الشاعر والمفكر وسيم الروسان رائد الأدب الوجيز
سامر خالد منصور
الشخصية العربية التي غصّت عبر العصور بالشوفينية وسقطت في مطب الأيديولوجيات وعانت من واقع اجتماعي بائس تطحنه رحى من استعمارٍ واستبداد على مرِّ العصور مما جعلنا نجد كثيراً ممن يكتب أدباً مُتشظٍ لا يفضي إلى شيء ونجد من يمزج النقد الاجتماعي بالهجاء ، أو تغلب عاطفة الألم لديه على الحكمة ” مقولة القصيدة ” ، أو من يوغل في طرح الأسئلة حد دخول قصيدته في حيز السيرة الذاتية والهذيان المُثقل بالموروث الحضاري والمجد المُستدعى من غير زمان ومكان !
وتارةً نجد أنفسنا أمام شعراء المناسبات ، ولم يعد بين أيدينا مناسبات فرادى فهاهو الوطن العربي يسقط هنا وهناك من يَمنه إلى ليبيَّته في صراعٍ رخيص على الثروات والسلطة اشتركت فيه حثالات الداخل وحثالات المشارق والمغارب ولم يستطع الشرفاء والوطنيون فيه تشكيل قيمة فارقة حاسمة .
فماذا يخسف الشِعر على سوءتنا بعد كل هذا الانحطاط ؟! لكن كما راجعت كثيرٌ من أمم الأرض أزماتها في المنحيين السيكولوجي والسوسيولوجي عبر مفكرين وأدباء سابرين فيما يكتبون فحققت بمتراكم ما أنتج هؤلاء تنويراً أسس لنهضة عظيمة ومنع التاريخ من أن يعيد نفسه بأسوأ ما فيه ، كذلك نجد هذا النوع من الأدب التنويري ذو الحس النقدي العالي حيث النص لولبي لجهة الكشف والاستقراء للشخصية العربية ، هذا سبب اختياري لما خطه الأديب وسيم روسان ، لكن مع الأسف بقي هذا الأدب السابر العميق أشبه بتقاسيم وعزف منفرد وسط الحالة الكورالية للأدباء المؤدلجين ، ولآخرين أحرار لكن بعثرهم البؤس فيما يكتبون أو أثقلهم عنفوانهم وشوقهم للكرامة السلبية التي قرأوا عنها في كتب التاريخ فانشغلوا باستجلاب رموزه و باستقراء الشخصية العربية المندثرة ، مما جعلنا نتعثر بشعر يحمل النَفس الندّي أو الحماسي ، بعيداً عن أكثر ما نحن في حاجة إليه ألا وهو الموضوعية في الطرح ونقد الذات والظواهر و وضع الشخصية العربية الحالية موضع الاختبار والتأمل بعيداً عن قياسها على ماضيها لجهة الصراع مع الآخر . وهذا ما عمد إليه الأديب وسيم الروسان في ميله للتحليل النفسي على الطريقة الفرويديّة وسوى ذلك مما من شأنه أن يُبين مكامن الخلل و الهشاشة في الشخصية العربية التي أنتجت هذا الواقع الفوضوي الذي تجلت قابليته الكبيرة للتداعي في العَقد الأخير من الزمن .
ولما كان ” الشاعر ” جزءاً من المجتمع المنكوب بكثيرٍ من أنواع الخلل والكآبة والبؤس ، تطرق الشاعر وسيم الروسان في أدبه الوجيز من شذرات ومدارات وهايكو ومشتقاتٍ للهايكو إلى أصناف الشعراء وطرائق تفكيرهم ومعاناتهم بوصفهم ذاتاً فريدة تتصادم مع واقعها العجيب في ضحالته وعُقده ، و تخز نفسها بما ازدحم فيها من أشواكٍ تفرِّقُ وردتها وتبعثرُ حبة نَداها فلا يفوح عطرها على النحو المأمول ، فتعجز شمس الوضوح والحقيقة أن تجد لنفسها مرآةً في نداها ، فنجد إشكالية فهم الذات وإشكالية فهم الآخر وإشكالية محاولة فهم الذات عبر الهرب منها إلى الآخر ” المرأة ” في دائرة من التغذية الراجعة تفجر ذلك الألم النفسي العظيم الذي يجعلنا نستحضر شخوص وأحداث ” الميثولوجيا الكبرى ” ولغة مكثفة عبر الرمز تُجَسِّرُ بين ما حدث في الميثولوجيا وبين ما يحدث في واقعنا ، في ضوء كل فكر نقدي تأملي سواء كان شرقياً أو إسلامياً أو فرويدياً أو باشلارياً أو درويشياً .. إلخ ليصل الشاعر والمفكر وسيم روسان إلى مقارباته واستقرائه وكشفه حيث يطرح أحياناً في نصوصه برغم قصرها المسألة من سببها إلى نتيجتها التي تغدو سبباً لنتيجةٍ أخرى ، تركيباً ، أو من ثمرتها إلى جذرها ، تحليلاً ، أو حتى إلى بذرتها المنشئة وخيطها المنحرف الذي نما واستطال وتشعَّبَ ثم تداخل واستدار مِشنقةً تخنقُ النَفسَ بما لا تفهَمه . وهنا يكمن التكثيف المبهر الذي يفجر طاقة المذهب الرمزي وكأن له من الأدب موضع اليورانيوم المُشبع ” المخصّب ” من العناصر الطبيعية ، فتشعُّ الدلالة محدثة العصف الذهني .
