“الحل في مواجهة الإرهاب هو أن تُراجع أمريكا سياساتها الخارجية”
سامر خالد منصور
الفن لغة بليغة وعصا سحرية فكيف إن اجتمعت عدة فنون لتوصل رسالة واحدة.. إنه فن السينما ، حامل الرسالة الأقدر على مرِّ العصور ومعجزة تعبيرية ابتكرها البشر..
تدور أحداث فيلم Unthinkable من إخراج Gregor Jorden حول مواطن أمريكي مُسلم يدعى ستيفان يانغر يسمي نفسه يوسف وقد أدى الدور الممثل (مايكل شين) كان يعمل خبيراً في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية ، ينشر فيديو لثلاث قنابل نووية صنعها بنفسه ووضعها في ثلاثة أماكن مختلفة ، ويهدد بتفجيرها مالم يتم تحقيق مطالبهِ ثم يسلم نفسه للسلطات ، وسرعان ما يتم استدعاء خبراء في مجال التحقيق مع إرهابيين ومن بينهم (اتش) وقد أدى الدور النجم (صموئيل إل جاكسن) و(هيلين) وأدت الدور الممثلة (كاري ان موس).. يباشر(اتش) بتعذيب السجين وقطع أصابعهِ وسط استنكار هيلين والتي تمثل الشريحة الواعية التقدمية والمؤمنة بمفاهيم الدولة الحديثة القائمة على المبادئ الإنسانية وتهدد هيلين عناصر الاستخبارات بأنها ستفضح لاحقاً خرقهم للقوانين الأمريكية التي تحظر التعذيب.. يتم طرح سيناريوهات متعددة حول يوسف والذي تبين أنه خرج تواً من صدمة تفكك أسري حيث طلق زوجتهُ التي أخذت طفليه وهمت بالسفر إلى (السعودية) رغم أن العائلة بأسرها تحمل الجنسية الأمريكية.. وتسعى الاستخبارات الأمريكية إلى احضار عائلة يوسف لتكون ورقة ضاغطة في يدها. وبعد أيامٍ من التعذيب يخبرهم يوسف بموقع القنبلة ولكن يتبين أن هذا موقع قنبلة عادية مجرد تحركهم في العنوان الذي منحهم اياه يؤدي إلى تفجيرها في مركز تجاري قريب مما يؤدي إلى وفاة العشرات من بينهم أطفال.. وهنا تُغير هيلين وجهة نظرها وتميل لمدة دقائق لاستخدام العنف والتعذيب ضد يوسف الذي ينتقل من الأنين والتصرف كأي مُعتقل مُعذب إلى الحديث بنبرة صوت عالية وبأسلوب شخصية قيادية ويطرح مجموعة من المطالب المحقة تتمثل بقطع أمريكا الدعم عن الأنظمة العربية العميلة لها وتعديل بعض سياساتها الخارجية التي تساهم في تخريب المنطقة العربية. إلا أن عنجهية المسؤولين الأمريكيين تجعلهم يهملون مطالبه ويبالغون في تعذيبه.. ثم يحضرون زوجته ويتم ذبحها أمامهُ وسط احتجاج هيلين.. ثم يحضرون أطفالهُ بعد أن زعم (اتش) بأنه لن يؤذيهم ولكنه سيوحي ليوسف بأنه سيعذبهم حتى يعترف بأماكن القنابل ولكن ما أن ينفرد بهم في غرفة مغلقة فيها كاميرات حتى يهم بتعذيبهم وسط استهجان الجميع.. سرعان ما يعترف يوسف بأماكن القنابل الثلاث وسرعان ما يتم إرغام (اتش) على ترك الأطفال وشأنهم من قبل هيلين ولكن (اتش) يطالب يوسف بإخبارهم بمكان القنبلة الرابعة ، حيث يزعم بأن يوسف مازال يخفي أموراً وبأن كل شيء يحدث وفق خطة وضعها يوسف بإتقان.. تسود أجواء من الريبة ويدرك الجميع فجأة أنهم لايعلمون حقيقة حجم الخطر الذي يواجهونه ، وأنه ليس بإمكان أناس متمسكين بالحياة مساومة رجل اختار الموت ولايكترث بالألم الجسدي والتعذيب ويرى (اتش) الرجل الذي عاش حياة غير سوية وشهد حوادث مفجعة لا تحصى ، وهو يمثل الإنسان المادي الذي يؤمن بالعنف وسلطة القوة ، يرى أنه لايمكن لمجتمعات ملحدة أن تُخضِعَ مجتمعات مؤمنة (بعقيدة ما) مالم تتطرف في استخدام القمع والعنف ضدها وحين يرفض مسؤولو الاستخبارات منحه الإذن بتعذيب الأطفال ، يحرر (اتش) يوسف من قيودهِ ثم يلقي خطبة حماسية تجعل المسؤولين يغيرون رأيهم لكن (اتش) يصر أن تساهم هيلين بالتعذيب ويقول: إنها الوحيدة هنا غير المتورطة في التعذيب.. يغضب المسؤولون بسبب ضياع الوقت الذي بات حساساً في نقاشات تبدو بلا نهاية بين (اتش) وهيلين ويهدد أحدهم (اتش) بالسلاح بسبب رفضه متابعة تعذيب الأطفال فتشهر هيلين السلاح على المسؤول رفضاً منها لتعذيب الأطفال ونصبح أمام مشهد بليغ فيه دائرة من الأمريكيين المرتابين الخائفين الذين يوجهون أسلحتهم كلٌّ باتجاه الآخر والذين يمثل كلٌ منهم تياراً من الأمريكيين.. يقول المسؤول الامريكي ل(اتش) تذكر أن لديك أطفالاً وأن بإمكاننا أن نعذب أطفالك إن لم تنفذ أوامرنا.
يغافل يوسف أحد الحراس وينتزع سلاحه وينتحر بهِ.. ينطلق رجال الأمن إلى العناوين التي اعترف بها يوسف ويفككون القنابل ويعانقون بعضهم البعض بعد تفكيكها ولكن الكاميرا تتجه إلى خلف أحد الجدران لترينا قنبلة توشك أن تنفجر ، هم في غفلة عنهم.. نعم ، مهما فعلت لمكافحة الإرهاب ومهما فككت من قنابل ، هناك قنبلة أخرى خلف جدارٍ ما ، بانتظار أن تنفجر طالما لم تتسم بالمرونة لمراجعة نفسك وحل المشكلة من جذورها.
– ولعل خلاصة القول: العنف والعنف المضاد لم يعد مُجدٍ ويترك المنغمسين فيه أمام احتمالات مفتوحة من الخراب والموت.
– كل من يواجه العنف بالعنف ينتهي به المطاف كإرهابي بشكل أو بآخر.. كثرٌ من باتوا يحاولون الظهور بمظهر الشيطان الأكبر في سبيل أن يذعن الخصم ويستلم لهم ، إن محاربة الشر بالشر هي ما يفسد العالم والغاية لا تبرر الوسيلة.
– تعنت أهل السلطة يتسبب بموت الأبرياء.
وقد امتاز الفيلم بالحبكة المحكمة والإيقاع الدرامي المتسارع تصاعدياً وبتكامل العناصر الفنية من حيث الحركة الذكية للكاميرا وأداء الممثلين الذي جاء بسوية عالية والحامل الأنثروبولوجي المُقنِع للسيناريو من تأليف Oren Moverman و Peter Woodward.