قد يبدو للبعض من أنّ المالكي أو العامري هما الورقتان الأيرانيتان الرابحتان في نجاح المشروع الأيراني بالعراق، لكننا لو تابعنا السيد مقتدى الصدر وخطّه السياسي البياني لأكتشفنا من أنّه الجوكر في شدّة الورق الأيرانيّة، وهو من يجعل الهيمنة الأيرانيّة على العراق واقع حال صعب تغييره.
الصدر كما غيره يرفع شعار الأصلاح وليس الشعار الأهم وهو التغيير، ولو وافقنا الصدر أو غيره شعارهم في تنفيذ هذا المطلب المهم، فما هي السبل لبدء وتنفيذ هذا الأصلاح المزعوم؟ نظريا وعمليا لا يمكن البدء وتنفيذ مشروع الأصلاح من أزقّة الحنّانة بشكل فردي، بل من أروقة السياسة في المنطقة الخضراء ببغداد حيث السلطات الثلاث. فالأصلاح الذي ينتظره شعبنا يبدأ من البرلمان، الذي يراقب أعضاءه عمل السلطة التنفيذية. والبرلمان نفسه هو من يعيّن رئيس السلطة التنفيذية. أذن فالتواجد البرلماني هو حجر الأساس في البدء بالأصلاحات وأن بشكل تدريجي، أستنادا الى ثقل البرلمانيين ودورهم في البرلمان.
الأحداث السياسية الأخيرة وأنسحاب نوّاب الكتلة الصدريّة من البرلمان، تعني أمرين أثنين. أولّهما هو عدم أمكانيّة الصدر والصدريين من تنفيذ مشروعهم الأصلاحي، كون تنفيذ هذا المشروع بحاجة الى نوّاب يعملون على تشريع قوانين للحدّ من ظواهر الفساد والجريمة المنظمّة في وزارات وأدارات الدولة التي ينخرها فساد لا مثيل له في العالم كلّه تقريبا. والأمر الثاني بعد أنسحاب الصدريين من البرلمان هو غيابهم عن السلطة التنفيذية، وهذا يعني فسح المجال للقوى التي يدّعي الصدريون مناوئتها لأخذ المبادرة في تشكيل الحكومة، والتي لن تخرج مطلقا عن نهج المحاصصة الطائفية القومية. وهذا يعني عدم أمكانية الصدر وتياره تحقيق مشروعهم الأصلاحي، هذا المشروع الذي صوّت عليه ملايين الصدريين في الأنتخابات الأخيرة قبل أن يسرق الصدر أصواتهم ويمنحها للبيت الشيعي على طبق من ذهب!! وأذا أفترضنا أنّ الصدر صاحب مشروع تغيير وليس أصلاح، وهذا المشروع بالحقيقة هو الحل الوحيد لأعادة العافية لوطن مدمّر وشعب يعيش في مقبرة كبيرة أسمها العراق. فأنّ ما ذكرناه أعلاه حول غياب النواب الصدريين عن البرلمان يتكرر هنا في عجز الصدر عن المضي قدما في عملية التغيير، هذا أن كان الصدر من المؤمنين بالتغيير حقّا.
لو أفترضنا أنّ الصدر يعوّل بعد أوامره لنوّاب كتلته بتقديم أستقالاتهم من البرلمان، على قوّته في الشارع لتحشيد أتباعه في تظاهرات مليونيّة لأسقاط العمليّة السياسيّة وبنائها على أسس وطنيّة من جديد كما يقول دوما، فهل ستشارك جماهير أنتفاضة تشرين وغيرهم الصدريين في سعيهم هذا!؟ الضغط الجماهيري الواسع والمستمر أي غير الموسمي، وممارسة أشكال نضال غير التي أستخدمت لليوم في مواجهة سلطة الفساد، كالعصيان المدني والأضرابات العمّالية والطلّابية والمهنيّة، تعتبر من أنجع الوسائل للتغيير الحقيقي. لكنّ السؤال المهم هنا هو، من يملك الثقة بالصدر والصدريين ليشاركهم تظاهراتهم وأضراباتهم!؟
الصدر وتياره أصحاب سوابق في أجهاض أي تحرّك جماهيري يهدّد سلطة المحاصصة الطائفية القومية، فالصدر على سبيل المثال تحدّى السلطة في عقر منطقتها الخضراء وأقام خيمته هناك، ودخل أتباعه البرلمان قبل أن يرفع خيمته ويعود أتباعه الى حياة بؤسهم في مدينتهم الأكثر بؤسا منهم!! وتياره كان اليد الأيرانيّة الضاربة في قمع أنتفاضة تشرين الخالدة، بعد أن قتل الصدريون العشرات من المنتفضات والمنتفضين في المطعم التركي وكراج السنك وساحة الصدرين في النجف وغيرها من مدن وبلدات الجنوب الشيعي الثائر.
