هل حقّق مؤتمر بغداد الأوّل 2021 أهدافه ليُعقد مؤتمره الثاني
سنة 2022 في الأردن..!؟
زكي رضا
انطلقت في الأردن الثلاثاء (20 ديسمبر/ كانون الأول 2022)، أعمال مؤتمر بغداد الثاني ، الذي أنهى أعماله ببيان ختامي أكّد فيه المشاركون وفي مقدمتهم فرنسا وأطراف أقليميّون من أنّهم سيواصلون “التعاون مع العراق لدعم استقراره وسيادته والعملية الديمقراطية في هذا البلد”. كما أصدر الأليزيه بيانا إثر أختتام أعمال المؤتمر أشار فيه الى تقديم المؤتمر” الدعم لاستقرار العراق وأمنه وازدهاره، ودرس الوضع في المنطقة بأسرها، باعتبار أن العراق بلد محوري فيها”. وقبل الخوض في نتائج المؤتمر على ضوء بيانه الختامي ومدى تأثيره على إستقرار العراق والعملية ” الديموقراطية” وسيادته، علينا العودة الى مؤتمر بغداد الأوّل لنرى إن كان العراق قد حقّق ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي أنعقد ببغداد في ( 28 أغسطس/ آب 2021 ).
تناول مؤتمر بغداد الأوّل جملة قضايا ومحاور لخصّها البيان الختامي بمجموعة من التوصيات، وقد جرى فيه التوافق مثلا على ” ضرورة تعزيز الجهود مع العراق للتعامل مع التحديات الناجمة عن التغيير المناخي والاحتباس الحراري”. كما أكّد البيان الختامي وقتها على أنّ التعاون بين بلدان المنطقة ” لم يكن ليتحقّق
بدون نوايا صادقة على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأحترام السيادة الوطنية”. ولم يغفل البيان الختامي لمؤتمر بغداد الأوّل ” الإشادة بجهود الحكومة العراقية في إطار تحقيق الإصلاح الاقتصادي بالشكل الذي يؤمن توجيه رسائل إيجابية تقضي بتشجيع الاستثمار في مختلف القطاعات ويعود بالنفع على الجميع ويخلق بيئة اقتصادية مناسبة ويعزز عملية التنمية المستدامة وخلق فرص العمل”، فيما أمتدّ قطار التعهدات ” إلى محطة دعم جهود حكومة جمهورية العراق في إعادة الإعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص، وملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة إلى مناطقهم بعد طيّ صفحة الإرهاب”.
أمّا في القمّة الثانية فقد شدّد المشاركون في القمة، التي عقدت بمنطقة البحر الميت في الأردن، ” على دعم جهود العراق لتحقيق التنمية الشاملة، والعمل على بناء التكامل الاقتصادي والتعاون معه في قطاعات عديدة، تشمل الطاقة والمياه والربط الكهربائي والأمن الغذائي والصحي والنقل ومشاريع البنى التحتية وحماية المناخ. وتحدث البيان الختامي عن ” دعم العراق في جهود ترسيخ دولة الدستور والقانون وتعزيز الحوكمة وبناء المؤسسات القادرة على مواصلة التقدم وإعادة الإعمار وحماية مقدراته وتلبية طموحات شعبه”. كما أشار البيان الى ” التعاون مع العراق في دعم أمنه واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلًا لحل الخلافات الإقليمية. فيما تأملّت فرنسا من المؤتمر في طرح مسائل تشغل جميع بلدان المنطقة مثل أمن الطاقة والغذاء والاحتباس الحراري والربط الكهربائي والتغيرات المناخية”.
في المؤتمرات الدورية كمؤتمر بغداد، عادة ما تكون الملفّات السياسية والأقتصادية والأمنية المطروحة أمام المؤتمريِن، عبارة عن مراجعة لتوصيات البيان الختامي للمؤتمر الذي سبقه حول تلك الملفّات وما تمّ أنجازه في الفترة بين المؤتمريَن. وبعد مراجعة ما تمّ أنجازه وتعهد بما سيتم أنجازه لحين أنغقاد المؤتمر الذي يليه يخرج عن المؤتمر بيانه الختامي، ولمعرفة نجاح المؤتمرَين من عدمه، علينا مراجعة ما جاء في بيانيهما الختاميين وما تحقق من الأول، وقراءة لا بدّ منها لتوصيات المؤتمر الثاني.
أكدت إحدى توصيات المؤتمر الأوّل على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأحترام السيادة الوطنية”. فهل أحترم الموقّعون الدولة العراقية بأحترام سيادتها وعدم التدخل بشؤونها الداخلية، والقوات الإيرانية والتركية تقصفان الأراضي العراقية متى ما يريدان ولديهما فيه معسكرات علنية وشبه علنيّة وسريّة!؟ وهل أحترمت الدولة العراقية شعبها ووطنها وهي عاجزة نتيجة نظام المحاصصة عن حمايتهما من التدخلات الأجنبية، هذا إن لم تكن تيّارات فاعلة بالدولة تعمل لصالح عواصم أقليمية وعلى الضد من مصالح العراق وشعبه.
