المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات تكذب كعادتها
زكي رضا
مفوضيّة الإنتخابات التي عليها تقع مسؤولية إجراء إنتخابات حرّة ونزيهة وشفّافّة، من خلال الإعلان عن موعد الإنتخابات وتنظيمها بدءا من تسجيل الناخبين وتحديث سجلّاتهم ومرورا بالإشراف على مراكز الإنتخابات وجمع وحفظ صناديق الإقتراع وعمليّة العدّ والفرز وإنتهاءا بإعلان النتائج النهائية هي “هيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع لرقابة مجلس النواب” وفق ما جاء في الفصل الثاني، المادة الثانية من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ومجرّد تقسيم مهامها على اساس المحاصصة من خلال تعيين مفوضّين من مثلث الفساد الطائفي القومي، فأنّ المفوضيّة تكون قد فقدت إستقلاليتها لتكون تحت رحمة سياسات هذا المثلث ومصالحه وتحديد نسبة ممثليه في البرلمان المركزي بما يتوافق وإستمرار نهج المحاصصة المدمّر.
لقد دأبت المفوضيّة على إطلاق تصريحات ما أنزل الله بها من سلطان، كلما حدثت جريمة أثناء سير الإنتخابات أو قبلها وبعدها حتّى. فسرقة صناديق الإقتراع وإعادتها بعد فترة ليست بالقصيرة، أو حرق مخازن صناديق الإقتراع، وقضية المال السياسي والإستفادة من عجلات الدولة وبنايات الوزارات الحكومية للدعاية الانتخابية، والتأخير في إعلان النتائج النهائية للإنتخابات من أجل إرضاء القوى المتنفذة وفسح المجال امامها لتزوير النتائج بما يتناسب وأعداد المقاعد البرلمانية لكل منها، وجدت له المفوضيّة ومعها السلطة التنفيذية حلا سحريا وهو تشكيل لجان تحقيق وضرب المتهمّين بيد من حديد كما تصرّح دوما ومعها الحكومة، ولترجع هذه اللجان ومعها تلك اليد الى من نظّمها راضية مرضية لتدخل جنّة البنوك وإمتلاك العقارات داخل وخارج الوطن!! ولأنّنا نعيش موسم الإنتخابات التي لم تنضج ثمارها لليوم، فأنّ المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات خرجت علينا وهي تتهيأ لتزوير إرادة الناخبين الراغبين رغم معرفتهم بنتائج الإنتخابات بتصريح غريب جدا.
فقد تناقلت وسائل الإعلام في 17/05/2021 اخباراً عن فقدان ملايين البطاقات الإنتخابية، وعوضا عن تقديم المفوضيّة تفسيرا منطقيا لفقدان هذا العدد الهائل من البطاقات والتي سيكون تأثيرها كبيرا على نتائج الإنتخابات القادمة، خرجت علينا المتحدثة بإسمها السيدة جمانة الغلاي بتصريح “غريب” جدا. إذ قالت أنّ : “مفوضية الانتخابات قامت بتوزيع بطاقات قصيرة الأمد في 2014 و 2018 وتم اعتمادها وجرى توزيع ما يقرب من 5 ملايين بطاقة قصيرة الأمد على الناخبين” ولتضيف قائلة: ” أن “المجلس الجديد والمفوضية الجديدة، وجدا أن هذه البطاقات موجودة في مراكز التسجيل منذ 2014 و 2018 ولم يراجع عليها أصحابها، وقد يكون ذلك بسبب حالات الوفاة والهجرة”، مشيرة إلى أن “هذه البطاقات سُحبت من قبل المكتب الوطني في المفوضية مع حجب بيانات الناخبين وفتح مرحلة تحديث سجل الناخبين مجدداً ونحن بانتظار مراجعتهم لأقرب مركز تسجيل لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد”!!!
في العام 2018 أطلقت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة العراقية خطة الاستجابة الإنسانية لدعم النازحين لذلك العام، وقدّرت السلطات العراقية حينها عدد النازحين داخليا بنحو 2.5 مليون عراقي، ووقتها أعلن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في العراق راماناثان بالاكريشنان ووزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف عن خطّة للإستجابة الإنسانية لدعم النازحين. لكن الذي يهمّنا هنا هو تصريح السيد الجاف الذي ناشد فيه “القوى السياسية عدم استغلال ملف النازحين مع قرب موعد الانتخابات النيابية المقررة في أيار/مايو المقبل”. والآن دعونا نعود لتصريحات السيدة الغلاي الغريبة.
تقول السيدة الغلاي أن عدد البطاقات التي وُجدت في مراكز التسجيل من قبل المفوضية هي خمسة ملايين بطاقة، وأنها تعود لناخبين مهجّرين أو موتى، ولمّا كان عدد المهجرين وفق بيانات وزارة الهجرة والمهجرين لنفس الفترة هي 2.5 مليون نازح، فأنّ عدد المتوفين وفق تصريحات السيدة الغلاي هو 2.5 مليون عراقي!! وهذه لوحدها جريمة كبرى ووصمة عار في جبين سلطة المحاصصة التي تنتمي اليها السيدة الغلاي. والأنكى هو أنّ السيدة الغلاي تنتظر مراجعة هؤلاء الناخبين لأقرب مراكز التسجيل ” لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد”. ولو آمنّا بسياسة الحكومة العراقية في معالجة ملفات النازحين وعودتهم الى حياتهم الطبيعية، ومن ثم تحديث بياناتهم للمشاركة في إنتخابات محسومة النتائج سلفا، فهل سيعود الموتى وعددهم 2.5 مليون لتحديث بياناتهم ايتها السيدة جمانة!!؟؟
السيدة جمانة، هذه البطاقات ستقسّم من قبل المفوضيّة على أحزاب السلطة لتعزيز مواقعها السياسية في إدارة البلاد التي هي على شفير الهاوية، ودعاية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي على زيادة اعداد المشاركين بالإنتخابات.
السيدة جمانة، لدينا مثل شعبي يقول: الچذب المسفّط أحسن من الصدگ المخربط، ويبدو من أنك ومفوضيتك وحكومتك لا تجيدون لا الچذب المسفّط ولا الصدگ المخربط.
الإنتخابات لن تغيّر شيئا من اللوحة السياسية القاتمة، ومقاطعتها وعدم منح الشرعية لقوى الفساد واجب وطني وأخلاقي.