الحائز على جائزة ابن رشد 2022 سعد سلوم ـ يتحدى الإفتراضات التقليدية
عصام الياسري
في العاصمة الألمانية برلين، تم يوم الخميس 8 أيلول 2022 تقديم جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر، لمتخصص في مجال الحريات الدينية الدكتور سعد سلوم مع منظمته “مسارات”. موضوع جائزة هذا العام موسوم بـ “نشر مبدأ الحريات الدينية”. وكانت لجنة التحكيم لجائزة ابن رشد لهذا العام المؤلفة من: (إليزابيث كساب) لبنان/ الدوحة (خزعل الماجدي) العراق/ هولندا (أسماء المرابط) المغرب و (نظمي الجوبة) فلسطين. قد اختارت في المرتبة الأولى الدكتور سلوم الأكاديمي والخبير في شؤون التنوع الديني في العراق والدكتورة نايلة طبارة (لبنان) الناشطة في مجال حرية وحوار الأديان ورئيسة مؤسسة أديان. وفي المرتبة الثانية أيضاً، الأستاذة (أم الزين بن شيخة المسكيني) تونس، لمساهماتها الفلسفية القيّمة في “فهم ليبرالي للدين”، والأستاذ (عبد الجبار الرفاعي) العراق، في المرتبة الثالثة لجهوده المستمرة منذ عقود لفتح آفاق جديدة للفكر الديني تتجاوز حدود دين واحد ومعتقد واحد وذلك على الرغم من المحن الهائلة التي حلت بالعراق في التاريخ الحديث.
الجدير بالذكر أن مؤسسة ابن رشد للفكر الحر بدأت نشاطها في العام 1999، إذ منحت أول جائزة حول موضوعة الصحافة والإعلام في العالَم العربي لفضائية “الجزيرة”، أثار في حينه ذلك، العديد من التساؤلات الإعلامية والسياسية بين الأوساط العربية. وأنها لغاية 2019 وهو موعد آخر جائزة تقدمها قبل انتشار وباء (الكورونا)، قد نجحت في اختيار مواضيع مهمة لمنح جائزتها، منها على سبيل المثال لا الحصر: نصرة حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق العامة في العالم العربي. الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في البلاد العربية. الإصلاح الديني”تفسيره وتأويله” بين الفكر الديني الإسلامي والحداثة. قضايا التنمية نظرياً أو تطبيقياً. حرية التعبير وتوسيع النقاش المفتوح عبر شبكة الإنترنت لإثراء النقاشات العامة حول القضايا الاجتماعية والسياسية. حراك ومواقف من أجل الدولة المدنية الديمقراطية. قيم الحرية والكرامة الإنسانية في العالم العربي. القادة والسلطات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية ـ مواقفهم أو سلوكهم القمعي أو الاستبدادي أو الطائفي أو التمييزي. ألا أنها أخفقت أحيانا في اختيار أسماء المرشحين للجائزة، من حيث إنها اعتمدت في الترشيح على الشهرة والألقاب والمواقع التي يتميّزون. دون الأخذ بنظر الاعتبار الواقع السياسي والاجتماعي الذي يحيط أحيانا لجان التحكيم والدفع بها باتجاه عدم تقدير حسن الاختيار فمنحت الجائزة لبعض مَن هم موضع جدل مجتمعي وفكري وسياسي في ظل ظروف سياسية ومجتمعية معقدة يمر بها العالم، والعربي على وجه الخصوص.
الدكتور سعد سلوم كاتب عراقي وأستاذ مساعد للعلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية ببغداد. رئيس منظمة “مسارات” وهي مؤسسة غير ربحية معنية بدراسة الأقليات والذاكرة الجماعية وحوار الأديان مسجلة في العراق. مؤلف 18 كتابا عن التنوع الديني والاثني واللغوي في العراق، شارك في تأسيس مبادرة الحوار المسيحي الإسلامي 2010، والمجلس العراقي للحوار بين الأديان 2013، والمركز الوطني لمكافحة خطابات الكراهية 2018، ومعهد دراسات التنوع الديني في بغداد 2019، ومعهد دعم صحافة التنوع في العراق 2020. مدافع بأمتياز عن الأقليات العرقية والدينية في العراق وقد حرص على عكس معتقداته في عمل مسارات والمجلة الثقافية التي يرأس تحريرها ومن خلال مؤلفاته، وعلى وجه الخصوص، تقدير الصلة بين حركة العدالة الاجتماعية والمساواة العرقية والدينية. ولهذه الغاية، يعمل جاهداً على المستوى الشعبي لتعزيز “ثقافة التنوع” ومفهوم المواطنة الذي يقوم كليا على “المساواة الكاملة وغير المشروطة”، وأيضا من خلال النضال بالاعتراف بالأقليات الدينية غير المعترف بها رسميا. وفي سياق مؤسسة “مسارات” التي يرأسها، فقد أنتجت مجموعة من الأفلام الوثائقية التي تتناول حقوق الأقليات والحريات العامة. ومن خلال توثيق الأحداث التي أهملها الإعلام الرسمي وغير الرسمي، واكبت السعي لتأسيس سينما معنية بالشأن العام وقضايا المجتمع المدنية.
