حكم حزب البعث العراقي منذ عام 1963 لأكثر من ثلاثة عقود ونيف. وعلى الرغم من ضعف العراق ودماره في حربين مدمرتين مرورا بمعاناة الشعب جراء سنوات “الحصار” وعقوبات الأمم المتحدة الظالمة، ظلت قيادة نظام البعث بعيدة بما يكفي للحفاظ على حكمها حتى عام 2003. لم يتمكن أي نظام سابق من الاستمرار لفترة أطول بعد استقلال العراق (1932). والدكتاتورية الشخصية لصدام حسين، لم يكن لديها في السنوات الأخيرة القليل جدا من القواسم المشتركة مع حزب البعث الذي ينتمي إليه. وعندما نراجع بدايات حزب البعث في العراق، نكتشف أن العوامل التي مكنت في البداية نجاح حزب البعث وفيما بعد صدام حسين للاستحواذ على السلطة، لم تكن هي كذلك لاحقاً. كحركة قومية عربية غير متجانسة ومتشطرة، ظهر البعث في العراق في الأربعينيات، كان أول حزب من استولى على السلطة في بلد كالعراق عام 1963. في انقلاب 8 شباط ـ فبراير 1963. أطاح البعثيون بمشاركة قوى قومية عراقية ومباركة زعامات كردية اتفقت معهم آنذاك، بعبد الكريم قاسم. استمرت تجربة حزب البعث للحكم تسعة أشهر قبل الإطاحة به على يد العسكري القومي النزعة عبد السلام عارف في نوفمبر 1963 – دون جدوى وظهور انقسامات شللية داخل الحزب. ونظرا لقصر مدتها، تبدو نتائج تلك التجربة “الشمولية” غير جوهرية، لكنها تشكل حلقة من تاريخ البعث لتصدر مجدداً انقلاب 17 تموز 1968، وكلاهما لا يميل إلى النسيان.
يتعامل تاريخ حزب البعث مع موضوعة الإطاحة العنيفة بنظام الحكم “الجمهوري الأول” خلال انقلاب 8 شباط عام 1963 في العراق بمساعدة بعض قوات الجيش، على انها أقل من تلك الموجودة في الأحداث البارزة الأخرى في تاريخ العراق. لكن إذا ما تمعنا في هذه الرؤية الدماغوجية المثيرة بشكل منفصل عن الاحداث والاضطرابات والجرائم المريرة التي مارسها الانقلابيون، بالاضافة الى الصراع المحتدم على السلطة طوال الستينيات بين العسكريين والمدنيين والذي لم يُحسم، بل عرض الحزب ذاته بشكل غير متسق خلال المحاولة الأولى للحكومة الى المواجهة بين المعسكرين والانقسامات. نكتشف من خلال الأدبيات المستخدمة بشكل أساسي في مختارات عن التاريخ السياسي للعراق، بان حزب البعث لم يكن خلال مسؤوليته إدارة الحكم، لم يكن مؤهلا لهذه المهمة على كل الصعد والمستويات. كما تبحث في ما إذا كانت هناك استشرافات حاسمة تشير الى نجاح حزب البعث في ادارته للحكم دون ان ينصب التركيز على انقلاب 8 فبراير 1963 وتاريخه.. وتجدر الإشارة إلى أن أصول حزب البعث وأيديولوجيته القائمة على منافسة القومية العربية “الناصرية”، بدأت العمل نحو الاستيلاء على السلطة في العراق باي ثمن. وفحص هيكل توزيع السلطة داخل نظام البعث، وكذلك إدارة أهم المشاريع والمهام السياسية خلال فترة الحكم – فيما تم استبعاد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى حد كبير. انتهى ذلك أخيرا، إلى توجه العمل نحو الفشل، ونهاية نوفمبر 1963 إلى درس غير مستفاد منه على الصعيد السياسي والإداري والوطني والمجتمعي.
كانت الصراعات الاتجاهية بين أعضاء البعث المدنيين والعسكريين من جهة، والقوميين من جهة، تدور قبل كل شيء حول الصراع من اجل السلطة، والأهم التأكيد على أولوية الهوية القومية العرقية ورفض فكرة الطبقات الاجتماعية المعارضة لها.. الأمر الذي فتح الباب أمام حياكة المؤامرات والإنقلابات.. في وقت مبكر من كانون الأول (ديسمبر) 1958، كان رشيد عالي الكيلاني، المعارض السابق للنظام الملكي و “القومي النزعة” الذي عاد لتوه إلى العراق من المنفى، يخطط لمؤامرة انقلابية ضد الحكم الجمهوري الجديد لكنه فشل بسبب تكتيكات “خاطئة”. تبع ذلك تمرداً فاشلا من قبل الضباط العرب الناصريين في الموصل في آذار 1959. ثم محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في 7 تشرين الأول 1959، قام بها بعثيون، بمن فيهم صدام حسين باطلاق النار على سيارة قاسم أثناء قيادتها في شارع الرشيد. بذلك انتهى الفصل الأخير من دراما تاريخ العراق وهبوط كارثة إنقلاب 8 شباط 1963، خططت له دوائر استعمارية.