لماذا يخنخن غوغول مثل الخنزير؟ لم يتمكن معاصريه ولا أحفاده من تفسير السلوك الغريب للكاتب
بقلم الكاتبة الروسية ليبوف روميانتسييفا
المصدر:موقع المستشار السري الروسي
ترجمة عادل حبه
أبرز سلوك قام به غوغول هو حرق الجزء الثاني من كتابه ” النفوس الميتة”. رسم توضيحي للفنان ميخائيل كلودت “غوغول يحرق مخطوطة المجلد الثاني من كتابه ” النفوس الميتة”
لم يكن نيكولاي فاسيليفيتش غوغول كاتباً فحسب، بل اشتهر أيضاً بغرابة الأطوار. فلم يعرف أحد متى كان يقول الحقيقة ومتى كان يكذب. وتم تداول شائعات كثيرة لا تصدق عن شذوذ طلائعه وخدعه ونكاته العملية خلال فترة حياة الكاتب.
كان يقلد ثغاء الماعز ، ثم يخنخن مثل الخنزير
غرابة غوغول تشغل الباحثين في حياته وعمله حتى يومنا هذا، ولا يوجد إجماع على سبب حرقه للمجلد الثاني من “النفوس الميتة” قبل وفاته. لقد قدم الكاتب فيكنتي فيريساييف في كتابه “غوغول في حياته” مجموعة كاملة من الاقتباسات عن نيكولاي فاسيليفيتش غوغول، والتي تم اعتمادها على أساس مراسلاته مع العائلة والأصدقاء، وكذلك ذكرياتهم عنه. واتضح أنه كان غريب الأطوار منذ الطفولة. وعلى سبيل المثال، كما يتذكر قرينه فاسيلي ليوبيش رومانوفيتش:” إن غوغول :”اعتاد أن يقلد ثغاء الماعز، ويتجول في غرفته، ثم يردد صقاع الديك في منتصف الليل، ثم يخنخن كالخنزير، وينزوي في مكان ما في زاوية مظلمة. وعندما سئل لماذا يقلد أصوات الحيوانات ، أجاب: “أفضل أن أكون وحدي بصحبة الخنازير على أن أكون بين الناس“.
ويتذكر زميل آخر له قائلاً: “كان دائماً في جيوب سرواله مخزوناً كبيراً من جميع أنواع الحلويات كالحلوى وخبز الزنجبيل”. وكان يخرج من جيبه من وقت لآخر بضعاً من قطع الحلويات ويمضغها باستمرار حتى في أثناء الفصول الدراسية. لهذا كان عادة ما يركن في زاوية من الزوايا بعيداً عن الجميع، ويقوم بتناول طعامه الشهي”. واحتفظ غوغول بقطع الحلويات حتى نهاية حياته، فقد أحب سرقة قطع السكر من على مائدة العشاء وحملها في جيوبه وإخراجها عند الحاجة.
شعر نيكولاي غوغول في وقت مبكر بالرغبة في الكتابة، لكن حصة الرياضة القصيرة لم تسمح له بالإبداع. ووجد الشاب طريقة أصلية للخروج من الموقف. فقد تظاهر بالجنون! وكما دون زميله في الفصل إيفان باشينكو في مذكراته:”فجأة تعالى صراخ مدوي في جميع الأقسام …. لقد أصيب غوغول بالجنون! ، ركضنا سوية لنرى أن وجه غوغول أصبح مشوهاً بشكل رهيب، وعيناه تلمعان ببريق حاد، وشعره متجعداً، و ويترد صوت صرير أسنانه ، وتتدفق الرغوة من فمه ، وسقط وراح يضرب الأثاث. ولم يكن أمامنا سوى علاج واحد فقط، واستدعينا أربعة موظفين، وأمرناهم بأخذ غوغول ونقله إلى قسم خاص في لمستشفى ، حيث أمضى شهرين فيها، وهو يلعب دور المسعور”.
