حيدر الياسري : لغة الاستبطان بالالوان
ليست البديهة ان تعرض ماعندك لكن البديهة هي ماتكشف للاخر مما هو كامن في ذهنك ، بهذا المعنى تدخل الى عالم حيدر الياسري المغلق ، ذلك لانه فنان من نوع خاص تتركز فيه معاناة تتفجر في اية لحظة معبرة عن رسوم قد لا تجد من يرتقي اليها غير من كابد مشقة كاشفته فهو صادق في ابراز معاناته عبر مخاتلة غير مقصودة يؤطر ها بفرح مزيف وكأنه يعرض مشكلة انسانية عميقة الجذور كتلك التي صورها ( ارسكين كالدويل ) في ( طريق التبغ ) أو ( جون شتاينبك ) في ( شارع السردين المعلب ) انهواقعي حد التخمة لكن هذه الواقعية تتجلى في صور متباينة سواء عبر البورتريت أو في لوحة تتزاحم فيها الالوان لتعطي تشكيلا قل نظيره في مجايليه حتى لكأنك تشعر بأن اعماله الفنية قد سقطت من عالم الاسطورة ولا عجب في ذلك الفتى السماوي الذي اعتصر مردودات السومريين والاكديين ليحولها الى طاقة ابداعية ، فيكفي ان تنظر الى خطوطه وكيف تشكلت عبر خارطة الدراما الانسانية ، لتشعر انك قد عرفت المنهل الرئيس الذي وهبه هذه الطاقة الابداعية ، لقد استحضر حيدر الياسري التراث الحضاري العراقي الذي خلفته سومر واريدو وأكد مع استحضاره للتراث الشعبي الذي مثلته لوحة ( المعيدية ) و ( عجوز من الجنوب ) وغيرها وعبر هذا الاستحضار يجد حيدر الياسري ملزما بالتعبير عن عراقيته ليلجأ الى تجربة اشكال فنية متعددة للتعبير عما يعتمل في نفسه من قلق وجودي يذكرنا بالقلق نفسه الذي كان يعانيه ( سلفادور دالي ) حين ترجمه في لوحة عن الثورة الاسبانية ضد الفاشيةفي عام ١٩٣٦ فهل يحاول من خلال تجربته هذه اعادة تشكيل صورة جديدة لعالمه المعاش ؟ يقينا انه يفعل ذلك ولو عبر حلم يتهاوى عند واقع مرير تتجاذبه حالات القلق المستمرة في رحلة طويلة نحو اكتشاف ماهو حقيقي بالفعل وهي اشبه بمحاولة استيطانية تعبر عنها الوانه المتداخلة والمتدرجة كما هي خطوطه السريعة لتجد طريقها في البورتريت أو لوحة غير مكتملة ، وقلقه في هذه الحال مشروع تماما لأنه في طريق اكتشاف يعبر عنه في كل عمل جديد كما لاحظته في لوحات عديدة عرضها في معرضه ماقبل الاخير . انه فنان مثابر حقا يشهق اللون ويزفر اللوحة ويفتعل اللحظة احيانا في سلوكه ثم يوظفها في فنه ، قد يبدو ساخرا من شيء لكنه في الحقيقة يختزن سخريته هذه ليمنحهاطاقة من نوع فريد تتجلى في اعماله انه اشبه بشخصية ( ايهاب ) بطل رواية ( هرمان ملفل ) (موبي ديك ) دائم الحيرة باحثا عن حل يرضيه هو اولا ، ولا شك عندي من ان حيدر الياسري الذي قاسمته شقته عام٢٠١٠ تستهويه المواقف البطولية الصارمة التي تقتضي حزما من نوع خاص وهذا ماتفعله الوانه حين يستبطنها ليحولها فيما بعد الى تشكيل يمثل أشخاصًا أو أشياء تبتكرها مخيلته لذا فان اكتشاف حيدر الياسري ومهارته تنطلق من رؤية اشكالية لمجمل اعماله لأن بعضها بمثابة مفاتيح لهذا الاكتشاف فضلا عن انه قد يرهق المتلقي بتفاصيل تبدو انها اضافات لكنها في حقيقةً الأمر بقعة ضوء تضفي على العمل الفني جمالية تعكس روحه المرحة التي تختزن حزنا لامفر منه عبر عمله الفني الى مرح لانه مازال يحيا طفولته مستذكرا مرابعها في السماوة والبصرةيوم كان في مراحل دراسته الاولى مسكونا حتى الثمالة فيها حتى لكانني اتخيله الأب ياناروس في رواية ( كازانتزاكي) ( الأخوة الأعداء) أو احد ابطال رواية ( المثقفون ) لسيمون دي بوفوار ، انه يمزج واقعيتهم مايتخيله ليستبطن بذلك طاقته الروحية كما عبر عن هذا المفهوم الفيلسوف الفرنسي ( هنري برغسون ) في كتابه الشهير ( الطاقة الروحية ) لذلك نقرأ في اعماله الفنية ماهو خاف عن المتلقي ومبثوث بالتدرج اللوني لديه وحسبنا في ذلك تأمل بورتيراته التي انجزها للعديد من المشاهير التي يستهويه اضفاء الكثير من التفاصيل مما تختزنه ذاكرته عنها وسافصل ذلك في مقالة أخرى