الشاعر والمؤرخ والمترجم عبد العزيز الجواهري
عادل حبه
العراق موطن الشعر والملاحم والأساطير، ومن بلاد السواد نهض عمالقة الشعر والأدب في مختلف العصور، حتى في مراحل الركود والخيبات التي شهدها هذا البلد. ولربما لا يعرف العراقيون إلاّ القليل عن أحد نوابغ الشعر والأدب والترجمة والتنوير وهو الفقيد عبد العزيز الجواهري النجل الأكبر للفقيه عبد الحسين الجواهري، وشقيق كل من صناجة الشعر العربي محمد مهدي الجواهري والشهيد محمد جعفر الجواهري والفقيد عبد الهادي والفقيد علي الجواهري والمرحومة نبيهة. ولد في النجف عام 1890. تلقى الدروس على يد والده الشيخ عبد الحسين الجواهرالذي قرأ عليه مقدمات العلوم والأدب، وكان الوالد هو الآخر ضليع في الشعر.
كما تتلمذ عبد العزيز الجواهري على يد الشاعر محمد رضا الشبيبي وعبد الهادي شليلة. وقضى فترة من زمن تعليمه في مدرسة الملا كاظم الخراساني في النجف. اصطحب جمعاً من الأدباء ونظم الشعر. وكرس كل أهتمامه بالأدب والتاريخ وبالأداب الفارسية متأثراً بالأجواء العائلية وأجواء النجف الثقافية آنذاك. كما عمق من معارفه في اللغة والأدب والتراث الإسلامي وفقه التنوير، ونصب أمام عينيه مهمة البحث في الأحداث التاريخية. تعلم العربية والفارسية فأتقن تعلمهما واستثمر ذلك في الترجمة بينهما. وفي مرحلة من مراحل شبابه تأثر بعمق بالتيار الديني التنويري الصاعد آنذاك في العراق وإيران وبإفرازات حركة “المشروطة” المطالبة بإرساء قواعد الديمقراطية في إيران وصداها في أروقة النجف، والتي تزعمها في النجف رجل التنوير الديني الملا محمد كاظم الخراساني الذي كان على صلة برجال الإصلاح والتنوير والحداثة الدينية في المنطقة وعلى رأسهم عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو، والذي خاض صراعاً ضد المتشددين والمتعصبين الدينيين والدفاع عن ثورة “المشروطه” في إيران وحركة “مشروطيت” في تركيا في مطلع القرن العشرين.
نشط طيب الذكر عبد العزيز الجواهري في كتابة المقالات في مختلف شؤون الأدب والسياسة والعلوم الطبيعية والفكر والإصلاح الديني في مطلع القرن الماضي ونشرها في الصحافة الصادرة في البلدان العربية مثل المقتطف والهلال والبرق والعرفان. وكان أول من نشر ديوان الشاعر محمد سعيد الحبوبي. إضطرته ظروف العائلة الاقتصادية وسعيه إلى طبع موسوعته التي أسماها “آثار الشيعة الإمامية” إلى مغادرة النجف متوجهاً إلى إيران عام 1923، وذاع صيته في مجال الأدب والشعر والتاريخ والترجمة، وعرف آنذاك باسم عبد العزيز صاحب الجواهر تيمناً بلقب العائلة القديم. وترجم عن الفارسية إلى العربية شعراً من عملين من أهم الإبداعات الشعرية باللغة الفارسية: ديوان مثنوي لجلال الدين الرومي وديوان شمس الدين حافظ الشيرازي. وترجم مقدمة ابن خلدون إلى الفارسية وشرح كفاية الأصول. وتزوج من سيدة إيرانية أنجبت له اربعة أولاد وبنتين. وأصبح ابنه البكر محمد رضا فناناً في النحت وهاجر واستقر في ألمانيا. تصدر شاعرنا لاحقاً التدريس في جامعة طهران لحين رحيله عام 1976، حيث روي جثمانه في أحد مقابر العاصمة طهران.
