عبدالإله الياسري
__________________
شاركت احد الأصدقاء في منشور له عن الجمال المغربي،معلّقاً عليه بمطلع قصيدة قديمة لي :
“يالجنّاتِكَ صيفَ المغربِ
كم مُحبٍّ بكَ مثلي مُعجَبِ”.
ولم تمضِ بضع ساعات على نشر هذا المطلع في صفحتي على الفيسبوك حتّى قرأت تعليقاً عليه للاستاذ الناقد خالد جواد شبيل يقول فيه:
” يالهذا المطلع الرملي الراقص الجميل! أكملها ياابا نوفل __اسقنيها اكوءسا من ذهبِ__..”.
فرحت بتعليقه هذا فرحين :فرحاً برضاه عن مطلع قصيدتي وهو الناقد الخبير والصادق الذي لم أكد أصدِّق ناقدا الا إياه في تجربتي الشعرية، وفرحاً اخر بالشطر الشعري الذي ذكر.ولم أكن قد سمعته من قبل:”اسقنيها اكوءسا من ذهبِ.” .كان ردّي على تعليقه:
” انها كاملة. وماهذا الشطر الذهبي الجميل ياابا الوليد؟ “.
ولم يكُ استفهامي عن الشطر الشعري الجميل الا حثّاً له لإتمامه ولكنه سكت ولم يزد عليه شيئا يطفيء به ظمأ الشوق الأدبي .وبينما نحن في ساحة الشعر بين ساكت ومنتظر ؛إذا الشاعرة وئام ملا سلمان تحمل على الشطر الشعري حملة فارس خاطفة فتردف شطرا على شطر ليصيرا بيتا تام الصدر والعجز:
“اسقنيها اكوءسا من ذهبِ
مُلئتْ من سحر بنت العنبِ”
ثم تردف بيتا على بيت ليصيرا نتفة:
“واترك المزّة لي في عدّها
أوماتكفيك (…) “* هههه..
ولله درّها من شاعرة غيور قد كرّت على الشعر عند النزال فانقذت رفيقها مما هو فيه من حرج
ببيتين طريفين من الشعر الاخواني يدلان على سرعة بديهتها وحنكة شاعريتها.
اطربني البيتان الخفيفا الظلّ، فآثرت ان أساهم ببضعة أبيات من قصيدتي المغربية التي تقدّم مطلعها انسجاما مع الجو الشاعري المرح وزيادة في الظرف الاخواني.فقلت:
“قد توشَّى الصبح فضي السنى
ثم اضحى بعد حين ذهبي
واطمأنّ الطير لم يفزعْ به
من وجودي حوله او يثبِ
يلقط الحَبّ برفق من يدي
آمناً يحسب اني مغربي
لو درى اني عراقي الهوى
لانبرى شاتم أمي وابي “
ولئن تمت فرحتي باكمال شاعرتنا الشطر الشعري لابي الوليد وتخليصها إياه من حبائل الشعر(هههه )فإن فرحتي بنشر أبياتي الأربعة لم تتم اذ كتب لي عنها الاستاذ خالد على الخاص،لكي لايحرجني امام أصدقاء الفيسبوك قائلا:
“أبا نوفل العزيز رائعة جدا. لعلك تقصد السنا وسها القلم. ولكن رب معترض على الطير فهي لجماعة الطيور ولاحتماله المفرد الذي هو طائر ..”
يثير قوله هذا مسألتين:الاولى ان الطير-(واطمأن الطير…)- يرد مؤنثا؛ والأخرى ان السنى-(فضي السنى)-ليس هو السنا المقصود اي الضوء. لقد وقفت عند اعتراضه برويّة وأناة شاعرا بعدالة حكمه وباحثا فيما تيسر لي من مصادر عربية لكي أصل اولا الى الحقيقة التي دعتني قبل ثلاثة عقود الى العدول عن توظيف السائد اللغوي ولكي اعرف ثانيا ان كنت مشاكسا لغويا حينئذٍ،ام جاهلا؟..وجدت فيما يتعلق بالطير ان الشائع في القران هو تأنيث الطير ولكنه ورد على حد زعمي مذكرا في آيتين : الاولى:”أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا”-49 العمران. والأخرى:”قال فخذ أربعة من الطير”-260 البقرة.وإذا كان في الاولى بعض الاشكال المفهومي فان الثانية صريحة في تذكير الطير ولو أراد التأنيث لقال :(اربعا من الطير).ووجدت كذلك في المنجد وفي محيط المحيط :”ان الطير هو جمع طائر وقد يقع على الواحد.”.وبعد هذا كله الا يحقّ لعبدالاله وغيره ان يذكًّر ( الطير) وقد قيل قديما:”يحقّ للشاعر مالايحقّ لغيره ؟”بل الا يحقّ لنا جميعا ان نحذو حذو الأسلاف فنظيف شيئا جديدا من واقعنا الى اللغة كما فعلوا هم ؟..اما فيما يتعلق بالسنى فقد وجدت في محيط المحيط لبطرس البستاني في باب (سنى ) ماياتي:
” قال الشيخ محمد البوصيري في الهمزية:
لم يدانوك في علاك وقد حال سنىً منك دونهم وسناءُ
أراد بالسنى المقصور النور كما سياتي وبالممدود الرفعة “… (انتهى قوله)
وليت اصدقاءنا من أهل اللغة يدلون بدلوهم في هذا المضمار فينورونا بآرائهم مختصرين طريق المعرفة اللغوية على عشاقها النائين عن منازلها. وقد آن لي الان ان احيي صديقيّ الحميمين الشاعرة المعطاء وئام ملا سلمان والناقد المفضال خالد جواد شبيل اللذين اثارا بسجالهما الأدبي الطريف مكامن الروح الساكنة في غربتها الابدية وان اشكرهما جزيل الشكر اذ لولاهما لما كتبت هذه السطور.
______________________
*(…) المحذوف هو (طاسَةْ لَبْلَبِي)وهما كلمتان بالدارجة العراقية ال(طاسَةْ)هي إناء وال(لَبْلَبِي)هو الحمص المسلوق الموضوع فيها.