تعتبر لعبة كرة القدم في انكلترا هي الأكثر شعبية في البلاد وجمهورها متعصّب جدا لفرقها، بغضّ النظر عن الدوريات التي تلعب بها تلك الفرق سواء كانت في الدوري الممتاز أو غيره، ومن الأندية التي لها باع طويل في كرة القدم الانكليزية هو ناديي ليفربول الملقّب بالحُمْر، ويتسّع ملعبه المعروف يإسم الأنفيلد لما يقارب الخمسة وخمسون الف متفرّج. وعلى الرغم من أنّ النادي تأسّس أواخر القرن التاسع عشر، الّا أنّه أصبح جزءا مهما من المدينة التي تأسّست بداية القرن الثاني عشر وتاريخها الطويل كميناء مهم غرب البلاد. وليفربول علاوة على كونها ميناء، تتميز بكونها مدينة صناعية وفيها العديد من الجامعات المرموقة على مستوى العالم، كما وفيها العديد من المراكز الثقافية والمسارح وغيرها من دور الثقافة المهتمّة ببناء الإنسان.
سكّان المدينة هم كما سكّان باقي انكلترا، يتمتعون بدراسة مجّانية في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها، كما ويتمتعون برعاية صحيّة مجانيّة ومتطورة، ونظام رعاية إجتماعية متقدّم يوفّر حماية للأطفال والبالغين بمنحهم رواتب الإعانة ودعم إحتياجاتهم المختلفة، وعلى الرغم من أنّ سكّان المدينة يتمتعون بهذه الإمتيازات، وعلى الرغم كون مدينتهم مدينة صناعية ومركز ثقافي وعلمي مهم بالبلاد، الّا أنّهم يبدون تذمرّهم من أوضاع مدينتهم. وعادة ما تعبّر المدينة عن تذمرّها في ملعب آنفيلد، أثناء مواجهات فريقهم مع الفرق الأخرى، ويكون التذمّر على شكل معارضتهم للعائلة المالكة وعدم إحترامهم للنشيد الوطني للبلاد.
بعد وفاة ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية مؤخرا وعلى غير العادة إحترمت جماهير النادي دقيقة الصمت حدادا على وفاة الملكة، أثناء إستضافة الفريق لنادي أجاكس امستردام الهولندي وقد كتبت الصحف الريطانية وقتها، من أنّه التزام نادر لجماهير النادي، هذا الجماهير التي تغنّت في نهائي كأس الإتحاد الانكليزي عام 1965 بـ ” حفظ الله فريقنا” عوضا عن نشيد ” حفظ الله الملكة”، كما وكانت لها صرخات إستجان أثناء عزف النشيد الوطني عام 2012 وكذلك في شهر آيار/ مايس الماضي أثناء عزفه في نهائي كأس الاتحاد الانكليزي، ما دفع برئيس الوزراء بوريس جونسون وقتها على إدانة تصرفات الجماهير، فيما كانت كلمات المدرب يورغن كلوب عميقة جدا حينما قال “لن يفعلو ذلك لو لم يكن هناك سبب.. يجب أن نفهم لماذا؟”.
سكّان المدينة يعبرّون عن أستيائهم، كون مدينتهم عانت من التهميش خلال فترة السبعينات والثمانينات. وفي العام 1981 اندلعت مواجهات في المدينة احتجاجا على الأوضاع الصعبة، والتي أستمرّت لمدة تسعة أيّام. هذه الأحداث والتوترات، جعلت سكان ليفربول” يعتبرون أنفسهم غرباء ومنفصلين عن بقية البلاد” !! وعلى الرغم من كل الأمتيازات التي يتمتع بها البريطانيون، قال جون جيبونز أحد مشجعي النادي لراديو بي بي سي وهو يعبر عن إستيائه من أوضاع المدينة “إنه أمر يشعر به مشجعو ليفربول بشدة. إنها مدينة تريد أن تتحدث بصوت عالٍ حول كيف يجب أن نعيش في مجتمع أكثر عدلا”!!
إنتهت الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين/ اكتوبر بشكل خجول ومأساوي ومؤسف، بعد فشل منطمّوا التظاهرات بحشد جمهور على عدد مقاعد انفيلد ليعبر عن حاجاته وحاجات الملايين الصامتة التي تجتر الدين والمذهب كغذاء يومي وعلى مدار العام، بعد أن حولّت حياتها وحياة أبنائها الى طقس جنائزي بكائي لا يعرف معنى للحياة والفرح. ملايين من البشر يعيشون في مدن محطمّة، حيث لا خدمات ولا رعاية صحيّة ولا تعليم ولا ثقافة، ملايين تسير مئات الكيلومترات لأحياء طقوسها، ولا تخرج للمطالبة في أن تعيش بشكل آدمي. هذه الملايين المسحوقة والمهمشّة والمهشمّة ستبقى كما هي عاجزة عن تغيير اوضاعها، طالما تفكّر بشكل الحياة بعد الموت عوضا عن شكل الحياة اليوم.
هذا ليس يأسا من الواقع المزري الذي نعيشه في ظل سلطة المحاصصة والإسلام السياسي، بل صرخة في أنّ بغداد التي تلفظ انفاسها الأخيرة، عليها أن تصرخ بصوت عال وعال جدا لتطالب في أن يعيش أبنائها وأبناء العراق في مجتمع اكثر عدلا…
لنتعلم من ليفربول ونحوّل ملاعبنا وفي كل مباراة الى ملاعب نضالية، نهتف فيها ضد اللصوص والقتلة وبيّاعي الوطن، نهتف من اجل غد اجمل لبلادنا وشعبنا.. ما أجمل ان يكون ملعب الشعب كما أنفيلد منصّة للغضب والحقد الشعبي على السلطة وأحزابها وميليشياتها وعصاباتها ومنابرها…