نبذة تاريخية عن تطور بدايات ظهور الفن السينما في بغداد
عبد الهادي عيسى
بدأ التوسع والانتشار في الدور السينمائي في عام 1920 من خلال شراء ذلك النوع المطور من الأشرطة الطويلة المتسلسلة
لغرض الوقوف على بدايات ظهور النشاط الفني السينمائي وعطاءاته في العراق ومنهُ مدينة بغداد بالذات ، لابد من العودة إلى الماضي حيثُ تمتد جذور هذا النشاط الإبداعي الفني الذي يُعد شكلاً من أشكال التعبير عن الواقع الأجتماعي . (1) فقد كانت الحكايات الشعبية هي وسيلة التسلية الوحيدة أحياناً حتى جاء الراديو ليزاحمها وأقبلت السينما لتكتسحها . (2)
ولأن المقاهي كانت الاماكن التي يهدر فيها الوقت فقد كان بعضها يُحيي حفلات الغناء لهواة المقام وقرائه . وبسبب انتشار الأمية في المجتمع أصبحت القصص سلواهم ، لذا كانت بعض المقاهي القديمة تعقد جلسات الرواية في أُمسيات معينة حيثُ يروي (القصخون ) *فصولاً من قصص المغامرات الخيالية والبطولات الوهمية .(3) فقد كان أهل بغداد يجتمعون بعد صلاة العشاء في المقاهي للاستماع الى ما يقص عليهم (القصخون) من حكايات تاريخية بأسلوب تمثيلي يلهب حماس رواد المقاهي (4) حيثُ كانت في بغداد مقاهي عديدة يجتمع فيها الناس حول قاصهم المفضل منها مقاهي محلات الجوبة ، والفضل ، وباب الشيخ ، والدهانة في جانب الرصافة ، ومقاهي محلات الفحامة ، وسوق العجمي ، والست نفيسة ، والشيخ صندل ، في جانب الكرخ . (5) لذلك كان (للقصخون ) مكانة مرموقة في المقاهي لأن السواد الأعظم لم يكن لديه مايلهو به كالملاهي ودور السينما وغيرها فكانت تسليتهم بسماع القصص والأساطير يتلوها عليهم أحد القصاصين .(6) لذا كان رواد (القصخون ) يحرصون بمثابرة ملحوظة على حضور جلسات الرواية ومتابعة فصولها .(7) في الوقت الذي أتخذ فيه أصحاب المقاهي التعاقد مع القصاصين سبيلاً لزيادة رواد مقاهيهم .(8)
ولطالما شاهد البغداديون في بداية القرن العشرين القصخون (ملا فرج ) في مقهى حوري بمحلة خان لاوند وعلى رأسه جراوية وبيده سيف خشبي ، ومثلهُ كان القصخون (نصيف العزاوي) .(9) وقد كان لشقاوات بغداد ولع أي ولع بالإصغاء إلى ماينشدهُ القصخون من أخبار تلك المعارك وما يصورهُ من أشكال تلك البطولات لأبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد أو غيرهما من أبطال الملاحم .(10)
أما عبدالكريم العلاف فيشير إلى الملاهي وجوق الإخباري بقوله ( وبعد أن شعر أصحاب الملاهي أنّ أهل بغداد سئموا ذلك الرقص الخليع وتلك الأغاني الرخيصة وأن سير الملاهي أخذ بالتقهقر الشنيع مما يؤدي إلى الخسارة المادية ، ضموا إلى جوق الرقص جوق تمثيلي هزلي مؤلف من عدة أشخاص يقومون بدوره آخر الليل ويسمى هذا الجوق إخباري ). ولم يكن جوق الإخباري هذا حديث العهد ، فهو على غرار الفصول الهزلية التي كان يقوم بها الهزلي البغدادي المشهور (إبن الحجامة ) وزميله الفكه (منصور) في بعض مقاهي بغداد أوائل القرن العشرين ، غير أنهُ منظم بملابس مزركشة فضلاً عن إظهار الخناجر والسيوف ومشاركة النساء في هذا العرض ، والبغدادي المرح بطبيعته يطرب لكل شيء ينعش خاطرهُ.(16) ومن الممثلين المعروفين في ذلك (جعفر لقلق زادة ) الذي كان ممثلاً إنتقادياً بارعاً إضافة إلى كونه مؤلفاً ومدرباً .(17)
وهنالك عدة أجواق للتمثيل الخلاعي كانت مقتصرة على بعض الفنادق أهمها جوق (سليمة مراد) ، وقد وصف هذا النوع من التمثيل بأنهُ قاتل للحشمة .(18)