الآداب بلا شك فنون ” رسوليَّة ” أي أنها فنون ذات رسالة ، فجل الروايات والنصوص المسرحية والقصصية رسائل نقلتها إلينا حمامة الورق من زوايا لفئات اجتماعية ذات قضايا أو معاناة مُهملة ، أو يجب الإضاءة عليها فما روايتي ” المُراهق ” و ” المقامر ” لدستويوفسكي على سبيل المثال ، إلا رسائل للمجتمع حول هذه الأنماط من الشخصيات كي نتفهمها أكثر ويسهل علينا التعامل معها أو اكتشافها أو تجنبها ، بحسب رغبتنا ، وهي رسائل إلى تلك الفئات غير المُدركة لِكُنْه ما تفعله ، كي تصبح أكثر يقظة وتتعظ وتتجنب سوء العاقبة .
الرسائل لم تقف عند دورها كأداة تواصل وجداني وتغيير في عواطف الآخرين ، بل حتى في أفكارهم ومعارفهم ، فالتواصل مفتاح إنجازات البشرية وهو حاجة إنسانية عُليا ، فالإنسان في إحدى تعريفاته الأكثر انتشاراً ” كائن اجتماعي ” ، وقد اتخذت الرسائل دورها كوسيلة لتبادل الآراء و التعارف و المعرفة كالمراسلات بين كبار العلماء والفلاسفة ، مثال ذلك ما جُمع في كتاب بعنوان : ” رسائل يونغ و فرويد ” وهما من أشهر علماء النفس .
مِن أقدم الرسائل المُدوَّنة :
لا يشترط بالرسالة أن تكون من فرد إلى فرد ، فقد تكون الرسالة هي خلاصة رحلة وتجربة وربما حياة بأكملها ، كالرُقم الحجري التي أمر جلجامش بأن يتم نصبها في كُبرى ساحات مملكته بعد أن يأس من الوصول إلى ما يجعله خالداً ، واكتشف أن الخلود الذي كان يبحث عنه هو للآلهة فقط ، أما الخلود لملكٍ بشري مثله ، فلا يمكن تحقيقه إلا بنشر العدل والعمران والازدهار ، فيبقى بذلك ذِكر الرجل خالداً ، ويالها من رسالة سامية نعتزُّ أنها من تراث منطقنا.
من الرسائل ما هو عابر لـ ” الزمكان ” ولكل المُحددات :
كثير مما يُطلق عليه مُسمى الآداب الخالدة هو حالة فنية تكتنف رسائل إلى المجتمع حتى لو لم تتخذ شكل الرسالة التقليدي فإن فيها رسائل مُتضمَّنة .
ومن الجدير بالذكر أن بعض الشعراء قد خصصوا أجزاءً من قصائدهم كرسائل إلى أجيال المُستقبل كما فعل نزار قباني في خاتمة قصيدته التي حملت عنوان ” هوامش على دفتر النكسة ” .
الرسائل لا تتقيد بأسلوب كتابة بعينه أو تميل إلى جنسٍ أدبيٍّ بعينه ، في تراثنا العربي تضمنت في الشرائح العُليا من المجتمع على سبيل المثال ، الخطبة والشعر والسجع .. إلخ .
الرسائل السامة :
ومن جهة أخرى يمكن أن تحتوي الآداب والفنون كالأفلام السينمائية والعروض المسرحية على رسائل سامة تحوّل الفنون الجميلة إلى ” حصان طروادة ” ، كبعض الأفلام والروايات التي ظاهرها جميل ” تحفة فنيّة ” وفي باطنها خطاب كراهية وتحريض .
فيلم ” لايف إز بيوتيفول / الحياة جميلة ” فيلم إنساني عذب جميل لكن في نهايته نكتشف أن كل ذلك من قَبيل دس السُمَّ بالعسل ، حيث يُطالب الطفل اليتيم الناجي ” بطل الفيلم ” بتسليح الصهاينة بالمعدات الثقيلة !
الرسائل عبر التكنولوجيا :
مع تطور التكنولوجيا أصبح هناك ما يُعرف بـ ” الرسائل الاحتيالية ” التي تُداعب آمال الناس بالثراء وما شابه وتسلبهم قدر المستطاع من أموالهم ، ولعلنا مُعظمنا قد تعرض إلى مثل تلك الرسائل ، لكن ما هو أخطر منها هو تلك الوجوه التي تعبر عن ” مشاعر ” التي يتم استخدامها و إرفاقها بكثرة مع الرسائل من قبل شبابنا و شاباتنا ، فإن الابتذال في التعبير عن المشاعر ، وكسر الحواجز مع الآخرين عبر استخدام فيّاض لرموز تُعبّر عن مشاعرنا هو مسألة خطرة ، وتكمن خطورتها في كونها محدودة وأكثر من تسعين بالمئة منها تعبر عن مشاعر مُتضخِّمةَ مُبالغ فيها ” وجه يبكي شلالات دموع ، وجه نصفه فم ضاحك تكسو جانبيه دموع الضحك .. إلخ ” ، إن استخدامنا المُستمر لها يجعل المشاعر الإنسانية تفقد قيمتها مع الزمن حيث سنمر بالوجوه الضاحكة بشدة أو الباكية بمَرار وكأنها مسائل مألوفة !