عمر الخيّام الى الفضاء وابا نؤاس تُقَطّع أوصاله
زكي رضا
مرّت على البشريّة منذ القدم ولليوم حضارات وأمبراطوريات ودول وأقوام أنتهت وتلاشت لتحل غيرها محلّها لأسباب عديدة، منها هزيمتها عسكريا أو نتيجة عوامل طبيعية كالجفاف والأوبئة وغيرها. لكن وعلى الرغم من مرور آلاف السنين على أنهيار تلك الحضارات والدول، نرى أمرا عصيا على الأنهيار ولا زال يبهرنا نحن أبناء هذا الزمن الرديء، ولا أعني هنا الّا نحن العراقيون الذين أبتلينا بأشباه ساسة وأشباه رجال وهم يقودون بلد نشأت فيه أعظم وأقدم الحضارات الى مستنقع الموت، هذا الأمر هو فنّ وعمارة تلك الحضارات التي لازالت لليوم باقية لتذكرنا من أنّ الفنّ بكل أشكاله ومنه النحت لن يموت ولن ينهار.
لقد ورثنا نحن العراقيون الإزميل من حضاراتنا التي سبقت الهجمة البدوية المتخلّفة القادمة من عمق الصحراء والبداوة، ومعها آلة القتل التي دمرّت ولازالت أرض الرافدين. فبالإزميل نحت الفنّان العراقي الأسود والثيران المجنّحة للملوك والأمراء، ونحت النصب التذكارية وتفننّ في زخرفة الأبواب العظيمة للقصور. والفنان أسماعيل فتاح الترك ومن معه من النحّاتين والفنّانين العراقيين ورثة ذلك النحاّت الذي برع بإزميله وهو ينفخ الروح في حجر الصوان لينحت تماثيل كأنّها الآلهة. فتمثال الشاعر العبّاسي أبا النوّاس هو نتاج الإزميل العراقي الذي علينا أن نفتخر به اليوم وغدا، فهل ورثة القادمين من عمق الصحراء وعاشقي البداوة لهم الحق في أن يجعلوا من بغداد الأزل أشبه بمدينة للصرائف بقرية مهملة، ومن أعطاهم هذا الحق!!؟
الفرس أصحاب حضارة موغلة بالتاريخ وأمتدّت أمبراطوريتهم من بحر إيجة في الغرب إلى حدود الهند في الشرق ومن جنوب مصر إلى البحر الأسود وجبال القوقاز في الشمال. وكما كان للإزميل العراقي دور محوري فيما وصلنا اليوم من تماثيل ورُقم تملأ متاحف العالم، فللفرس إزميلهم الذي أبدع أيضا في نحت التماثيل والنصب الأثريّة. لكنّهم ولأنهم مدينيون وليسوا قرويين كما حكّامنا والسواد الأعظم من شعبنا، تراهم يحترمون تماثيل فنّانيهم ويحافظون عليها. فالفردوسي وهو شاعر حفظ اللغة الفارسية من الأندثار بعد الغزو العربي لبلاده بكتابته ملحمة الشاهنامة ( كتاب أو ملحمة الملوك)، له تمثال كبير يتوسّط حديقة غنّاء في ساحة تحمل أسمه بقلب العاصمة طهران، وطالما كان حكّام العراق اليوم يتسكّعون عنده وهم يدخلون ويخرجون من مقرّ المجلس الأسلامي الأعلى قرب الساحة التي تتوسط شارع الفردوسي حينما كانوا “يجاهدون” من أجل تقدّم العراق وشعبه مثلما كانوا يشيعون، وإذا بالعراق عهدهم خرائب تنعق فيها غربان الفساد والقتل والجريمة!! أمّا الشاعر وعالم الرياضيات الذي اشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم أي عمر الخيّام، فهناك شارع وسط الحي التجاري في طهران يحمل أسمه، كما وله ضريح آية في العمارة بمدينة نيسابور يزوره الكثير من السياح وأبناء المدينة.
على الرغم من أشعار الخيّام الألحادية و عشقه للخمر، فأنّه يقول في أشعار تُنسب له:
إبريق مى مرا شكستى ربّى
بر من در عيش را ببستى ربّى
من مى خورم وتو مى كنى بدمستى
خاكم به دهن مگر تو مستى ربّى؟
وترجمتها:
كسرت لي إبريق خمري ربّي
أغلقت عليَ باب رزقي ربّي
أأشرب الخمر أنا فتعربد أنت
يا للوعتي، أراك سكرانا ربّي
الخيّام هذا وعلى الرغم من أشعاره هذه وغيرها وهو يتغنى بالخمر والجواري، نرى أنّ السلطات الدينيّة الأيرانيّة وبالتعاون مع علماء الفضاء الروس أطلقت قمرا صناعيا بأسمه الى الفضاء تخليدا له!!!