فتنة الحب وخيباته
قراءة في الديوان الشعري (فتنة زهر الكلام)
للشاعر طارق الحلفي
جمعة عبدالله *
الخطاب الشعري يسير في عدة مسارات، تحمل هواجس أعماق الذات المبعثرة في عدة اتجاهات متعددة في مديات الحياة المتوحشة تجاه الانتهاكات الصارخة ضد الحب والانسان والوطن، في البوح الصادق في مشاعرها الانسانية الموجعة من خلال الصور الشعرية الباذخة المعنى والمغزى، في إشاراتها ودلالاتها في مدى اتساع المعاناة بين فتنة الحب الواسع، وبين خيباته التي تتكسر على صخرة الواقع والوجود، ولا تترك مجالاً للحب ان ينتعش ويتنفس الصعداء في الوجود، بل تترك مجالاً واسعاً في الاحباط والهزيمة، لأنه لا يمكن اتساع رقعة الحب، ان ينمو ويكبر في أرض الجفاف واليباب، وفي ظل الانتهاكات الصارخة، هذه الابتهالات الشعرية الحزينة , تملك ارث فكري وثقافي واسع المدى في مناحي الحياة وبوصلتها الفاعلة، يضعها في مجهر الحقيقة المرة وتحت الشمس، كما هي في أرض الواقع والوجود، بدون تزويق ومماطلة، بل يكشفها كما هي من رحم الشقاء والمعاناة، في لغة شعرية شفافة في رشاقتها اللغوية والشعرية في هالة الكلام البهي، الذي يحمل بريق في جمالية اللغة الشعرية، في انزياحات متنوعة تملك الإحساس العميق الداخلي لمعطيات الواقع المأزوم في كل جوانبه وفي الصدى والانعكاس، تملك المنصات التعبير الشعري الخلاق الابداع في الخيال الفني، وابتكاراته في الصياغة الشعرية والفكرية، رصينة التناول.
رغم مرارة الألم، يضع القارئ في جمرة الواقع الملتهب في عدة اتجاهات ويدحرجها اليه، لكي يدرك عمق الازمة الحياتية المتشعبة، عتبات النص الشعري تحمل رؤى الرومانسية الحب الحزين في الحنين والشوق، وبين الواقع المأزوم والجاف، الذي يعزف في الرمال أو في الفراغ، لكي تكون فيه الانسانية ضحيته في الانهزام والخيبة، رغم عنفوان في الحب في بريقه العشقي , المشع في الذات والعام , وفي لوعته الحزينة، التي عيونها تتجه تجاه الوطن الذي يغوص في الحرمان والانتهاك , في سبيل توجيه طعنة الى الحلم والامل حتى ينزف الحب بالدماء والحرمان. تغريدات شعرية في ابتهالات الحزن في القلب الشفاف ومتوجع، الذي لا يجد صدى مسموع مهما كانت فتنة الكلام، لكنها تغوص في ظلام الواقع وطريقه المسدود، ولكن يبقى الحب حياً لا يموت، مهما كانت المعاناة والشقاء الإنساني في دوامة الصراع بين الموت والحياة.
×× عينات من الديوان الشعري.
1 – الطفولة من رحم الحرمان:
الطفولة المحرومة من حقها الشرع في الحياة في زهرة براءتها الساذجة والمتواضعة، لا شيء مضيء للطفولة، سوى الإهمال والحرمان، تعيش ايامها السوداء في الجفاف، يغطيها غبار الحزن والشقاء في حضرة المعاناة الواسعة.
تَلِمُّ طفولةً سوداء
فوقَ سريرِ غربتِها
وشالاتٍ من الحزنِ
تعتقُ فيه مِحنتَها
فيا صَمتا
يفَزِزُ صَمتَ دَمعتها
ويا صَوتا
يُؤرق نومَ لُعبتِها
فلا ضَوءٌ يبللها
ولا تَغريدَ أصحابٍ يُعابثها
تبيحُ لنفسِها عُذرا
وعذرا يُزني غَصّتها
فيجهِضها زِحامُ العَزلِ
شوكا فوق شَرشفِها
فيكسرُ روحَها البلورِ أشلاءً
واوجاعا من القهرِ تبعثرُها
ليبني من براءتها
2 – زهرة فتنة الحب والعشق في عسل الكلام الشعري، في مطر الشوق والاشتياق والهيام، في تعابير عذبة في العشق والهيام في شقين في تصاعد النسق إلى الأعلى، وكذلك النازل الى الأسفل وهي:
× × حينما ينهمر مطر العشق والاشتياق، تتصاعد انفاسه اللاهثة لتعزف على مزامير الحب في فتنة اسطورية في يواقيت الكلام، في تعابير عذبة في انفاسها وهيامها. في التماهي في غسيل القدمين المعشوق.