نجاح المشروع الأيراني بحاجة الى أستمرار نهج المحاصصة وهيمنة البيت الشيعي على القرار السياسي من خلال منصب رئاسة الوزراء، والذي يراد له أن يبقى داخل أسوار هذا البيت. لكنّ مقاطعة الجماهير للأنتخابات والذي يزداد كل دورة أنتخابية عن التي قبلها، وأستمرار فساد السلطة ونهبها للمال العام، وعدم أيجاد حلول لمشاكل الناس ومطالبهم، وأستمرار تخلّف قطّاع الخدمات والكهرباء وبقيّة القطاعات الأخرى التي هي على تماس مباشر مع حاجات الناس اليوميّة أفقدهم ثقتهم بالبيت الشيعي وساسته، كما أفقد ثقتهم ببقيّة قوى المحاصصة الأخرى. ولأنّ أيران بحاجة الى نخب سياسيّة بعينها كما ساسة حزب الدعوة وزعماء فيلق بدر وبقيّة زعماء الميليشيات المرتبطة بطهران لتنفيذ مشروعها بالبلاد، ولعدم شعبيتهم في الشارع العراقي وهذا ما لمسناه من نتائج الأنتخابات الأخيرة والتي عاقبهم الناخبون فيها. فأنّ الأيرانيين يلجأون للصدر في تأهيل هؤلاء الساسة لتشكل الحكومة وأستمرار مسلسل الفساد والنهب، وترسيخ المشروع الأيراني المناهض لتطلعات شعبنا للحياة بكرامة، كيف؟
بدأ الصدر بالتغريد خارج البيت الشيعي رافعا شعاراته حول الأصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين وتقديمهم للمحاكمة ويعني بهم عدد من قادة البيت الشيعي لبناء نظام جديد لا نعرف لليوم ماهيّته، وحثّ أتباعه للتصويت بكثافة لصالح كتلته وبرنامجه هو. وما أن أنتهت الأنتخابات وفاز تيّاره بأغلبية مقاعد البرلمان حتى بدأ بتنفيذ المطالب الأيرانيّة الداعية لتشكيل حكومة تكون القوى السياسية الشيعية ذوات الأذرع الميليشياوية على رأسها، عن طريق أنسحاب نوّابه من البرلمان وتعويضهم بنوّاب آخرين غالبيتهم العظمى من كتلة المالكي الذي يدّعي الصدر معاداته، وكتلة فيلق بدر وبقية القوى الميليشياوية. وهنا تكون أيران قد شكلّت الحكومة العراقيّة الجديدة كعادتها، عن طريق ورقة الجوكر التي عندها، أي مقتدى الصدر.
التغيير لا يأتي عن طريق مقتدى الصدر ولا من الحنّانة، بل يأتي من رحم أنتفاضة تشرين وشعارها نريد وطن، وليكن هذا الوطن للجميع. التغيير يأتي من جماهير بغداد ومدن وبلدات العراق التي دمرتها الحروب والفساد. أنّ السلطة والصدريين بكلّ جرائمهم وقسوتهم لم يقتلوا الأنتفاضة، بل أجلّوا عن طريق قمعهم وقتلهم للمئات من المنتفضات والمنتفضين مشروعها في التغيير الشامل للسلطة ونهجها الكارثي