في بغديدا أمطرت السماء نارا
زكي رضا
ليست الحمدانية بل بيث خوديدا، بيت الشباب بالآراميّة. بيث خديدة، بيت الله بالفارسيّة. نعم هي ليست الحمدانية وليس من حقّ أحد أن يطلق عليها أسم غير أسمها (باخديدا/ بغديدا)، التي قال فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان “باخديدا قرية كالمدينة شرقي الموصل، تبعد عنها سبع فراسخ، كل أهلها نصارى وهي من آثار نينوى”.
في هذه المدينة مشى المسيح حاملا صليبه بصبر والنار تحرق جسده وخلفه الحواريّون ينظرون للرب في أعالي السماء بعيون ملؤها الدموع، في أزّقتّها ركضت العذراء حافية تصرخ هول الكارثة. بغديدا أبتلعها الدخان بعد أن أمطرت السماء نارا، بيث خوديدا، كانت شاهدا على شباب يرقص على لهب النيران، أنّه الموت الذي كان يتجول في شوارعها. في قاعتها حيث العروسين يرقصان، دقّت ساعة القدر وفقدت باخديدا توازنها، فسقطت والنار تلتهمها.
لم يترك الرهبان بخديدا تحترق، فنزلوا أقبيتهم حيث دنان النبيذ الأحمر كلون الدم، فحملوها ليصبّوها على النيران كي تثمل وتترك الفتية يعيشون ويفرحون. لكن ويا للأسف فقد تآمرت النيران وهي تشمّ رائحة الشواء مع الفاسدين القتلة على عدم شرب النبيذ، لتشوي متلذذّة أجساد الفتية الجميلة.
في اللحظة التي شويت بها الأجساد، وصرخت الأرواح وهي تطير الى حيث الرب في عليائه، أمر الله ملائكته، لينتخبوا أفضل قاعة أحتفالات بالجنّة. وأشترط عليهم، أن تكون بلا سقف، كما أصدر أوامره بنفس الوقت للشياطين أن ينتخبوا أسوأ مكان في الأرض، على أن يكون بسقف!! فوقعت الملائكة في حيص بيص من أوامر الله هذه، أمّا الشياطين فأنّها سارعت لتلبية طلب الله على عجالة. على الرغم من تعجّب الملائكة من أوامر الله هذه، وهو الخبير بأزّقة الجنّة زقاقا زقاقا، فأنّهم أنتخبوا ركنا شمال الجنّة أسمه بغديدا ليبنوا فيها قاعة حسب مشيئة الله، وجعلوها كما شاء الرب بلا جدران ولا سقف. أمّا الشياطين، فكانوا أسرع من الملائكة في تنفيذ طلب الله، فنزلوا كلّهم الى منطقة في الأرض أسمها العراق، وجعلوا بدل السماء سقوف تغطّيها، سقوف تنثر النار والموت، على شوراعه ومساجده وكنائسه، سقوف تمنع الهواء، ليختنق الجميع..
أيّها الضحايا ماذا تريدون من هذا الوطن، ماذا نريد نحن ” الأحياء” من هذا الوطن؟ هل هو وطننا، أم وطن الفاسدين الذين بفسادهم نُشوى؟ دعونا نبني وطن بلا سماء، فسماء بلادنا لا تمطر، الا الجوع والفقر والمرض والجهل، سماء بلادنا ملبّدة بالموت…
من واجب الحكومة المركزية اليوم وأحتراما للأجساد الطاهرة التي أحترقت بنار الفساد، أن تعيد للمدينة أسمها الذي فقدته بقرار بعثي في سبعينات القرن الماضي. كونوا عراقيين وليكن أسم المدينة وبقرار حكومي بغديدا – بخديدا بالسرياني “ܒܓܕܝܕܐ”. لا تخافوا التنوع الديني والقومي والطائفي، فعراقنا أجمل بهذا التنوع.
عندما كانت بغديدا تحترق، أحترق معها العراق المسالم والمتنوع..
سلاما الى تلك الأرواح التي ستبثّ شكواها حتما الى الرب، وهي تشير الى القتلة..
سلاما الى تلك الأرواح التي أبكت العذراء، وجعلت المسيح يتيه بين الجبال حاملا صليبا من نار..