“إتّخاذ خطوات إستثنائية لمحاربة الفساد”، “ضرورة أن يخضع السلاح ـ كل السلاح ـ لسلطة الدولة وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي اسم أو عنوان”، ” ان منهجـي الاصلاح والفساد في الدولة العراقيـة لا يجتمعان ابدا”!! ما بين الأقواس هو الترياك الذي تحقنه المرجعية في عقول الناس التي رهنت عقولها وأبدانها ومستقبلها للعمامة، بأمل أن تحظى بالجنّة بعد الموت. أمّا عن حياتها وحياة أبنائها منذ ولادتهم وحتى موتهم الكارثي وهم يعيشون الجحيم في العراق الذي تنتشر فيه وعلى مرأى المرجعية ووكلاؤها، الدعارة والتسول وصالات القمار والمخدرات وبيع الأعضاء والخطف والفساد والجريمة المنظمة بكل أشكالها نتيجة فشل الدولة إن كانت هناك دولة في حلّها، فهو لا يهم القطيع الذي يهتف للمرجعية والفاسدين (علي وياك علي وتاج تاج على الراس سيد علي السيستاني)، ويبدو كذلك من أنّه لا يهم المرجعية التي تريد أن يكون الناس أسارى الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية بشيء. وهذا ما تناوله الكاتب والقاص الإيراني صادق هدايت الذي أصدر رجال الدين في إيران وقتها فتوى بتحريم كتبه، إذ قال في كتابه (الحاج آغا) عن لسان معمّم وهو يخاطب المجمّع الشرعي: لا تدعوا أن يزداد وعي الناس بأي وسيلة، وقولوا لهم ان كل ما نقوله لكم هو الصحيح ، وغيره كفر وباطل، لا تجعلوا القامة والزنجير والأعلام تسقط من أيادي الناس، لأن في اليوم الذي يرمي الناس هذه الأشياء من أيديهم ويمسكون بدلها بكتاب فعلينا حينها الرحيل وترك هذه الحياة الباذحة التي نعيشها، وإذا إستطعتم أن تحافظوا على الناس ضمن هذه المعادلة فإننا نستطيع ركوبهم لآلاف السنين ونعيش نتيجة إستحمارهم أغنياء ومحترمون، وإذا ظهر شاعر أو مثقف من بين الف إنسان فلا تخافوا ووجهوا له تهمة كافر، حينها ترون الناس الذين ربّيتموهم على هذه المباديء يهجمون عليه ويقطّعونه إربا إربا.
عودة لترياك المرجعية نرى أنّ سلطة المحاصصة لم تقدم على أية خطوات عادية ولا نقول إستثنائية لمحاربة الفساد أو الحدّ منه على الأقل ولم يخضع السلاح لليوم لسلطة ما تسمّى الدولة، امّا المجموعات المسلحة والخارجة عن القانون، فأنّها أصبحت جزء من قوات الدولة المسلحة بعد أن إمتنع السيستاني ولليوم من إلغاء فتوى الجهاد الكفائي الذي منح الشرعية للعصابات الشيعية وفتح الباب أمامها واسعا في دخول المعترك السياسي والبرلمان، وهذان الأخيران مطلبان إيرانيان ولا يستطيع لا السيستاني ولا غيره من المراجع ورجال الدين الشيعة وساستهم منعه. أمّا قوله من أنّ ” منهجـي الاصلاح والفساد في الدولة العراقيـة لا يجتمعان ابدا” فأنّه كلام يُضحك الثكلى كونه من البديهيات التي يعرفها حتّى الأمّي، ولا تحتاج الى خطب رنّانة من على المنابر التي تقود شعبنا الى كهوف ما قبل التاريخ!!
عندما تتدخل المرجعية في الشأن السياسي وهذا ما فعلته منذ الإحتلال الذي منحها حرية الكلام لتكن مرجعية ناطقة لا صامتة ولليوم، فهذا يعني أنّ وظيفتها تجاوزت تعريفها الناس بالدين والمذهب، وحفظ الشريعة والإسلام من الإندراس أو ما يُترجم بحفظها لبيضة الإسلام. فوظيفتها اليوم هي أن تهدي الناس لما فيه مصلحتهم، لا أن تمسك العصا من الوسط لتقول من أنّها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين!! فمثلما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كما يقول القرآن الكريم، فلا يستوي الفاسد والماجد ولا القاتل والضحية ولا السارق والمسروق، وعليه فأنّ كلام المرجعية هنا هو هروب للأمام ودعم للفاسدين ليس الّا، بل هو ضد ما جاء في القرآن نفسه.
لنعد الآن الى معنى ” المجرَّب لا يجرَّب” طالبين من المرجعية شرحه لنا لنكن على بيّنة من مقاصدها وهي تهدينا لما فيه خيرنا ووطننا كما تدّعي؟ فهل المجرّب بنظرها هو شخص أم حزب أم تيار أم قائمة إنتخابية؟ وهل دورها ينتهي بكلامها هذا أم عليها أن تقول لمريدها على الأقل من أن السياسي الفلاني والحزب الفلاني والتيار الفلاني والقائمة الفلانية فاسدون، كون تجربتهم خلال أربع دورات إنتخابية أثبتت ذلك، وهل فساد سياسيين أو نوّاب برلمانيين من حزب ما يعني أنهم فاسدون وحزبهم غير فاسد، فإن كان كذلك فلماذا يتم ترشيحهم في كل إنتخابات من قبل حزبهم؟
يقول الإمام علي ” إذا أردت ان تعرف طبع الرجل فأستشره، فانك تقف في مشورته على عدله وجوره، وخيره وشرّه”. وأنا هنا وكمواطن عراقي متضرر كما الأغلبية الساحقة من أبناء وطني، استشير السيد السيستاني بذهابي للإنتخابات كما يريد لأقول: أنّ الأحزاب التي تملك المال والسلاح والإعلام والتي ستشارك بالإنتخابات هي نفسها التي تحكمنا منذ الإحتلال لليوم، وهي التي تقود الدولة الفاسدة وتسرق وتنهب ثروات البلد، ولا توجد أحزاب سياسية قادرة على الوقوف أمامها. فالإنتخابات السابقة والتي قبلها أثبتت التزوير وسرقة صنادق الإقتراع وانحياز المفوضية غير المستقلة للإنتخابات الى حيتانها، فهل عليّ الذهاب للإنتخابات وإنتخاب أحدا منهم!؟السيد السيستاني أجزم من أن دعوتكم الناس للذهاب الى الإنتخابات لإنتخاب فاسد أو فاسد، فأنّكم تقولون لهم ” المُجرَّبْ يُجرَّبْ”. وأجزم من أنّ نتائج الإنتخابات القادمة لن تختلف عن سابقاتها في توزيع كعكة السلطة بين المتحاصصين الفاسدين، وأنّ غدا لناضره قريب أيها السيد السيستاني.
يقول الإمام علي ” ما أكثر ما تجهلُ من الأمرِ ويتحيّرُ فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك، ثم تُبصره بعد ذلك” ووالله إنّي لا أجهل الأمر ولا أتحيّر في رأيي، ولا يضلّ فيه بصري، وأني أبصر من اليوم شكل مسرح الأراجوزات العراقي أي البرلمان، وأرى الفساد والفوضى والدمار الذي سينتج عنه وهو إمتداد لفساد الدورات السابقة، وأرى العراق في عين العاصفة وشعبنا تهان إنسانيته وتُداس كرامته. فهل ترى المرجعية عكس ذلك!!؟؟