ولا بد لنا من الاستشهاد بما رواه شاعرنا الكبير محمد مهدي الجواهري عن شقيقه عبد العزيز الجواهري في الجزء الأول من مذكراته، حيث قال:
“لقد بدأت أستعيد ذاتي وشخصيتي بعد رحيل والدي رغم احساسي الأليم بالفراغ الذي تركه بعد أن كان فانوس البيت وعموده والروح الجميل في مجالسه…بعد رحيله خرج الشاعر الحبيس من جبة الفقر ورجل الدين، التي فرضت عليه، ومن والدي انتقلت هذه الوصاية إلى رعاية شفافة ، لطيفة، خفيفة الظل، أغدقها علي أخي “عبد العزيز”الذي كان أشرفنا وأكثرنا عطفاً وتفقداً نحن الأخوة الأربعة وكان تقدمياً وواقعياً في نظرته إلى الحياة في ما كتب ونظم ونشر ، ولا أغالي اذا قلت أنه كان من الطلائع المعدودة للتهضة الأدبية في النجف. ففضلاً عن دراسته الفقهية وتأثره بالثورة الدستورية التي قادها الملا “كاظم الخراساني”، كان شاعراً مجدداً في موضوعه، تجاوز المواضيع الشعرية التقليدية، كما كان مجدداً في ثقافته أيضاً، فقد قرأ الرياضيات والطبيعيات والفلسفة ونشر ما اعتصره من ذلك كله في مجلات النهضة الفكرية من أمثال : المقتطف والهلال في مصر، ومجلة العرفان وأمثالها في لبنان.
لقد تفتحت على النقاشات المجددة الجريئة في مجالسه التي كان يحضرها معه أترابه وزملاؤه من الطلائع الجديدة.
كانت هذه النخبة الطليعية التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد تتناول كل ما تقرأه بحثاً ونقاشاً وتساؤلاً في مجالات السياسة والأدب والشعر الجديدة برمتها على المجتمع النجفي بخاصة وعلى العراق بعامة ساخرة بجمود القديم ومعجبة بالتحرر الحديث، وكنت أتسمع احاديثهم بلهفة، أنا الخارج تواً من وصاية والدي، واشارك فيها، وكنت التقط، من مكتبة شقيقي الكتب الجديدة التي أتشوق اليها مما لا اجده في المكتبة الشهيرة (لجدي الأكبر) كما أسميه، والمؤرخ الامين “الشيخ علي كاشف الغطاء”زائداً على ذلك ما كنت اقتنيه من كتب يعتبر مجرد قراءتها كفراً، مثل كتاب داروين”النشوء والارتقاء”، ومجلة “العصور” للمفكر الكبير اسماعيل مظهر، وكتب الثائر المتمرد (سلامه موسى)- وما شابه هذا أو ذاك- عدا ما كنت اتلقفه مما يترجم إلى العربية من نتاج العباقرة”.
ذكره عبد العزيز البابطين في معجمه وقال: “قصائده تجمع بين الثقافتين العربية والفارسية، مما يكسبها عمقًا وحيوية وخيالاً خصباً، وتعكس علاقته العميقة بالأعمال الأدبية الكبرى في الأدب الفارسي. يميل إلى استخدام البناء التقليدي للقصيدة العربية، وتعتمد قصيدته ضمير المخاطب الذي يمنحها بعداً جمالياً يعبر عن خبرة بالحياة تتجلى في أبيات الحكمة المتناثرة في ثنايا القصيدة. كما تبرز نزعة التأمل في الكون والحياة والوجود”.
ويورد الكاتب والفنان فلاح محمد مهدي الجواهري جواباً على رسالة وجهتها له قائلاً:
اتذکرہ رحمه اللہ وعاٸلته من الطفولة عندما زرناه في بيته في كرمنشاه – ايران في رحلة الہروب الاولی من العراق في بداية الأربعينيات بعد فشل انقلاب رشيد عالي، وزیارته لنا بعدھا مع عائلته في عام 1946 في بغداد واستقر في بيتنا على ضفاف دجلة في محلة الجعيفر. اتابع اخبارہ الجمیلة وشهرته في ایران کأحد اعظم مترجمي حافظ وسعدي وغیرھم من عظام شعراء فارس، ولا ازال اراہ امامي شاخصا بقامته الفارھة وشبهه العجیب بالجواھري الوالد واعرف عنه انه رجل علماني وبعیدا عن ان يکون (آیة اللہ) فقیھا.
ويروي الصحفي رواء الجصاني، إبن شقيقة الفقيد عبد العزيز الجواهري قائلاً:”وبالمناسبة فمن أهم ابداعات عبد العزيز، الادبية والبحثية، إتمامه لسبعة مجلدات فخمة، حملت عنوان “جواهر الاثــار” شملت الترجمة، شعرا، من الفارسية للعربية، فضلا عن التحقيق والتلخيص لـبعض منجز ” مثنوي”- محمد جلال الدين الرومي. وأمامي الان الجزء السادس من تلكم المجلدات، أهداني اياه عبد العزيز، شخصيا، حين كنت بضيافته، برفقة أخته نبيهة، في طهران وكرمان شاه، خلال تموز “1968.
ومن شعره:
أرى عمر الحياة شواظ نار من الأجسام تكمن في زناد
وما ليل الشباب سوى دخان وما صبح المشيب سوى رماد
ما نشره عبد العزيز في مجلة العرفان عام 1913