مع بوشكين في علاقات ودية
بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، انتقل نيكولاي غوغول إلى سانت بطرسبرغ. وعاش هناك بشكل متواضع للغاية، وغالباً ما كن يعيش على الديون، وتقطعه وظائف غريبة. وعلى الرغم من أن تعرفه على ألكسندر بوشكين قد حدث بالفعل ، إلا أنه علاقتهما كانت سطحية إلى حد ما ، خاصة إن الشاعر كان قد تزوج للتو في ذلك الوقت ، ولم يعد يهتم بالشباب حتى لو كان كاتباً روسياً صغيراً واعداً. لكن غوغول يذكر في رسائله دون تفاخر ، اجتماعاته المتكررة مع بوشكين. “عشت طوال الصيف في بافلوفسك وتسارسكويه سيلو. كنا نجتمع كل مساء تقريباً: جوكوفسكي وبوشكين وأنا. أوه ، لو كنت تعرف فقط كم من المسرات خرجت من أقلام هؤلاء الأزواج! ” – لقد تفاخر غوغول بصديقه المقرب ألكسندر دانيلفسكي. ونصح والدته عموماً بكتابة رسائلها إلى عنوان بوشكين مع تدوين ملاحظة “أطلب منك تقديمها إلى نيقولاي غوغول”. وبعد تلقي مثل هذه الرسائل، فوجئ بوشكين وإنزعج، واضطر غوغول لاحقاً إلى الاعتذار من بوشكين جراء “هذا الإحراج”.
الصوف القطني والمعدة غير المنتظمة
عندما سمع غوغول أن مياه سانت بطرسبرغ تؤدي إلى الصلع، قام بحلق شعره وارتدى باروكة شعر مستعار. في الوقت نفسه، قال شهود عيان إنه في بعض الأحيان كان يخرج الصوف القطني يتدلى من تحت الشعر المستعار يضعه تحت الينابيع.
بمرور الوقت ، أصبح غوغول أكثر غرابة. الآن هو يقوم بتسلية الجميع، ثم يلتزم الصمت لعدة أيام. ويروي أحياناً قصصاُ مضحكة، ويتحدث في أحيان أخرى حصرياً عن الروحانيات.
وعندما تقرأ مذكرات المعاصرين عن غوغول، ينتابك شعور بأنهم يكتبون عن أشخاص مختلفين. بالنسبة للبعض، يعتبر غوغول شخص غريب الأطوار ولطيف: “أثناء الغداء ، كان يلف كرات الخبز، وعلى شاكلة التلميذات ، ويشرع في رميها على أحد الجالسين”. وهو بالنسبة لآخرين مجرد شخص ممل ومتقلب: “لقد كان متقلباً بشكل لا يصدق ، وأمر عدة مرات بإحضار أو أخذ كوب من الشاي ، والذي لم يتمكنوا من سكبه حسب ذوقه: وتبين أن الشاي كان ساخناً جداً ، ثم كثيفاً ، ثم مخفف جداً ، أو أن القدحكان ممتلئاً جداً ، أو على العكس من ذلك، وكان الفضب ينتاب غوغول لأنه تم سكب القليل جداً من الشاي. باختصار، لقد شعر الحاضرون بالملل؛ وكانت تصيبهم الدهشة من صبر المضيفين والترف الحاد للضيف “.
لقد عانى نيكولاي فاسيليفيتش من بعض الأمراض الغريبة. أو ربما كان يصطنعها فقط. ويتذكر الكاتب سيرجي أكساكوف قائلاً: “لم يكن بإمكان غوغول أن يدفئ ساقيه إلا بواسطة المشي ، ولهذا، كان يرتدى جوارب طويلة وسميكة من الصوف الروسي فوق حذائه وفوق كل جزمة الدب الدافئة”. “على الرغم من حقيقة أنه كان يركض في كل محطة عبر الغرف وحتى في الشوارع طوال الوقت عندما كانوا ينقلون الخيول، أو يضع قدميه قرب الموقد.”
لقد تعرض نيكولاي فاسيليفيتش طوال حياته لمرض معوي معين ، كان يرغب في التعبير عن الشكوى بشأنه إلى كل معارفه. وقد اشتكى قائلاً: “يبدو أن هناك نوعاً من الشيطان قد إستقر في بطني، ويتدخل بشكل حاسم في كل شيء”. واعتقد غوغول أن بطنه لم تكن على شاكلة بطون الناس العاديين، بل كانت “مقلوبة رأساً على عقب”. وتم فحصه عدة مرات من قبل الأطباء الذين لم يجدوا شيئاً يذكر. ووصف غوغول آلامه في أحدى رسائله: “إن الإثارة هي التي إستقرت في قلبه” ، “أي شعور كئيب تحول إلى حزن ثم حالة إغماء ونوم” ، الأمر الذي أعطى الأطباء سبباً لتشخيص مرض الكاتب بعد وفاته ، بأنه مرض الهوس الاكتئابي.