في ذروة العطش ارتويت ؛
كأن الماء عصير النار
أشربه على رمادي !
وكأن هذا القلب
يفتح على سرير الموت
عينه الأخرى المليئة بالشمس !
*********
” إن كيان المنافق خاضع كلياً
لسلطان مخاوفه .
ربما لهذا يملك من المكر
ما لا يمكن حتى للمفكر العبقري
اكتشافه وسبر أغواره .
لكن ، لحسن الحظ ،هو لا يتجول
مطلقاً ” في ميدان الحقيقة “
لأن ذلك يزلزل إدعاءاته ذاتها استناداً
إلى سلطان مخاوفه ذاته !
*********
لا يرتكب الحمار معجزة الصهيل
” إلا ليثبت شيئاً ” واحداً :
أن الحصان الأصيل
كان على خطأ !!
*********
يحدودب الوقت عند الظهيرة !
في الحديقة ، على المقعد المقابل
يسقط شيء بخفة
يبدو من قرب كبراز طائر..
يتقعر أوديب بينما تصطاده الغانية !
**********
في حربي اﻷولى طعنت في الظهر
لكني تمالكت نفسي، ورفعت سماء الدرب
وهكذا حررت أصدقائي
من لعنة الخيانة !
في حربي الثانية طعنت في القلب
لكني لم أصافح الموت،
وتابعت مجرى النهر
وهكذا حررت امرأتي
من سخط الحب !
ومازلت أخوض المزيد من الحروب
وأتلقى المزيد من الخناجر
لكني لن أسقط
قبل أن أحرر أعدائي
من وهم الخلود !
********
لماذا كائنات المستنقع
لا تكف عن حكاية
الضفدع الأمير ؟!
********
أحياناً لا أفهمك أيها الحُب /
طيفَ لِمنحنٍ ان يمشي
على سراطٍ مستقيم ؟!
********
في مرآة القصيدة ينظر نرسيس
إذا ما أراد ان يرى صورته الجميلة .
لكن في مرآة من تنظر القصيدة
إذا ما أرادت أن ترى صورتها الجميلة ؟!
كيف استحال نرسيس شاعراً
والبحيرة قصيدةً ؟!
وكيف أمكن في زمن الحداثة
أن تتكرر المأساة ؟!
كيف استطاع شاعر
على مرأى من الحب
أن يغرق في قصيدته ؟!
*********
ارسمْ حفرةً عميقة
ارسم نفسَك داخلها
كما ينبغي لطفلٍ مخادع
ودعِ الجميعَ يحاولون انقاذك !
وكممثِّل يخلعُ قبعةَ الحِدَاد
امنح ظلَّكَ الصغير
ساعةً من الضحكِ المتواصل .
*********
-1-
في حياتي الثانية :
سأنظر إلى الشوكة
لكي أرى الوردة !
ثم سأجرح الوردة
لكي أدخل الحديقة !
ثم سأضيع في الحديقة
لكي يجدني الحب !
– 2 –
في حياتي اﻷولى !
في البئر ، بئر القصيدة
بكى علي الحب حتى ابيضت عيناه !
– 3 –
في البرزخ :
ﻷن القصيدة قميص من نور الكلمات ،
ولكي يبصر معلمي اﻷعمى
احترفت الحياكة بعد الممات !!
– 4 –
بمحض إرادتي
نزلت إلى الجب
وﻻ دور ﻹخوتي ،ولكن
لغاية في نفس الحب !
– 5 –
هكذا تعلِّمُني الفراشة ،
والعنقاء تعلمني
أن احترق وأن أتحول ..
ويُعلِّمُني الله أن أدخل .
********
الحداثة :
قصيدة معصوبة العينين
يتخبط في أثرها
قارئ مفقوء القلب
يتكئ على ناقد أعمى
لا حول له ولا قوة !
********
رفعتها إلى مقام الآلهة /
أنزلتني إلى مرتبة العبيد /
يالها من عِظة !
********
من أجل الطمأنينة
تستعين الرغبة بالصلاة .
من أجل الصعود
يستعين الماء بالنار .
من أجل التحول
تستعين الحياة بالموت .
هكذا بينما أراقب من شرفتي
كيف يستعين الضوء بالعتمة ،
والصحو بالنوم …
أقول لنفسي :
من أجل الصمود والثبات ،
والانبعاث والتخطي ،
والتجاوز والعبور ،
والتجدد والتشكل ،
والغوص والكشف ،
والاتصال والتجلي …
يستعين الرجل بالمرأة .
*********
مازال نهاري يميل إليك .
مازال ليلي يسيل على الورق !
و مازلت أحبك :
سمائي تمشي على البحر فيك ،
لكن بحري يخاف من الغرق !
و مازلت أحبك :
فلا تسألني حبيبي
لماذا ابتعدت حد الأرق ؟!
- تمت –