاسيكية والتراثية والمعاصرة، وكانت تتناول مواضيع مختلفة تتعلق بالحياة والاجتماع والسياسة والتاريخ والحرب وغيرها.
وبما أن الفرق المسرحية والعروض قد تغيرت وتطورت وبعضها اختفى، فيما تأسس من بعد 2003 العديد من الفرق المسرحية، القسم الأكبر منها غير معروف. إلا أنه من الجدير الإشارة إلى أن: فرقة المسرح الفني الحديث التي تأسست عام 1952 في العراق تعتبر من الفرق المسرحية العريقة في العراق. وتشكلت إدارتها من مؤسسيها وهم: إبراهيم جلال ـ رئيسا، يوسف العاني – سكرتيرا، عبد الرحمن بهجت ـ محاسبا، يعقوب الأمين ـ عضوا. جمعت أغلب البارزين في حقل المسرح من مؤلفين ومخرجين وممثلين ومصممين وعاملين في مختلف المكونات المسرحية. كما ورفدت الحياة المسرحية العراقية والعربية بمجموعة من الشباب الطموح، ممن جمعهم رابط الفكر والصداقة والهدف. لذلك سعت الفرقة ـ حسب ما أوردته الفرقة في الكراس الذي أصدرته بمناسبة يوبيلها الفضي 1952 ـ 1977، لتأكيد الأهداف الآتية:
حاولت الفرقة تقديم المسرحية العراقية وتطويرها.
كانت السباقة في تقديم المؤلف المسرحي الجديد وتشجيعه.
الالتزام بالجانب الاجتماعي والسياسي.
تقديم بعض المخرجين من أعضائها الممثلين.
منح الفرص للممثلين بالاشتراك في أعمالها.
تعميق الوعي الجماهيري بالثقافة المسرحية وقيمها الفكرية والجمالية.