في كلمته باسم لجنة التحكيم الخاصة بالحديث عن الحائز على جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لعام 2022 الدكتور سعد سلوم، تناول الكاتب والباحث الأكاديمي المتخصص في تاريخ الأديان والحضارات القديمة الدكتور خزعل الماجدي بالقول: يشرفني أن أكون معكم نيابة عن اللجنة التحكيمية لجائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2022. لتقديم الجائزة المشتركة هذا العام لواحد من الفائزين لها، وهو الدكتور سعد سلّوم. مضيفاً: بأن حصول الدكتور سعد سلوم على الجائزة جاء لجهوده التي ساهمت في تعزيز وحماية الحريات الدينية، ومقاومة النزعات الطائفية والتمييز بين المواطنين على أساس ديني، ودعم الاعتراف بالتنوع من أجل بناء مجتمع يسوده السلم الاجتماعي. وخلص الماجدي بالقول: يخبرنا تاريخ الأديان أن حرية الدين لم تكن على نفس المستوى من الممارسة في عصور مختلفة من التاريخ، القديمة والعصور الوسطى والحديثة، إلا أن الدكتور سلوم الحائز على الجائزة لإسهاماته بنصيب وافر في نفع المنظومة المجتمعية العراقية والعربية، سيمضي دون كلل في البحث عن الأسباب التي أدت إلى ما نتج عن تلك الظواهر والصراعات الدينية ووسم ما تستحقه من معالجات بطريقة إنسانية وعلمية.
الدكتور سعد سلّوم من مواليد بغداد، دكتوراه في العلاقات الدولية، وهو أستاذ مساعد في كلية العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية. أحد مؤسسي المركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية ومعهد دراسات التنوع الديني في بغداد ومعهد الصحافة المتنوّعة في العراق، ويرأس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية. ألف 18 كتابًا في مختلف قضايا التنوع، من أبرزها: السياسات والعرق في العراق: من العثمانيين حتى الوقت الحاضر، الأقليات في العراق، حماية الأقليات الدينية والعرقية واللغوية في العراق، حرية الدين والمعتقد للأقليات، الإبادة الجماعية المستمرة، نهاية التنوع في العراق، الإعلام العراقي وقضايا التنوع الديني، وغيرها. كما حصل على العديد من الجوائز أهمها: جائزة ستيفانوس الدولية للحريات الدينية/ أوسلو 2018 لجهوده في الدفاع عن قضايا حرية الدين والمعتقد في العراق والشرق الأوسط، جائزة البطريركية الكلدانية عن كتابه (المسيحيون في العراق التاريخ الشامل والتحديات الحالية)، وجائزة كامل شياع لثقافة التنوير لعمله الفكري بأكمله.
ولعلي أختم بما إختتم الدكتور سلوم كلمته مخاطبا الحضور المتنوع الثقافات: (لكننا لن نستسلم بسهولة، إذ سرعان ما نستيقظ ونتكلم، نرفع سيفا من زجاج في مواجهة مصالح قوى كبرى تفرض نظام التفاهة والأنانية، ونحمي الأمل في التغيير كشمعة صغيرة في هذا الظلام. صحيح أننا قد نشبه دمى صغيرة تواجه عمالقة على خشبة المسرح، لكن بقوة الأمل نسعى لإنقاذ تايتانك المشرفة على الغرق، أقول ختاما “ في العالم العربي، الأمل لم يعد خيارا، بل ينبغي أن يصبح أسلوب حياة”.)