حينَما الحِكْمةُ باتَتْ
في فِراشي ذاتَ لَيلَةْ
اَهرَقَتْ خُصلةَ ضَوءٍ
من يَواقيتِ الكَلامِ
فوقَ قلبي ولِساني
فَتَغَطّيتُ بِشَمسٍ
ظِلُّها أَحْلى الكَلامِ
———–
حينما ينزف يومي بغزارة
اتماهى
ناعماً كالمطر المفتون بأرض
لأغسل قدميكِ
×× ولكن حينما تهبط انفاس الحب نحو الاسفل، لتلوك لوعة ذكرى تجرح القلب، كأنها تودع حبها الخائب.
حينما أفقد جمارَ حضوركِ
تتداعى كلَّ تقوى كلماتي
لم أعد أقدرْ أن أغري القصيدة! .
3 – مراثي الحب:
حينما تنكشف الاقنعة عن حقيقتها الاجرامية، لتدلل بدون ادنى شك انها حقاً قلباً وقالباً من سلالات الشيطان، أولئك الذين امتطوا صهوة الواقع، واصبحوا اصحاب الارهاب الشرعي، في فتاوى الدم التي أصبحت شريعة وناموس، تعلو على كل شيء، لكي تنتهي كل الكلمات والحروف، فلا شيء يعلو سوى مجازر ودماء.
انتهت كلّ الحروف
لا مواويل مجازر
لا مهاميز مراثي
لا ينابيع فواجع
لا بتولات انفجارٍ
لا سديم لا رماد لا دمار
…لا ولا حتى غبار
صَهَلَ القردُ وأثنى الجَحْـشُ وامتدّ الدخانُ
فوقَ غاباتِ البداية
سُمِلَ الأفقَ وأغفَتْ ذاكرة
4 – المال الحرام
حينما يكون كل انشغال أصحاب السلطة والنفوذ. في شريعة النهب العمياء، لتصبح اعراساً للخيانة في بهاء بهرجتها المفتونة للمال والنفوذ في السحت الحرام. فيعلو صدى البراغيث، لكل ذميم في الأخلاق والسلوك ليصبح فعله حلالاً وشرعاً، لكي يغتال المنطق والقانون. ويصبح الواقع والوجود عبارة عن سوق النخاسة في الاتساع في الأفق.
وإذا لامستمُ السلطةَ يوماَ فاستحموا
من زلالِ الهاوية
او تضمخْ بالعماءِ
فهوَ حَدُّ الزانية
فالوضوء باختزالات الحلال
سيكون بالحلال
كل شيء بالحلال
فالزواج في شفاعات الفتاوى
بالحلال
والدجاجُ بالحلال
والخياناتُ نذور في مضافات التملك
بالحلال
وليالي الرقص حتى مطلع الفجر المعنى
بالحلال
والخمورُ، وبشرط الستر في حكم البلاء
لذة للشاربين
بالحلال
والقمار تحت اقواس التعري
بالحلال
انما المالُ احتشاما
كرفيفِ اللَذَّةِ المخبوء في سوقِ النخاسَة
5 – ايها الوطن …. عد إلينا.
الوطن المشرد في أرض اليباب والجفاف، تصبح المدن والديار عرضة للتخريب والعبث. في العراق الذي كان قديماً أصل الحضارة والتاريخ المجيد، يصبح غابة وحشية تتحكم به الذئاب البشرية، وزعيقها لا ينتهي، مع هذه المحنة المتشظية، تراود الروح الحلم والحب، أن يخرج الوطن من النفق الى نور. وتعود الصباحات الجميلة تبدأ بالصباح بذكر الحكيم، واغاني فيروز الصباحية، وتعود السماء الصافية، تحلق بها أسراب الحمام والطيور في بهاء النهار الآمن، في اغاني الغزل فوق سطوح الحارات، وتعود البسمة بدلاً من الدموع. ويعود الشهداء أحياء.
أَيُّها الوَطَنُ المُشَّرّدُ في الوَطَن
سِعَةَ الصَّدرِ اَعِدْ لِي
ابتساماتي، هُدوئي
واِهتِـماماتي الصَغيرة
اِبتِداءَ الصُّبحِ بِالذِّكرِ الحَكيمِ
وَشَذى أنغام فَيروز
وساعاتِ الّزِحامِ
هَمرَجاتِ الزُّمَلاءِ الطَّلَبَة
وَمِزاحي للصغارِ
ضِحكَةَ الجّارِ البّهيَّة
حِينَما يَشتِمُ “عَمُّوديَ” اَسرابَ الحَمام
غَزَلَ الصِّبيانِ في حارَتِنا فَوقَ السُّطوحِ
***
جمعة عبدالله – كاتب وناقد