مخلفات الحروب.. قاتل صامت يتربص بالعراقيين
العراق يحتاج إلى وقت طويل للتخلص من المخلفات الحربية.
يتربص بالعراقيين قاتل صامت يواصل حصد أرواحهم منذ ثمانينات القرن الماضي دون أن يتمكن البلد من وضع حد له، وهو الألغام والقنابل والمخلفات الحربية الأخرى غير المنفجرة.
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن ضحايا الألغام ومخلفات الحروب في العراق، وتشير تقديرات متداولة إلى أن عددهم يتراوح بين 130 ألفاً و250 ألف قتيل ومعاق.
وقال ممثل العراق بالاتفاقية الدولية لإزالة الألغام أحمد عبدالرزاق إن “العراق لا يملك إطارا زمنيا محددا للتخلص من الألغام والمخلفات الحربية في البلاد”.
وأضاف أن “اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد والتي انضم إليها العراق؛ أكدت أن عام 2028 سيكون موعداً لنزع الألغام من عموم العراق في حال توفر التمويل اللازم والفرق التخصصية لعمليات التطهير”.
وأشار عبدالرزاق إلى أن “حجم التلوث الكلي في العراق كان قد تجاوز 6000 كيلومتر مربع، لكن نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلت خلال الفترات السابقة من قبل المنظمات والشركات الوطنية والدولية تم تقليل المساحة إلى قرابة 2700 كيلومتر مربع”.
ولا تتوفر أرقام محلية تقريبية عن عدد الألغام والذخائر الحربية غير المنفجرة في العراق، إلا أن الأمم المتحدة قدرت عددها بـ50 مليونا، أي ما يفوق عدد سكان البلاد البالغ نحو 41 مليوناً.
اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد والتي انضم إليها العراق؛ تؤكد أن عام 2028 سيكون موعداً لنزع الألغام من عموم العراق في حال توفر التمويل اللازم
وابتلي العراقيون بهذه المواد القاتلة بدءاً من الحرب العراقية – الإيرانية التي اندلعت مطلع ثمانينات القرن الماضي واستمرت على مدى ثماني سنوات.
وتركت الحرب وراءها الكثير من القنابل والقذائف والصواريخ غير المنفجرة التي أطلقتها الطائرات والمدافع، إضافة إلى زرع الألغام على طول الحدود بين الدولتين والبالغ 1458 كيلومتراً من إقليم كردستان شمالاً وصولاً إلى محافظة البصرة أقصى جنوبي البلاد.
وقبل أن تلتئم جراح هذه الحرب اجتاح العراق الكويت مطلع تسعينات القرن الماضي، قبل أن يتم إخراجه من هناك على يد قوات دولية قادتها الولايات المتحدة في السابع عشر من يناير 1991، حيث تعرضت مناطق واسعة من البلاد لقصف جوي من طائرات التحالف الدولي.
وفي 2003 اجتاحت قوات دولية بزعامة واشنطن العراق وأسقطت النظام الذي كان يديره الرئيس الراحل صدام حسين، ثم بدأ مسلسل مواجهة الجيش الأميركي وأعمال عنف طائفية استمرت لعدة سنوات.
وخاض العراق آخر الحروب على أرضه عندما اجتاح تنظيم داعش ثلث مساحة أراضيه صيف عام 2014، واستعادت بغداد كامل أراضيها إثر حرب طاحنة استمرت ثلاث سنوات بدعم من تحالف دولي قادته أميركا أيضاً.
وقال مدير دائرة شؤون الألغام والمخلفات الحربية في وزارة البيئة ظافر الساعدي إن “الجهات المعنية وبالتعاون مع المنظمات الدولية تمكنت من إزالة نحو 53 في المئة من الألغام في المحافظات العراقية منذ عام 2004 إلى الآن”.
وأشار إلى أن “العراق يحتاج إلى وقت طويل للتخلص من المخلفات الحربية، لأن هناك مساحات واسعة ملوثة بأنواع مختلفة من المخلفات كالعبوات الناسفة ورؤوس الصواريخ والقنابل العنقودية”.
وذكر الساعدي أن “عمليات رفع التلوث الحربي مستمرة من قبل القوات الأمنية العراقية والجهات المختصة، فيما يركز الجهد الدولي على رفعها في المناطق المحررة من قبضة داعش”.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مارس الجاري بأن مخلفات الحروب تسببت في مقتل وإصابة ستة عشر طفلا عراقيا خلال فبراير الماضي.
وقالت المنظمة في بيان إن “فبراير كان من أكثر الشهور خطورة على الأطفال في العراق خلال الآونة الأخيرة”، مبينة أن “ستة أطفال (جميعهم من الفتيان) فقدوا حياتهم، وأصيب عشرة أطفال (9 فتيان وفتاة) بالتشوّه بفعل المتفجرات من مخلفات الحرب”.
وأضافت أن “هذه المخلفات أحد الأسباب الرئيسية لقتل وتشويه الأطفال في العراق، مع تضرر الفتيان بشكل خاص”.
50 مليونا عدد الألغام والذخائر غير المنفجرة في العراق البالغ عدد سكانه نحو 41 مليونا
وأعربت المنظمة عن “قلقها من ارتفاع عدد الأطفال المتضررين بالمتفجرات من مخلفات الحرب”.
وحثت جميع أصحاب المصلحة على “تسريع الجهود لإزالة الألغام الموجودة والذخائر الحربية غير المنفجرة، وتوسيع التوعية بالمخاطر، وتعزيز مساعدة الضحايا، هذا يصون حق الأطفال في بيئة آمنة”.
وفي محافظة المثنى جنوبي العراق على حدود السعودية قال أحمد حمدان، نائب رئيس منظمة حماية البيئة والتنوع الأحيائي بالمحافظة، إن “الألغام تتركز في ناحية بصية وبادية المثنى وتشكل 90 في المئة من مساحة المحافظة الإجمالية”.
وأضاف أن “المخلفات الحربية تعود إلى قصف قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن إبان غزو العراق للكويت، إذ تعرض نحو أربعة آلاف شخص للقتل أو الإعاقة منذ تاريخ القصف إلى اليوم“.
وأوضح أن “العدد الإجمالي للمتوفين في المحافظة جراء الألغام أصبح الآن أكثر من 1500 شخص، أغلبهم دون الـ18 عاماً”.
وأشار حمدان إلى أن “الألغام تسببت أيضاً في نفوق آلاف الحيوانات من الإبل والأغنام والماعز، فضلاً عن انفجارها على العشرات من السيارات المدنية في تلك المناطق”.