الأصلاح الأقتصادي كان من ضمن توصيات المؤتمر الأوّل، وأشاد بيانه الختامي الى جهود الحكومة العراقية في هذا المجال من خلال تشجيع الأستثمار وتعزيز عملية التنمية المستدامة وخلق فرص عمل!! لو تركنا أستثمارات الشركات النفطية جانبا، فهل تواجد مستثمرون في قطّاعات الزراعة والصناعة والكهرباء ليتحرّر العراق من إقتصاده الريعي الذي يصل الى 98% من وارداته وفق تقارير البنك الدولي؟ علما أنّ الفساد المستدام للدولة العراقية بمؤسساتها المختلفة هي العائق الأكبر أمام تحقيق التنمية وبالتالي توفير فرص العمل، حيث نسبة البطالة والفقر تزدادان سنويا وفق الأرقام الرسمية. وأستشراء الفساد وعدم أمكانية كبح جماحه، يعني أن مسألة بناء نظام حكم ديموقراطي حقيقي غير ممكن مطلقا.
لقد التهم مارد الفساد والميليشيات منذ الأحتلال لليوم كل أمكانيات ممكنة للدولة في أعادة الأعمار وتوفير الخدمات وبناء البنى التحتية المتهالكة، فيما قضت الأتاوات على أمكانية مشاركة رأس المال الوطني والأجنبي في النهوض بالواقع الأقتصادي للبلاد. ولم تتقدم عملية ضمان العودة الطوعية للنازحين وأنهاء ملّفاتهم، قيد أنملة لليوم. فنهاية الأرهاب وهو البوابة لأنهاء هذا الملف الأنساني والوطني، لن يتم والسلطة بحاجة الى أستمرار الأرهاب كشرط من شروط بقائها. وعليه فأنّ قطار تعهدّات المؤتمر الأوّل والثاني والذي سيليه سيبقى كما هو في محّطته الأولى يأكله الصدأ والغبار وحرارة الفساد والأهمال.
من الأمور المهمّة التي تناولها المؤتمر الثاني هو الديموقراطية وأمن الطاقة والغذاء والاحتباس الحراري والربط الكهربائي والتغيرات المناخية، ولو تركنا الديموقراطية جانبا لعدم توفر مقوّمات نجاحها بالبلاد لأسباب عديدة ومختلفة. سنرى أنّ بقية النقاط تقع ضمن ملفّ واحد تقريبا كونها مترابطة مع بعضها، والبدأ بحلّ مشكلة أحداها سيفضي الى حل البقيّة، أي أنّها أشبه بأعادة بناء قطع الدومينو المنهارة.
التغيّرات المناخية والأحتباس الحراري مشكلة عالمية، والعراق كما بقية بلدان العالم يتأثر بها. لكن العراق كبلد نفطي يحرق كميات كبيرة من الغاز المصاحب للنفط، علاوة على حرقه كميات من النفط المستخرج أيضا “بسبب عدم توفر المنشآت اللازمة لمعالجته وتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي أو للتصدير” من جهة، ولفتح أسواقه أمام الغاز والنفط الأيراني من جهة ثانية. وتوفّر الغاز وعدم حرقه يعني علاوة على تحسين الوضع البيئي بالبلاد، تحسين واقع الكهرباء وزيادة الطاقة النظيفة من خلال أستغلال الغاز الوطني في تشغيل هذه المحطّات. وتوفّر الكهرباء يعني البدأ تدريجيا بتنوع الأقتصاد الوطني وعودة المشاريع غير النفطية للنمو والتطور نتيجة توفر الطاقة الرخيصة، وهذا يعني توفير فرص عمل لقطاعات شبابية واسعة تعاني من البطالة، علاوة على توفير العملة الصعبة التي تدفعها البلاد لأستيراد الغاز والمشتقات النفطية والكهرباء من قبل دول الجوار.
يقول الخبير البيئي والمناخي العراقي أيمن هيثم قدوري، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”:
البنك الدولي وضع النقاط على الحروف وأكد الحقائق المثبتة حول التدهور البيئي والمناخي العراقي، من خلال تقرير المناخ والتنمية الصادر عنه في نوفمبر الماضي.
العراق يعاني أزمة تنمية متعددة الأوجه، أخطرها الأزمة المناخية الحادة التي تهدد الأمن الغذائي والسلم الأهلي والتنوع المجتمعي فيه، وظهور حركة تنمية غير مستقرة ترتكز على اقتصاد ريعي نفطي بنسبة 98 في المئة.
مشكلة العراق لا تُحل بالمؤتمرات والتوصيات، ومثلما لم يتم تحقيق أي تقدم لأوضاع العراق في الفترة ما بين المؤتمرين الأوّل والثاني، فأنّ عملية تحقيق نتائج أيجابية منذ اليوم وحتى أنعقاد المؤتمر الثالث ليس سوى سراب.
حل مشاكل البلد تبدأ بمحاربة الفساد من خلال تقديم رؤوسه الكبيرة للمحاكمة العلنية وأسترداد ما نُهب، وهذه الخطوة ستليها محاكمة رجال العصابات والميليشيات كونهم سيدافعون عن أنفسهم وشركائهم، والخطوتان بحاجة الى إرادة سياسية وقضاء نزيه ومستقل، ومجموع هذه الخطوات لن تتحقق الا بقبر نظام المحاصصة. وقبر نظام المحاصصة لن يتم عبر صناديق الأقتراع، وأن تمّ ذلك فأننا بحاجة الى دورات أنتخابية عديدة، ووقتها يكون العراق أطلال تنعق فيه غربان الطائفية.
العراق لن ينهض الّا بتثوير الجماهير وتثقيفها في مواجهة السلطة الحاكمة وأدواتها، وهذا يتطلب قيادات وطنيّة واعية بحجم المهام الملقى على عاتقها، إننا بحاجة الى أنتفاضة أقوى من أنتفاضة تشرين التي أرعبت سلطة الفساد وحماته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زكي رضا
11/1/2023